FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

لماذا تحتاج بريطانيا لتدريس التاريخ الاستعماريّ في مدارسها

تحدثنا إلى المؤلّف والنائب في البرلمان الهنديّ شاشي ثارور عن كتابه الجديد "الإمبراطورية الشائنة: ما فعل البريطانيون بالهند"
رسم توضيحي لجنود الإمبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الثانية (رسم: ويليام ليتل)

يعتبر المؤلّف والدبلوماسيّ وعضو البرلمان الهنديّ شاشي ثارور ساحراً على نحوٍ محترف. صوته الأرستقراطيّ والقويّ يأتي في مقاطع صغيرة وسريعة مثل عشب لساحة جامعة راقية. ولديه السلوك الخبير لرجل أمضى 29 عاماً في الأمم المتحدة، ووصل إلى منصب وكيل الأمين العام.

تثبت هذه الصفات بأنها تجرّد مستمعيه من دفاعاتهم. يمكن ملاحظتها بوضوح في الخطاب الذي ألقاه العام الماضي في اجتماع اتحاد أكسفورد، حيث يجادل لصالح المقترح بأنّ بريطانيا تدين بالتعويضات للهند بسبب استعمارها البلاد لمدة 200 سنة. ذلك الخطاب الذي انتشر بسرعة، وتمّ تداوله في كل مجموعات العائلات الهندية على واتساب، تمّ تطويره إلى كتاب "الإمبراطورية الشائنة: ما فعل البريطانيون بالهند." إنه مبني حول أكثر الأعذار شيوعاً للإمبراطورية البريطانية – "لكننا بنينا لهم القطارات" – مقدّماً ما يدحض كلّ منها بشكل شفاف وموجز ومعتمد على مصادر جيدة. الكتاب تمهيد فعال للمشروع الامبريالي البريطاني الذي أضعف الصناعة في الهند محوّلا إياها من قوة اقتصادية عالمية في أوائل القرن الثامن عشر – عندما كانت تشكل 23 بالمئة من اقتصاد العالم – إلى دولة غير عاملة ومعدومة الثروات. بحلول الوقت الذي غادر فيه البريطانيون عام 1947، هوت حصة الهند في الاقتصاد العالمي إلى 3 بالمئة فقط.

إعلان

لكن بإمكان الإعجاب أن يكون خادعاً. وما من شيء مثير للريبة أكثر من سياسيّ يجد الوقت لتأليف الكتب. لذلك تحدثتُ إلى ثارور عن فقدان الذاكرة التاريخية للإمبراطورية من المخيلة البريطانية، ولكنّي أيضاً حاولت أن أدفعه لمواصلة الكلام عن العلاقة بين الروح المناهضة للإمبريالية في الكتاب وبين الهند المعاصرة: دولة شديدة العسكرة، تشجّع بلا هوادة على الاستغلال الاقتصادي لمواردها الخاصة، ويقال إنها ترتكب أعمال العنف ضد شعبها تماماً مثل بريطانيا في السابق.

لقد أخذت حججك المناهضة للإمبريالية إلى وسائل الإعلام الكبرى حول البلاد لتروّج للكتاب، كيف كانت ردة الفعل؟

استقبلت الحجج بشكل جيد، وهو أمر مفاجئ، من حيث عدد البريطانيين، بما فيهم المحافظين، الذين تعاطفوا مع الحجج بغم إلى حدّ ما، وأسى لأفعال أسلافهم. وقد جاءت جميع الانتقادات السلبية من قبل الهنود البريطانيين، الذين بدا أنهم متلهّفون لتبرير الإمبراطورية لأنفسهم، ربما – لا أعلم.

من الجيد أن تحصل على ردة فعلٍ إيجابية، لكنّ الأهم أن تخرج بنتيجة صلبة. أودّ لو أنّ شخصاً في موقع مؤثر وصاحب سلطة في هذه الدولة يأخذ مطلبي بالتكفير عن الذنب على محمل الجد. عندما أقول تكفير أقصد أمرين. تعليم التاريخ الاستعماريّ في النظام التعليمي – بإمكانك النجاح في مادة التاريخ بكل سهولة بدون أن تتعلم حرفاً عن تاريخ الاستعمار، وأعتقد بانّ هذا عار كبير. الأمر الثاني الذي تستطيع بريطانيا فعله برأيي هو تقديم اعتذار، وأظنّ بأنّ الفرصة المثالية ستأتي في الذكرى المئوية لمجزرة أمريتسار التي وقعت في أبريل 1919.

هل يمكن للشعب البريطاني أن ينجو من تصفية حساب لتاريخهم؟ لا أتخيّلهم يتقبّلون الحقيقة بشأن تشرشل والذي كان قاتلاً جماعياً عنصرياً؟

إعلان

حسناً، كل أمة تحتاج أساطيرها الخاصة بها. ترتكز أسطورة تشرشل أساساً على خطاباته العظيمة، لكنّه كان في الحقيقة قائداً كارثياً جداً. لقد اتخذ بعض أكثر القرارات المريعة عندما كان وزيراً للحرب خلال الحرب العالمية الأولى -كانت معركة غاليبولي واحدة من حماقات تشرشل – وتحدّث عن إسقاط أسلحة كيميائية على العراقيين خلال انتفاضات بلاد ما بين النهرين في العشرينيات.

الذي حصل أنه عندما تولّى سدة الحكومة خلال الحرب العالمية الثانية كان الرمز المثاليّ المتوافق مع مزاج الأمة – مجسّداً روح الشراسة مع بعض الخطابات القوية الممتازة. لكن عندما تنظر لسجل الرجل، إنه مرعبٌ حقاً. وعندما تنظر إلى سجله في الهند، إنه مروّع على نحو قاطع. وصف "قاتل جماعي عنصري" لطيف مقارنة بما فعل وقال فعلاً.

رئيس وزراء الهند الهندوسي الذي ينادي بالقومية، ناريندرا مودي هنأك على خطابك في اتحاد أكسفورد قائلاً بأنّك قلت الأمور المناسبة في المكان المناسب. أنت بالطبع عضو في المعارضة، حزب الكونغرس من يسار الوسط .هذا يطرح سؤال إن كان بإمكان أحد أن يكتب تاريخ الهند المعادي لبريطانيا من دون أن يتمكن أقصى اليمين الهندي من أن ينتحله لمآربه.

هناك جدال محتدم بين مذهب القومية الذي أتبنّاه ومذهب السيد مودي. بدايةً، أنا أتحدث عن 200 عام من الحكم الأجنبي (البريطانيين). بينما يتحدث هو عن 1200 سنة من الحكم الأجنبي لأن حزبه اليميني الهندوسي يعتبر أنّ جميع الحكّام المسلمين واجتياحاتهم للهند عبر التاريخ كانت أجنبية أيضاً. لربما كانوا أجانب عند قدومهم، لكنّهم جاءوا وتشرّبوا الهند. أرى أنّ الطبيعة الكلّية للهند أنها دولةٌ قد ساهم العديد من الناس فيها في أوقاتٍ متنوعة. في عقلي إذاً، أن تصف سلالة المغول بأنهم أجانب يعني أنك تـشوّه سمعة ومكانة شعب في التاريخ والمجتمع الهنديّ هو على نفس الدرجة من الانتماء للهند كما أنا وأنت اليوم.

إعلان

الاختلاف الكبير الآخر هو أنني أتبنى القومية الجامعة، وهي كما أعتقد قومية الصراع من أجل الحرية، أما القومية التي ينشرها العديد من أعضاء حزب مودي هي أكثر طائفية، ويبدو أننا نتصور الهند على أنها نوع من الأرض الهندوسية الطاهرة التي تم انتهاكها من قبل مؤثرات خارجية. قوميتهم تتمحور حول إعادة التأكيد على الفخر الهندوسي.

الهند الحديثة عسكرية بامتياز، وتشارك في صفقات الأسلحة والمناورات العسكرية مع الدول المستعمرة مثل إسرائيل، هل هناك توتّر بين مناهضة الإمبريالية في كتابك والهند اليوم، التي حادت بعيداً عن الروح التحرّرية للصراع الوطني؟

ليس فعلاً، أعتقد أنّ الكثير من التسليح قد فرض علينا للأسف بسبب الجار المعادي (باكستان). لي أن أجادل أنّ توجه الهند الأوّل، عندما قام رئيس الوزراء الأول للهند المستقلة نيهرو بتقليص ميزانية الدفاع كل عام -حتى جاء الصينيون في 1962 ووجهوا لنا ضربة عنيفة جعلت الهند تغيّر مسارها - يوضّح أنّ نزعة الحركة القومية لم تكن نحو دولة عسكرية بالذات، لكنّها أجبرت علي ذلك بفعل الظروف.

اما مع باكستان، تجد أنّ الزعماء الهنود بما فيهم السيد مودي قد سارعوا إلى تجربة مسار السلام. إلّا أنهم، في كل مرة، صدّتهم حقيقة غير مشكوك بها، بأنّ المدنيين الذين كانوا يحاولون صنع السلام معهم يفتقرون لأيّ نفوذ في باكستان. إنّ الجيش الباكستانيّ هو صاحب القرار: لقد حكم البلاد بشكلٍ غير مباشر لنصف فترة استقلال الدولة، وفي النصف الآخر حكموها بشكل غير مباشر عن طريق التحكّم في الحدّ المسموح به للمدنيين. لذا فإنّ رأيي أنه إلى حين يتغيّر هذا، وبدون خلق مساحة أوسع للمجتمع المدنيّ في باكستان، لن يكون هناك أفق قريب للهند بأن تنزع عن نفسها العسكرة.

إعلان

شاشي ثارور في صورة مأخوذة خلال خطاب له في TED مايسور، 2009 (TED)

اشرت في كتبك أنّ شركة East India التي حكمت الهند قبل تولّي الحكومة البريطانية ذلك بشكل رسميّ، هي من أوجدت أوّل قرويين بلا أراضٍ في الهند، لكن هناك ناشطون في الهند اليوم يعتبرون أنّ شركات المناجم الهندية والأجنبية تقوم بالأمر ذاته بحقّ ملايين من ناس القبائل الذين يعيشون على أراضٍ قيّمة.

حسناً، الفرق كبير بادئ ذي بدء، أيّاً كان ما يحدث اليوم هو أنّ هناك ديمقراطية قائمة وفيها حكم القانون. القبائل لديها صوت، لديهم دعم وتمثيل سياسي، لديهم تمثيل قانوني في قضايا بالمحاكم، لديهم القوانين. لذا فإنّ السياق مختلف عن الوقت الذي جاءت فيه شركة "إيست اينديا" بالإكراه والتهديد بالقتل وفرضت تصورها، وواصلت سلب ونهب الريف وإرسال العائدات إلى إنكلترا. لا يحدث أي من هذا اليوم - أو لا يحصل الكثير من هذا.

جاء كتابك، وبمحض المصادفة كتدخّل موقوت في بريطانيا بما أنه يتلاءم مع كل الحنين للإمبريالية التي صاحبت قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

أحد الأمور التي عادةً ما تذكر لي هو حديث الناس عن "الإمبراطورية الثانية". أجد ذلكّ مدهشاً للغاية، بما أنّ الإمبراطورية الأولى كانت في المقام الأول فكرة سيئة جداً! لكن إن كان هذا ما يفكّر به، فإنّي أشكّ بأنّ من يقومون بالترويج للفكرة سيواجهون صدمة عنيفة. ليس هناك أيّ رغبة لدى الإمبراطورية بإعادة النهوض، وبالنسبة للتجارة التي فرضت لصالح بريطانيا بالتهديد بالسلاح خلال الحقبة الامبريالية، فإنّها لن تكون متاحة في القرن الحادي والعشرين. إن كانت بريطانيا تريد شيئاً مثل منطقة التجارة الحرّة لدول الكومنولث، سيكون هناك الكثير من المقايضة. سيكون على بريطانيا أن تحاول وتعرض، مثلاً، تأشيرات للطلاب وتصاريح عمل للعمّال مقابل شراء البضائع. في العديد من هذه الدول، أفضل مواردهم هي القوى البشرية.

إعلان

هل تعتقد أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يحصل ولو جزئياً لأنّ بريطانيا لم تتصالح مع فكرة زوال الإمبراطورية، ما أبقى اسكتلندا وإنكلترا وويلز متحدة عبر السنين؟

لقد أبقتهم الإمبراطورية متحدّين من خلال الازدهار الذي أحدثته. الأسكتلنديون على سبيل المثال كانوا مستعمرين فاشلين قبل صدور قانون الاتحاد (الذي أنشأ المملكة المتحدة). لقد حاولوا استعمار أجزاء من أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي لكنهم فشلوا. وعند إنشاء الاتحاد وانضمامهم إلى إنكلترا، فجأة أصبح لديهم طريق سانح إلى الهند. من المثير للاهتمام، أنه بالنسبة لعدد السكان، قد جاء إلى الهند من الأسكتلنديين ثلاثة أضعاف ما جاء من الإنكليز. نهاية الإمبراطورية كانت نهاية الفوائد الضخمة. ثمّ بدأ الأسكتلنديون بالنظر إلى أنفسهم في إطار أنفسهم وحسب وقالوا: "لما نحن هنا؟

لابـدّ أنّ هناك نوعاً من المتعة غير المباشرة في مشاهدتك لهذه الأزمة تتجلّى وأنت في الهند؟

أوه، لا أعلم. لمعلوماتك الهند مكان مثير للفضول، وليس هناك الكثير من الامتعاض أو المرارة من بريطانيا. على سبيل المثال، لا أعرف الكثير من الهنود الذين يبتهجون بصخب إذا ما قامت أستراليا بهزيمة بريطانيا في لعبة الكريكت -إن كان لابدّ فإنّ النزعة هي للتعاطف مع الإنكليز. لكن بيننا نحن الذين تابعوا ودرسوا كل هذا، لا يستطيع أحدنا إلا أن يشعر بنوع من الرعشة السريعة، أو إن أردتْ، نوع من الوعي بأنّ هناك تصفية حساب تاريخيّة جارية.

كتاب الإمبراطورية الشائنة: ما فعل البريطانيون بالهند متوافر اليوم عن طريق دار نشر هيرست.

تم تعديل المقابلة لغرض التوضيح وعدم الإطالة