FYI.

This story is over 5 years old.

مجتمع

عشرة أسئلة أردت دوماً طرحها على موظف حكومي

عندما يدخل أحدهم المكتب ويجدني أجهز كوبًا من الشاي مثلاً تراه ينظر نحوي نظرة متنمرة (آآآآه.. ها هي تشرب الشاي)، وفي ذهنه أنني أتلكأ عمدًا
موظف

فليكر

كرَّست الدراما والأفلام لصورة معينة للموظف الحكومي، فهو شخص لا يفعل شيئًا تقريبًا، ويعطل مصالح المواطنين، ويتقاضى راتبًا مقابل ترديده "فوت علينا بكرة" والاعتذار مبكرًا عن العمل لأسباب غير مفهومة. وبعد تاريخٍ طويل من المعاناة مع الموظفين الحكوميين، أردت سؤال أحدهم 10 أسئلة طالما جالت بذهني حول وظيفتهم، والتقيت بأمينة، موظفة بوزارة التضامن الاجتماعي في مصر، وأجريت معها هذا الحوار.

VICE عربية: السؤال الذي على بال الجميع، لماذا هناك دائماً تأخير في إنهاء معاملات المواطنين؟ هل تتقصدون ذلك؟
أمينة: يتخيل الناس أن الموظف يتعمد تعطيل أعمالهم، لابد أن هناك موظفون يفعلون هذا فعلًا، ولكن الأغلبية لا تتعمد هذا. عندما يأتيني مواطن لإنجاز معاملة معينة فهناك خطوات طويلة يجب أن أجريها أولًا، وأتحرى الدقة في الالتزام بها وإلا تمت معاقبتي. التأخير مرتبط بالإجراءات البيروقراطية المفروضة علينا كموطفين حكوميين. المشكلة ليست في الموظف الحكومي إذن؟
أنا أرى أن الجمهور متأثر بما يشاهده في الأفلام والدراما، عندما يدخل أحدهم المكتب ويجدني أجهز كوبًا من الشاي مثلاً تراه ينظر نحوي نظرة متنمرة (آآآآه.. ها هي تشرب الشاي)، وفي ذهنه أنني أتلكأ عمدًا، في حين أنني أريد أن أتناول مشروبًا كما يفعل الجميع جلبًا للتركيز والهدوء، لأنهي أعمالي بشكل أسرع. هناك أيضًا جمهور يتخيل أن الكل مرتشي ويريد مضايقته، وأشخاص يتعاملون بشكل حاد دون مبرر.

إعلان

ما عدد ساعات العمل الصافية التي تقضينها يوميًّا؟
الموظف الحكومي يحرق الكثير من الوقت والجهد في تواصله مع الجمهور؛ كثير من المواطنين يأتوننا ونضطر لاستجوابهم لاستيضاح مشكلاتهم بدقة، ثم شرح الإجراءات الضرورية لإنجاز معاملاتهم، ثم توضيح لماذا لا يمكن إنجاز الأمر كله في لحظات، وما يلي هذا من شجارات ومشاكل وشد وجذب. وسط هذه الدوامة من الصعب أن يحقق الموظف الحكومي أربع ساعات عمل صافية، أكثر من نصف الوقت ضائع مع الجمهور الغاضب المتشكك فينا، وكل هذا يأخذ من طاقة الموظف وروحه وأعصابه.

من هم أسوأ العملاء الذين تعاملت معهم؟
الأشخاص الذين يدخلون المكتب وفي نيتهم الشجار أو التعامل بوقاحة، ويتخيلون أن صوتهم المرتفع سيجعل معاملاتهم تنجز سريعًا. هؤلاء الأشخاص يهددون بإشعال مشكلة وتقديم شكاوى فينا وهدم العالم على رؤوسنا لو لم ننهي ما جاء لأجله، ولو أصغى إلينا لأنهى مصالحه بهدوء وبسرعة. شهدت من قبل شجارًا حادًّا بين زملائي وبين شخص يصرخ لأنهم يعطلونه، وكل ما طلبوه هو أن يعود غدًا ريثما تنتهي الأوراق، وكان تصرفهم قانونيًّا تمامًا وليس بوسع المدير نفسه تغيير هذا، لكن الشجار اشتعل ووصل لدرجة طلب الشرطة. لم يكن هناك مبرر لكل هذا، أحيانًا يجب عليك أن تصبر على الموظف الحكومي قليلًا لتنتهي أعمالك بسلام. هل تتعمدين مضايقة أشخاصٍ بعينهم؟
لا أريدك أن تعتقدي أنني أتظاهر بالمثالية، لكنني لا أفعل هذا أيضًا. أنا شخص مسالم، وخبرتي في العمل الحكومي منحتني الصبر والبال الطويل مع الناس. بعض الموظفين يضايقون المواطن الذي يتنمر عليهم أو يضايقهم، ويدخلونه في دوامة من الإجراءات السخيفة ليكفر عن سيئاته، لكنني أجيد امتصاص غضب من أتعامل معهم، وأوضح لهم بهدوء لماذا لا أستطيع خدمتهم بالسرعة الكافية، وأعدهم بإنجاز كل شيء حال توفير الأوراق الرسمية المطلوبة، وهذا يكفي ليمر اليوم بسلام.. بعد كثير من الثرثرة والجهد طبعًا.

إعلان

هل عبَّرت الأفلام والمسلسلات عن الموظف الحكومي بصدق أم ظلمته؟
للأسف لا، نظرة الدراما والسينما للموظف الحكومي، وتصويرهم له باعتباره الشرير الذي يتقصَّد تعذيب الناس ومضايقتهم كانت أول مسمار في نعش علاقة المواطن بالموظف. عملت لسنوات طويلة مع الجمهور وفي كل يوم ألتقي بأشخاص يدخلون إلينا وهم متحفزون ضدنا، يفسرون كل كلمة وكل طلب بشكل خاطئ، ويتصورون أن كل إجراء طويل يهدف لتلقي الرشوة أو المضايقة، والحقيقة أبعد عن هذا بكثير. ليست السينما والمسلسلات فقط، بل الإذاعة أيضًا، قبل عقود عرفت مصر برنامج (كلمتين وبس) منذ عقود، كان صباحنا يبدأ به، وقد انتقد موظف الحكومة بقسوة وصوره شخصًا بغيضًا وظالمًا ومرتشيًا، والصورة السيئة نفسها مستمرة إلى اليوم. لم أر فيلمًا به تصوير حقيقي للموظف بكل مشاكله ومعاناته.

هل تحبين عملك، أم تمارسينه لأجل الحصول على راتبك فقط؟
لم أفكر في موضوع حب وظيفتي هذا من قبل، لقد كانت الوظيفة المتاحة لي ولم أر لها بديلًا، كما أن العمل الحكومي له مميزاته، فهي وظيفة مستقرة وآمنة، لها إجازات ومواعيد محددة معقولة، وخالية من غباء المديرين وتحكماتهم كما في القطاع الخاص. بالطبع هناك مديرين سيئين في الحكومة، لكن مهما بلغت مضايقاتهم، بإمكانك تقديم شكاوى، والرجوع إلى القانون. بشكل عام، سلطة المدراء عَلي كموظفة حكومية محدودة، فلا يمكنه فصلي من العمل مثلًاً.

ما أسوأ شيء تواجهينه في وظيفتك الحكومية؟
الرواتب القليلة هي أول المشاكل، وهناك نوع من الظلم في توزيع الرواتب على الموظفين الحكوميين من وزارة لأخرى، ومن قسمٍ لآخر. العاملون في الضرائب يحصلون على رواتب كبيرة مثلًا، ويجلسون في مكاتب مكيفة ويعملون في ظروف ممتازة، وعلى النقيض موظفي الشؤون الاجتماعية المكلفين ببحث أحوال الفقراء، هؤلاء بدورهم فقراء جدًّا ورواتبهم هزيلة لدرجة مذهلة، وهكذا. هذا بالاضافة الى الروتين والإجراءات التي يتحتم عليكِ التحقق منها قبل إنجاز المعاملات. أيضًا هناك البيئة غير المريحة التي قد نضطر للعمل فيها، فبعض مقرات العمل غير نظيفة، ويكون علينا أن ننظف غرفتنا ومكاتبنا قبل بدء العمل صباحًا. عملت أيضًا في مقرات حكومية بها غرفة أرشيف غارقة في الماء، ما يضطر الموظفين لخلع أحذيتهم ورفع السراويل قليلًا كي لا تبتل حتى ينهوا عملهم بالغرفة. هذا بخلاف الحشرات وعدم وجود تكييف أحيانًا، والمكاتب المكدسة بأوراق يعود تاريخها لخمسة أعوام ماضية على الأقل، وتجثم على أنفاسك دون أن تستطيعي التخلص منها أو إبعادها عنك.

هل حصلتِ على رشوة من قبل، أو اضطررت للتستر على فساد؟
لم أحصل على رشوة في عملي، لكن هذا لا ينفي وجود كثير من الموظفين مرتشين، يقبلون الرشوة، بل ويطلبونها ويحددون سعر خدمتهم أيضًا. أمَّا بالنسبة للفساد المالي والتلاعب بملايين الجنيهات ومصاير الناس فهذا متعذر على صغار الموظفين، ولم أقابله أو أتستر عليه منذ بدأت عملي.

هل تؤثر بيئة العمل التي تعيشين فيها على نفسيتك؟
أكيد، العصبية والضيق والشجار والشتائم التي تدور من حولي تؤثر على نفسيتي على المدى الطويل، لكنني دومًا أعود وأتمسك بأنني أخدم الناس ويجب أن أؤدي عملي جيدًا. عرفت زميلات يفقدن أعصابهن على الجمهور ليفرغن توترهن بعد شجار مع الزوج أو الأطفال مثلًا، وموظفين يتعمدون مضايقة الناس لتفريغ غضبهم من مديرهم مثلًا. الأمثلة السلبية موجودة ولا يمكنني إنكارها. على الرغم من كل ذلك، أنا لا أكره عملي في الحكومة، لقد نظرت له من زاوية مختلفة هي أنني أساعد الناس وأقدم لهم خدمة مهمة. أنا موظفة في التأمينات، وهي جزء مهم من حياة أشخاص كُثر، تساعدهم على تأمين حياتهم ومستقبلهم، عندما أنتهي من مهام عملي ويشكرني الجمهور على هذا أشعر بالسعادة والإنجاز.