نسوية

رسوم: مريم علي العميرة

مرأة

دارين حليمة مارست الجنس والدنيا قامت

جميع الجرائم التي ترتكب بحق المرأة هي نتيجة لصمت المجتمع

"تعالي على الخاص انشبعك ساكس،" "ساقطة عاهرة"، "نفسي أكون جنبك"، "كلامك صح وغلط بس ارجعي للدين وانت تعرفي كل شيء، الجنس أو الزنا حرام للراجل والمرأة، لكن المجتمع الشرقي لا يعاقب الرجل ولكنه يعاقب المرأة." هذه بعض من التعليقات على واحدة من عدة مقالات تنشرها المخرجة والناشطة النسوية السورية دارين حليمة، نشرتها مؤخرًا بعنوان "أنا مارست الجنس."

حليمة 40 عامًا، ولدت بدمشق، ودرست الصحافة هناك، ثم عملت في إذاعة محلية إلى جانب التدريس في مدرسة أطفال خاصة، وركزت على تعلم الإخراج والتصوير والمونتاج من أجل خدمة القضايا النسوية. تخبرني دارين في حديث هاتفي أن قرارها بتأسيس منظمتها "نسوية" جاء بالصدفة. في أحد الأيام، أوقفت شرطيًا لتسأله عن أماكن تواجد منظمات المرأة بدمشق، لكنه استغرب سؤالها وضحك، قائلاً "ما عنا هيك شي، انتي وين عايشة؟" سألته عن سبب عدم وجود منظمات للمرأة، أجابها "شو بعرفني؟ روحي من هون، وبس تكبري اعملي منظمة لحالك." ولم يدرك الشرطي أنه منحها الفكرة. بعد الحرب في سوريا، انتقلت دارين للعيش في لبنان، ثم انتقلت إلى هولندا قبل 7 سنوات. تزوجت ثم انفصلت عن زوجها قبل 5 سنوات واستقرت في شقة وحدها. هي الآن مخرجة وكاتبة ومتحدثة محفزة في القضايا النسوية.

إعلان
1564488719630-darine1

دارين حليمة، الصورة مقدمة منها.

VICE عربية: بداية، دعينا نتحدث عن مقالك الأخير أنا مارست الجنس ودعوتك للمساواة الجنسية وردة الفعل على المقال.
دارين حليمة : المقالة انطلقت بمقدمة صغيرة وخاتمة قصيرة للإجابة عن "أنا لماذا مارست الجنس؟ ولماذا أعلنت أنني مارست الجنس؟ ومع مَنْ مارست الجنس؟" وركزت في مقالي على الانتهاكات الجنسية للمرأة وحرية الرجل الجنسية ولماذا يجب أن تطالب المرأة بحقوقها الجنسية؟ إن المطالبة بالحقوق الجنسية تعني إلغاء الوصاية على المرأة وعلى قدرتها على الاختيار دون قيود أو وصاية. برأيي، جميع الجرائم التي ترتكب بحق المرأة هي نتيجة لصمت المجتمع، الذي يرى بأن المرأة وفق ثقافته السائدة، هي من مارست الجنس أو مورس عليها الجنس، بمعنى أن الجنس حق للرجال وعهر للمرأة، لذلك طالبت في هذا المقال بالمساواة الجنسية.

لكن في ختام المقال قلتِ "هذا المقال ليس دعوة لممارسة الجنس بل للكلام في الجنس" ماذا تقصدين بالكلام في الجنس فقط؟ ألستِ تناقضين نفسك هذا باعتبار الأمر حرية شخصية؟
لم أناقض نفسي، هذه حرية شخصية بالتأكيد. المقال ليس دعوة لممارسة الجنس، بل هو دعوة للمطالبة بالحقوق الجنسية للمرأة وهناك فرق كبير، النساء بحاجة إلى الحديث في الجنس لإثبات حقوقهنّ الجنسية. الاختيار إن قررنّ ممارسة الجنس أو عدم الممارسة، هذه حرية شخصية لكل امرأة. المهم رفض قوانين المجتمع الذكوري الجنسية، والتعهير الجنسي للمرأة، ورفض العقاب على اختيارها لممارسة الجنس، في الوقت الذي يتم التسامح فيه مع الرجل، هذا ما دعيت له في المقال، ولا يوجد هناك تناقض أبدًا.

مقالكِ حصل على تفاعل كبير، جزء ليس ببسيط منه كان سلبيًا، لا شك أنك توقعت ذلك.
نعم نعم، سلبي جدًا، وتوقعت ذلك قبل النشر لأنني أفهم المجتمع جيدًا. لذلك أنا اؤكد لماذا كتبت المقال وبهذه الطريقة، لأنه في حال قالت المرأة كلمة جنس، فهي بالنسبة لهم دعوة لممارسة الجنس، لكن ليس الجنس الذي ترغب به أو تحتاجه، بل الجنس الذي هُم يريدونه، الجنس بمعنى الانتهاك والمفعول بها والاغتصاب، هذا الجنس المفضل لهم، لأنهم يرونها أداة جنسية لا أكثر، وهذه هي الوصاية الجنسية التي أتحداها. عندما كتبت "أنا مارست الجنس" أخذت هنا دور الرجل في استعراض الجنس كما يريد، وما فرضته في المقالة، الجنس الذي تريده النساء، جنس ليس فيه تحرش أو اغتصاب أو انتهاك، ببساطة هي بحاجة إلى حقوق، ورفع الوصاية عن جسدها.

إعلان

لو تابعت التعليقات على المقالة، كان في تعليقات على شاكلة "بدي مارس الجنس معك" شوف الحرية في العرض بشكل علني، دعوة صريحة وعلنية لممارسة الجنس من ذكور، لم يعهرهم أو يتعرض لهم أحد، وهذا دليل على الثقافة الجنسية، من شخص يتمتع بحريته الجنسية كاملة. صدقًا لا تعنيني تعليقاتهم، على العكس أجدها مضحكة، وسيكولوجيًا أتفهم من أين جاءت تعليقاتهم، فمثلاً من يكتب أنتِ ساقطة أو كلمات جنسية أخرى بشكل مُفرط، هو شخص مثار جنسيًا، تعود على ثقافة الأفلام الإباحية المدمن على مشاهدتها، معتقدًا أن النساء تعشق الاغتصاب. صدقًا أُشفق على مثل هذا الشخص لأنه لا يعلم بأنه معتل اجتماعياً وجنسياً.

ألم يصبح الحديث عن الجنس أكثر قبولاً؟ أم أنه لا يزال تابوهًا؟
الجنس مازال تابوهاً كبيراً، ولكني لستُ الوحيدة من كسر هذا التابوه، الصحفية وناشطة حقوق المرأة المصرية-الأمريكية منى الطحاوي كسرت قالب الجنس وتحدثت عنه، والنسوية الكاتبة الصحفية اللبنانية جمانة حداد تحدثت وكتبت عن كل تجاربها الجنسية، وطبعاً الروائية المصرية الشهيرة نوال السعداوي كتبت وتحدثت عن الجنس، والكاتبة التركية إليف شافاق تحدثت أيضًا عن الجنس. لكن لم تصل هذه المعلومات والتجارب للنساء بالشكل المطلوب. لا تزال النساء تشعر بالخوف من الحديث بكل أريحية عن الجنس وممارسته، بسبب قيود المجتمع المفروضة عليهنّ. بالنسبة لي، سأستمر بالحديث عن الجنس وبشكل واضح وصريح دون خوف متحدية الكذب والنفاق المجتمعي.

خلال بعض الفيديوهات التي تنتجينها، تعتمدين في الحديث والشرح للمتابعين على كتب لنوال السعداوي، لماذا نوال بالذات؟
أنا لا أعتمد فقط على كتب نوال السعداوي، أحاول أن أعتمد على عدة كتب أخريات، اعتمدت مثلاً على كتاب "ابتزاز عاطفي" للدكتورة سوزن فورد، ولكن موضوع مناقشة كتاب يتطلب جهد عالي، لذلك عملت على كتاب واحد لنوال السعداوي وهو المرأة والجنس. لماذا أركز على نوال؟ ببساطة لأنها المرأة الأكثر نضالاً وتوهجًا وذكاءً وشجاعة بنظري، وهي الأم الروحية للنسوية، وكان لها دور في تغيير حياتي منذ أن كنت صغيرة. كما أنها تقوم ببحوثها اعتماداً على أمثلة منطقية، تاريخية وسياسية مبنية على حقائق. وهي خبيرة في الوضع النفسي للمرأة، لذلك نوال السعداوي لها مرتبة خاصة عندي.

إعلان

استمعت لشكاوى العديد من النساء من خلال صفحتك على فيسبوك نسوية عن ماذا يتحدثون؟ وهل لديك الحلول لهنّ؟ هل يشتكى لكِ الرجال أيضاً؟
استمع للعديد من النساء منذ العام 2014 حتى الآن، ولكن قننت الاستماع في العام الأخير. نعم، تحدثوا عن مشاكلهنّ وأسرارهنّ، وفي أغلبها كانت شكاوي من اختراقات جنسية، وتعنيف وانتهاك جنسي، جميعها مبنية على الأمراض الجنسية المجتمعية تجاه المرأة والوصاية عليها. أنا لا أقدم حلولاً، بل تفسير لمشاعرهنّ والنصائح في كيفية التعامل مع مشاكلهنّ، دون فرض أي حل. فمثلاً اذا كانت امرأة ترغب في خلع الحجاب، لكنها تعيش في بيئة عنيفة يمكن أن تعرضها لمخاطر، أقول لها الأمان أولاً، ولكن في حال أصرت فهذا خيارها. ونعم تأتيني اتصالات وشكاوي من رجال، وهي كثيرة خاصة في العامين الماضيين، وتنوعت ما بين الخوف من العجز الجنسي، والإجبار على الزواج من فتاة لا يرغب بها من قِبَل العائلة أو العشيرة، وشباب مثليين لا يستطيعون الإفصاح عن مشاعرهم ويضطرون للزواج من فتيات، وشكاوي عن الشعور بالذنب والخطيئة والإثم بسبب ممارسة العادة السرية، والإدمان على مشاهدة الأفلام الإباحية. بالطبع أستمع لمشاكلهم وأحاول تقديم النصح أيضًا.

ماذا تعني لك النسوية؟
النسوية بشكلٍ عام، ليست إثباتاً لحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل فقط، لكنها ضرورة وحل مستعجل للمجتمع ولإثبات حقوق المرأة، لأن الوضع أصبح مزري بدرجة كبيرة. النسوية هي ثورة ليست للنساء فقط، ولكنها ثورة لمحاربة المجتمع البطريركي، تحارب تمييز الرجل في المجتمع على حسابها، وتعمل على رفع الوصاية الجسدية عن المرأة، وتعترف بها ككائن مستقل قائم بذاته يتمتع بكامل الحقوق في جميع المجالات، وأهم حق هو حقها في جسدها. النسوية ليست جديدة، لكنها اختفت في مجتمعاتنا العربية بسبب القمع السياسي وانتشار الدين السياسي، وسيطرة الأنظمة البطريركية على جميع نواحي الحياة، وقمع النساء، والتعامل معهم على أنهم ملك للرجل، إضافة إلى استسلام بعض النساء لهذه المفردات.

إعلان

متى أطلقت منظمتك نسوية، ولماذا اخترت التركيز على الثقافة الجنسية للمرأة بالذات؟
أطلقت منظمة "نسوية" عام 2014، مع مجموعة من المتطوعين والمتطوعات من سوريا وفلسطين وتونس، وبمجهود ذاتي دون تمويل منذ نشأتها وحتى اليوم، حيث نركز على كل ما يخص الإنسانية وبشكل أساسي نركز على حقوق المرأة وحقوق المثليين. نحن جزء من الحركة الإنسانية نهتم بطرح المواضيع التي تتحدى المجتمع والاتجاه السائد بهدف كسر القوالب الذكورية المفروضة على أنها عادات وتقاليد وأمور مسلم بها ويجب على النساء أن تتقبلها، والأهم أننا نتحدى الشعبوية والتطرف والعنصرية والوصاية الدينية، من خلال مقالات رأي استفزازية مبنية على بحوث ومعلومات، إلى جانب نشر البحوث العلمية وبعض الترجمات. أركز على الثقافة الجنسية للجنسين وليس للمرأة فقط، ولكن بما أن الرجل يتمتع بكامل حقوقه الجنسية، أطالب أيضًا أن تتمتع المرأة بكامل حقوقها الجنسية. وللأسف الرجل لا يتمتع بكافة حقوقه الجنسية فقط، بل مسموح له أيضًا بارتكاب جرائم جنسية، يتم التسامح معها والتغاضي عنها بل وتبريرها، قانونيًا، سياسيًا دينينًا واجتماعيًا. لذلك نحن أمام حالة خطيرة، أحد الطرفين مهما فعل تبرر له جرائمه، وهو أيضًا وصي على الطرف المستضعف، وقادر على ابتزازه واغتصابه بحماية القانون والمجتمع. نحن في مجتمعات تعاني من جرائم باسم الشرف، وجرائم اغتصاب، وتحرش وابتزاز عادي والكتروني، تدفع بعض الحالات من النساء إلى الانتحار. في البداية كنا نقدم ثقافة جنسية، والآن غيرنا سياستنا وأصبحنا نطالب بكامل الحقوق الجنسية للمرأة.

ما هي أهم الأمور التي يجب على المرأة معرفتها في مجال الثقافة الجنسية؟
أولاً، يجب أن تتحرر من قالب الوصاية عليها، وتتعرف على غرائزها ورغباتها خارج الجنس المقنن الذي يمنحها إياه الرجل بحسب رغبته وغرائزه فقط، ويكون من أجل إرضاءه. ثانيًا، التخلص من الاستلاب الجنسي الذي نشأ بسبب الجنس المقنن، بمعنى أن المرأة تشعر بما يريدها المجتمع أن تشعر فقط، وتصرخ ما يريدها المجتمع أن تصرخ من أجله. ويجب على الرجل أن يفهم بأنها مساوية له، وهي امرأة تشتهي ولم تخلق لمتعته فقط. نحن بحاجة لخروج العديد من النساء للحديث عن الثقافة الجنسية، حتى يصبح الموضوع أكثر قبولاً في المجتمع، وحتى يفهم الرجل أن الثقافة الجنسية لا تورد من الذكر للأنثى، بل تورد بشكل دائري مثل شعار النسوية. من الضروري أن نخلق نقاش في الموضوع بمشاركة النساء دون أن يتم تعهير المرأة والتشكيك بأخلاقها وإطلاق مسميات بائعات الهوى عليها لمجرد أنها تتحدث عن رغباتها.

ما رأيك بالحركات النسوية مثل "أنا أيضًا"؟ ما الذي ينقص العالم العربي لإنتاج نسخ شبيهة والدفع باتجاه تعديل القوانين؟
الحركات النسوية هي حركات مهمة جدًا، لأنه أضاءت الطريق أمام النساء جميعًا. الذكورية منتشرة في كل الطبقات وفي كل المجتمعات. هذه الحركات أثبتت أنه لا يوجد شيء اسمه ذكورية شرقية أو ذكورية غربية، نفس الأنظمة القمعية، ونفس الخطر في جميع البلدان ولكن بمستويات وقوانين مختلفة.

في العالم العربي، "أنا أيضًا" كان لها تأثير كذلك، والدليل مشاركة العديد من النساء والفتيات بقصصهنّ وتجاربهنّ، وهناك دعم من النسويات في الغرب للنساء والفتيات في الشرق، مثلما حدث مع الفتاة السعودية رهف القنون، التي هربت واستحوذت على اهتمام وتعاون كبير. في اعتقادي المرأة العربية لن تبقى صامتة، وهناك موجة قادمة، مخيفة، ستقضي على الأنظمة الحالية بشكل أو بآخر، لكنها قد تحتاج بعض الوقت للنضوج. لا أستطيع الحديث بأن الغرب لديه نسخ أفضل من العالم العربي، نحن نقوم بجهد كبير، لكن الفرق أن لديهنّ قوانين منصفة أكثر لهنّ، أما نحن فلا قوانين تحمينا من ذكورية المجتمع، لذلك المقارنة ليست عادلة. أيضًا، إعلامنا العربي لا ينقل ولا يعطي مساحة للنساء للتعبير عن أنفسهم بحرية.

برأيك، أنا كرجل، ما الذي عليّ فعله لجعل حياة المرأة أفضل؟
الرجل شريك، ويجب أن يكون شريكنا في الحركات الثقافية، في الفكر الأدبي، في توريد الكتب ومناقشتها والتواجد في التجمعات والمظاهرات المساندة للنساء التي تتعرض لانتهاك، برأي مثلاً. ما تقوم به اليوم من خلال هذا الحوار ونقل وجهة نظري هو شيء عظيم، ودعم مهم، نحن بحاجة للرجل أن يكون داعمًا لنا وليس مراقباً وُمنظراً. يعاني جزء كبير من الرجال من انحلال أخلاقي لا يسمح له أن يقيم الآخرين ولكنه يريد بأن يكون وصياً علينا في الحركة النسوية - مضحك جدًا هذا النوع من الرجال. نحن نريد من الرجل أن يكون شريكاً، وأن يساهم في وقف الانتهاكات بحقنا ويبلغ عنها، يساندنا، ويعطينا الميكروفون لنعبر عن أنفسنا بدلاً من الاستحواذ عليه والحديث باسمنا. أنا مؤمنة أن هناك الكثير من الشباب المتفهمين لكنهم ليسوا الأغلبية للأسف، ولو كانوا هُم الأغلبية لما كان وضع المرأة هكذا.