مقال رأي

العبور الجنسي في منظور السينما والدراما العربية والمصرية

رغم أن الأفلام العربية والدراما المصرية تظهر الضغوط المجتمعية المأساوية التي يتعرض لها العابرون/ات جنسيا، إلا أنها تفتقر إلى الطابع العلمي
بين الكوميديا والتراجيديا..العبور الجنسي في منظور السينما والدراما العربية والمصرية

لقطة من فيلم "الآنسة حنفي"

تاريخيًا، تم تهميش ووصم العابرين/ت جنسيًا في الثقافة العربية، وغالبًا ما يتم تصويرهم بشكل سلبي في وسائل الإعلام على أنهم مرضى عقليين أو منحرفين. وللأسف قد تدفق هذا الفكر أو الصورة النمطية إلى العديد من الأعمال العربية السابقة، حيث تم تصورهم في إطار كوميدي أو تراجيدي.

ومع ذلك، وكانت هناك حركة متنامية في السنوات الأخيرة لتحدي هذه الصور النمطية وتعزيز تصوير أكثر إيجابية للأشخاص العابرين جنسياً في السينما والمسلسلات العربية.

إعلان

ومن أبرز الأمثلة على ذلك فيلم "ذيب" (٢٠١٤) الذي يحكي قصة شاب بدوي يصادق جنديًا بريطانيًا خلال الثورة العربية. يعرض الفيلم شخصية عابرة جنسيًا تدعى فارس، والتي يتم تصويرها على أنها امرأة قوية ومستقلة. لا يتم تحديد شخصية فارس من خلال هويتها الجنسية، وتظهر أنها قادرة وشجاعة مثل أي شخصية أخرى في الفيلم.

مثال آخر هو المسلسل التلفزيوني "نادية الفراشة" (٢٠١٨)، الذي يحكي قصة امرأة عابرة جنسيًا تكافح من أجل الحصول على القبول في مجتمعها المسلم المحافظ. يقدم المسلسل تصويرًا قويًا ومؤثرًا للتحديات التي يواجهها العابرين/ت جنسيًا في المجتمع العربي.

هذان مجرد مثالين على العدد المتزايد من الأفلام والمسلسلات العربية التي تصور شخصيات عابرة جنسيًا بطرق إيجابية ومختلفة. وهذا تطور مهم، لأنه يمكن أن يساعد في تحدي الصور النمطية وتعزيز فهم وقبول أكبر للعابرين/ت في الثقافة العربية.

في هذا المقال، نستعرض لكم مجموعة من أبرز الأفلام والمسلسلات التلفزيونية المصرية والعربية التي تصورت شخصيات عابرة جنسيًا.

وذكرنا وأنثانا (٢٠٢٣)

يحكي فيلم"وذكرنا وأنثانا" عن قصة العبور الجنسي لشاب أردني إلى أنثى، حيث يبدأ المشهد الأول بجثة فتاة مُستلقية على الفراش أمام والديها. ويتصارع الأب والأم على نوع الكفن الذي سيغسل به الجسد ويكفنه ويجهزه للدفن وفق الشريعة الإسلامية.

 يُصر الأب على ذكورية الشاب ولا يعترف له بالعبور الجنسي، وأنه لابد من قيام مُكفن ذكر بتغسيله، أو يُدفَن دون تغسيل. بينما تندب الأم المكلومة على فراق ابنها أو ابنتها وتستجدي الأب أن يخفض صوته، وكأنه/ا وصمة عار. وتطالب الأم الأب بكل ما أُوتيَت من قوة بإنهاء هذا الصراع وضرورة الإسراع بتغسيل الجثة وتكفينها من أجل الدفن سواء من قِبَل رجل أو امرأة. 

إعلان

لكن الزاوية الجديدة التي قدمها مخرج الفيلم الأردني لنا هو قضية الكفن بالنسبة للمُتوفى في الشريعة الإسلامية. فمن المُفترض أن كل نوع يقوم بتغسيل وتكفين النوع المماثل له. ولكن يصر الأب في هذا المشهد على التصدي للتقاليد الدينية، ويصر على أن يؤدي الذكر دور غسيل ابنه، اعتمادًا على الجندر الذي وُلِدَ به قبل عملية التحول الجنسي. تُعَد هذه الفكرة فريدة ومستقلة عن مفهوم التحول الجنسي، وتُقدم للمرة الأولى في إطار هذا الفيلم. وبذلك يكون هذا الفيلم أول من طرح هذه القضية من منظور ديني وليس مجتمعي.

المحكمة (٢٠٢١)

يحكي هذا الفيلم قصة العبور الجنسي لشاب يدعى "علي"  إلى فتاة تدعى "علياء." يعاني الشاب من  اضطراب الهويّة الجنسيّة منذ طفولته، حيث كان لا يرى ذاته في الجسد الذكوري ويعشق اللعب والاختلاط بالفتيات. حتى وصل الأمر إلى أن والديه قاما بتعنيفه بشدة، وذلك لضمان تماشيه مع هويتهما الذكورية المفضلة. ومع ذلك، قام بإجراء عملية تصحيح جنسي، معبرًا جنسيًا إلى أنثى تمامًا كما كان يشعر في طفولته، داخل هذا الجسد الأنثوي, ويشعر أن الجسد الذكوري بعيد كل البعد عن هويته ومشاعره وسلوكياته. ومن هنا يبدأ تعرضها كأنثى للعديد من المضايقات والتعليقات المجتمعيّة في كل مكان، سواء في الدراسة أم الأماكن العامة. وعدم تقبّل المجتمع المحيط بها كفتاة ضمن أفراده.

جراب حوا (٢٠١٦)

يتضمن هذا المسلسل مجموعة من القصص المجتمعية المنفصلة، من بينها قصة فتاة تُدعى" رضا"، ترتدي ملابس رجالية وتتحدث مثل الرجال، ولكن هويتها الجسدية أنثوية. في الوقت الذي تشعر فيه بانجذاب جنسي تجاه صديقتها المقربة، تصارح أمها برغبتها في إجراء جراحة تصحيح جنسي للعبور إلى ذكر. ومن هنا يبدأ الصراع بينها وبين أفراد عائلتها، حيث ترفض الأم معللة ذلك بأنه وصمة عار ستلاحق العائلة دوماً بين أفراد المجتمع.

إعلان

صرخة أنثى (٢٠٠٧)

يتمحور هذا المسلسل حول العبور الجنسي للذكر  إلى فتاة، حيث يبدأ المشهد الأول بولادة طفلين توأمين مُتآخيْن. تُخطئ القابلة في تحديد جنس الطفلة، وتخبر الأب عن طريق الخطأ أن التوأم الآخر هو ذكر

يبدأ الصراع بين الفتاة نفسها أولًا، فهي تعيش مسجونة في جسد رجل، رغم أن هويتها الجنسية أنثوية. وعندما يريد الأب تزويج الصبي يعترض ويعبر عن هويته الجنسية، كونه أنثى لأول مرة منذ طفولته.

يرفض الأب بغضب، ومن هنا يبدأ الصراع الاجتماعي بين "عفيفي" لأن الأسرة والمجتمع لا يتقبلانه كأنثى، لكنه في نهاية المطاف يخضع لعملية تصحيح جنسي ويتحول جنسيّا إلى " عفيفة." تبدأ عفيفة بمواجهة المجتمع بالكثير من التعليقات الجارحة تارة، وتعريضها للقسوة والعنف المجتمعي تارة أخرى، لكنها في النهاية تنجح في حياتها الجديدة كأنثى، كما خلقت منذ طفولتها.

واستعرض الفيلم مجموعة من المشاعر والسلوكيات المختلطة التي يمر بها الأشخاص المصابون باضطراب الهوية الجنسية على أساس يومي. على سبيل المثال، قد تحلق الفتاة، وهي عادة ذكورية، بينما تضع المكياج أيضًا، وهي عادة أنثوية.

السادة الرجال (١٩٨٧)

يتناول هذا الفيلم قضية الهيمنة الذكوريّة للزوج المصري على زوجته وإلقاء كافة المسؤوليات الزوجية ومتطلباتها على عاتقها. تتضجر الزوجة من تلك المسؤوليات وتقرر أن تصبح رجلًا مثل بقيّة الرجال لممارستة  تلك السيطرة الذكورية. ومن ثم تخضع لعملية تصحيح جنسي وتتم عملية العبور الجنسي لها من أنثى تدعى " فوزية" إلى ذكر يدعى "فوزي"، مثلما كانت تحلم هي ووالداها دائمًا. اتخذ هذا الفيلم   لقالب  الكوميديّ منذ بدايته عدا المشهد الأخير الذي حوّل قالب الفيلم الكوميدي إلى قالب مأساوي أو تراجيديّ كما في فيلميْ " وذكرنا وأنثانا" و"المحكمة."

إعلان

في نهاية الفيلم، قرر الزوج الخضوع لعملية عبور جنسي من ذكر إلى أنثى، ليصبح أمًا لطفله البريء. أراد الزوج أن يوفر لطفله عائلة كاملة، بعد أن مرض بسبب عدم وجود رعاية واهتمام كافيين.

الآنسة حنفي (١٩٥٤)

أول فيلم مصري يتناول قضية العبور الجنسي في قالب كوميدي بحت. يحكي الفيلم قصة شاب يُدعى" حنفي" يمارس سلطته وهيمنته الذكوريّة على زوجة أبيه وابنتها " نواعم." يتحكم حنفي في أبسط الأشياء بحياتها الشخصية كمواعيد الدخول والانصراف لها، وتنزهاتها وغيرها.

وفي ليلة زفافه، بدأ حنفي يعاني من تقلصات معويّة حادة، وعلى إثرها، يتم نقله إلى المستشفي، ومن ثم يخضع لعملية تصحيح جنسي ليتحول إلى أنثى تُدعى" فيفي." 

وتبدأ حياة فيفي الجندرية بالوقوع في حب "أبو سريع"، العامل بمحل الجزارة.  يرفض الأهل والعائلة ذلك الارتباط، فتقرر فيفي الهروب معه بعيدًا عن نظرة المجتمع لهما وتتزوجه وتنجب منه أربعة توائم. 

تراجيديا وكوميديا الموقف سمتان رئيسيتان

يرى محمود قاسم، الناقد السينمائي ومؤلف كتاب "الجنس في السينما المصرية"، أنه بالرغم من عرض الأفلام السينمائية والدراما المصرية للضغوط المجتمعية المأساوية التي يتعرض لها العابرون/ات جنسيًا، إلا أنها تفتقر إلى الطابع العلمي؛ بمعنى أنه يجب عرض التغيرات الفيسيولوجية التي يمر بها هؤلاء الأشخاص للمجتمع المحيط بهم. 

لماذا تحدث لهم هذه التغيرات، وكيف، حتى تتغير نظرة المجتمع لهم/ن؟ غالبية الأفلام والمسلسلات التي قُدمّت عرضت القضية من ثلاثة قوالب .القالب الأول هو الكوميديا بدعابة وسخرية من عملية العبور الجنسي ذاتها،الثاني هو التراجيديا، وهو الغالب نسبياً. أما الثالث والأخير فهو الذي  جمع بين القالبين.

نحتاج إلى قالب علمي جديد، حتى يُصدق المجتمع هذه القضية، ولا يصبح هؤلاء الأشخاص منبوذين من المجتمع. بل على النقيض يجب أن تمنح لهم نوعية الأفلام والمسلسلات المقدمة حياة أفضل، وتكون قادرة على  تغيير تلك النظرة السلبيّة لهم/ن، وتقدم تفسيرًا للحالة التي يعيشون بها وشرحاً مفصلاً لاضطراب الهوية الجنسية.