الإعدام في مصر.. حكايات العقوبة المميتة من الخازوق وقطع رقاب، حتى المشانق

FYI.

This story is over 5 years old.

مصر

الإعدام في مصر.. حكايات العقوبة المميتة من الخازوق وقطع رقاب، حتى المشانق

قرر أحد ملوك الفراعنة إلغاء عقوبة الإعدام، واستبدلها بالنفي في مناطق صحراوية بعد "جَدْع أنوف" المُعاقبين، أي نزعها من وجوههم!

منصة إعدام يتدلى منها حبل ذي عُقدة مميزة يُحكمه شخص مفتول العضلات والشوارب "يُسمى عشماوي"، على رقبة المحكوم، إيذانًا بتنفيذ العقوبة.. هكذا يتم تصوير عمليات الإعدام في الدراما والسينما المصرية، وهي صورة شبه واقعية لعملية تنفيذ الإعدام في مصر حاليًا، لكنها لم تكن كذلك فيما مضى، إذ سبق هذا المشهد طرق وأشكال عديدة لتنفيذ العقوبة الأخطر عبر التاريخ، وطوال آلاف السنين.

عرفت مصر الإعدام منذ وجود الدولة الفرعونية واتسم تنفيذها حينها بالقسوة، وذلك عبر أغلب العصور الفرعونية، وكانت السلطات في ذلك الوقت تعطي الشخص المحكوم بالإعدام أعشاب تخفف بعضًا من آلام التعذيب حتى يموت. وتعددت طرق تنفيذ الإعدام في في مصر الفرعونية فكان بعض المحكومين يُحرقون أحياء، وبعضهم تُقطّع أصابعه أولًا ثم يُحرق جسده، أو يُوضع في غرفة مليئة بالرماد ويُهال عليه عدة أيام حتى يموت. ووفقًا لكتب التأريخ المصرية، فإن عقوبة الإعدام أُوقفت في بعض فترات حكم الدولة الفرعونية، إذ قام أحد ملوك الأسرة الخامسة والعشرين بإلغاء العمل بها، واستبدالها بالنفي في منطقة صحراوية بعد جَدْع أنوف المُعاقبين - أي نزع أنوفهم من وجوههم- وخصص من أجل ذلك منطقة مُخصصة لنفي المُعاقبين بهذه العقوبة.

إعلان

وأثناء حكم الأسرة الخامسة والعشرين ذاتها اتخذ أحد الملوك منحى آخر مع المحكوم عليهم بالإعدام، فقد قرر الإبقاء على إلغاء العقوبة وعدم تنفيذ أحكام الإعدام لكنه قرر أن يقوم المحكوم عليهم بأعمال خدمية شاقة بدلا من موتهم واستقر الرأي حينها على أن يقوم المحكوم عليهم بالإعدام بتعلية الطرق في المناطق التي يقيمون فيها وهو عمل شاق في ذلك الوقت لكنه كان أقل قسوة من إعدامهم وأكثر رحمة بإبقائهم على قيد الحياة.

وبقيت الدولة المصرية القديمة بين الإبقاء على حكم الإعدام أغلب الأوقات وإلغائها أو استبدالها بعض الفترات، حتى وصلت الحملة الفرنسية لمصر فظهرت في مصر طريقة جديدة لتنفيذ أحكام الإعدام. في ذلك الوقت واجهت القوات الفرنسية مقاومة من المصريين وتزعم بعض شيوخ الأزهر حركات مقاومة للجنود الفرنسين ما تسبب في إصدار قرار بإعدامهم بقطع رقابهم.

وكان لأحد الشيوخ تلميذ في العقد الثاني من العمر قرر الحفاظ على نهج معلمه وانضم لجماعات مقاومة الجنود الفرنسيين وتحبن الفرصة لقتل أحد قادتهم حتى استطاع أن يتسلل إلى مكان القائد كليبر – أحد القادة الفرنسيين الكبار آنذاك- في قصر أحد الشخصيات الهامة (الألفي بك)، وتظاهر بأنه متسول يريد منه مالا وحين مد "كليبر يده للشاب الذي عرف فيما بعد بأنه "سليمان الحلبي"، لتقبيلها طعنه "الحلبي" عدة مرات حتى قتله واستطاع الفرار من القصر قبل أن يتمكن الجنود الفرنسيين من الإمساك به وإعدامه بالخازوق. ونُفذ إعدام "الحلبي" بشكل قاس، حيث أحرق الفرنسيين يده التي طعن بها كليبر أولًا، ثم وضعوه على الخازوق، وهو (قائم من الخشب رفيع من أعلى) وأجلسوه عليه حتى خرج من كتفه الأيمن ولم يكتفوا بذلك بل نقلوه به إلى منطقة أخرى وتركوه أربعة أيام حتى نهشت الطيور جثته.

وشهدت العقود الأولى من القرن الماضي قصة إعدام أشهر قاتلتين في مصر، سيدتان كانتا أول من نفذ فيهما حكم الإعدام شنقًا في تاريخ مصر الحديث هما ريا وسكينة، بعد أن تمكنتا بمساعدة زوجيهما وثلاثة من أصدقائهما من قتل سبعة عشر سيدة وسرقة مصوغاتهن ودفنهن في مكان القتل، في سلسلة جرائم على ذات النمط. بقيت قصة ريا وسكينة عشرات السنوات حاضرة في الذاكرة الشعبية المصرية، بعد أن نُفذّ فيهما حكم الإعدام شنقًا مع خمسة آخرين أدينوا معهم بتهمة القتل العمد والسرقة؛ ليسدل الستار عن قضية اختفاء السيدات في مدينة الإسكندرية الساحلية، حيث لم يكن أحد يتصور أن وراء سلسلة الجرائم غير المسبوقة عصابة تتزعمها امرأتين. بعد مرور قرابة ستين عامًا ظهرت في مصر قضية إعدام أخرى اشتهرت في حكايات المصريين وتاريخهم. اغتال ضباط مصريون الرئيس المصري محمد أنور السادات بإطلاق النار عليه أثنار حفل الجيش المصري بانتصاره في حرب أكتوبر. أطلق ضابط يدعى خالد الإسلامبولي وثلاثة آخرين النار على الرئيس الأسبق محمد أنور السادات ومن معه فقتل، متأثرًا بإصابته وتسبب الحادث في ضجة عالمية وقتها خاصة بعد أن قال مرتكبوه أنهم عاقبوا السادات على إهانة شيوخ الدين وتفاخره بحبسهم وبعد ستة أشهر أعدم الإسلامبولي ورفاقه ونفذ في اثنين منهم قرار الإعدام رميًا بالرصاص، في حين شُنق الآخران ولم يعرف في مصر بعد ذلك حتى الآن تنفيذ عمليات إعدام رميا بالرصاص إذ تنفذ كل حالات الإعدام بالشنق حتى الموت. ولعل أشهر أماكن تنفيذ الإعدام في مصر عبر النصف قرن الماضي مؤسسة عقابية تسمى "سجن الاستئناف"، وهي عبارة عن سجن كبير يوجد في وسط القاهرة اعتادت السلطات المصرية حتى عدة سنوات مضت تنفيذ أحكام الإعدام فيه. ويتولى مسؤولية تنفيذ الأحكام أحد أفراد الشرطة المصرية، ويتم اختياره وفق مواصفات خاصة، وتلازمه في معظم الإحيان هذه المهنة طوال فترة خدمته الرسمية.

لماذا عشماوي؟
و"عشماوي" صفة عمل أكثر منها اسم شخص هنا؛ لأن كل من يعمل في وظيفة تنفيذ حكم الإعدام يُسمى عشماوي، ولهذه التسمية قصة تتوارثها أجيال من العاملين في سجون تنفيذ الأحكام، فقد كان أول من عمل في هذه المهنة الحكومية يسمى أحمد عشماوي، وكان ذلك عام 1922 عندما نفذ الحكم في ريا وسكينة، أول وأشهر سيدتين تم إعدامهما في مصر، والتصق اسم "عشماوي" بكل من خلفه في مهنته.

ومن مظاهر تنفيذ حكم إعدام في أن ترفع راية سوداء على بوابة السجن في يوم التنفيذ وحتى ينقل جسد من يتم إعدامه إلى مكان آخر. وفي القوانين المصرية نصوص تحدد عمليات تنفيذ الإعدام بإجراءات لابد منها، فيرفع حكم الإعدام حين يصير نهائيًا إلى رئيس الجمهورية للموافقة عليه، وإذا لم يلغيه أو يخففه خلال أربعة عشر يومًا من تاريخ صدوره يُصبح قابلًا للتنفيذ. ويحق لمن يحكم عليه بالإعدام قبل تنفيذ الحكم أن يلتقي عائلته وأقاربه قبل إعدامه في مكان بعيد عن موقع إعدامه، وإن كان لا يسمح بذلك في معظم الأحيان لأسباب أمنية. كما أنه يحظر تنفيذ حكم الإعدام في يوم عيد رسمي أو ديني خاص بديانة المحكوم بإعدامه، وإذا كانت ديانة المحكوم عليه بالإعدام تقتضي طقسًا دينيًا معينًا مثل الاعتراف أو لقاء رجل دين، يُسمح له بذلك.