Untitled_Artwork (6)
مسكون

قصة البيت المُسكون في كربلاء

لقي صاحب المنزل مصرعه بسبب تماس كهربائي، ولكن بعد فحص السلك، وجد أنه لم يكن أصلاً موصولاً بالكهرباء

مسكون: في هذه السلسلة نسترجع قصصنا العربية الموروثة كجزء من استعادة السردية، بعيداً عن صحتها أو مدى إيماننا بالجن أو قوى ما فوق الطبيعة. هذه القصص تظهر كيف تتشابك التقاليد مع الدين مع عالم الماورائيات مع الترفيه.

في سنة 1980 تم بناء بيت جميل في كربلاء في حي العباس تبلغ مساحته بحدود 600 متر، من قبل عائلة ثرية تسكن اليوم في أحد الدول الأوروبية. بغيابهم تم تأجير البيت لرجل وامرأة وطفل، كان الرجل عنيفاً يأتي مخموراً يومياً إلى المنزل ويقوم بضرب زوجته وابنه. كل مساء، يسمع سكان الحي صوت صراخ المرأة والطفل، إلى أن أتى يوم توقف به صراخهم، وتبين أن الزوج قام بقتل زوجته وابنه في المنزل. تم حبس المتهم بتهمة القتل وتوفي في السجن بعد مرور عدة سنوات. بقي البيت مهجوراً لمدة 9 أعوام بعد أن حدثت به الجريمة.

إعلان

في عام 1989، استأجر المنزل تاجر من كبار بغداد، وقام بتعيين حارس للعناية بالمنزل، ولكن بعد فترة قصيرة، قُتل الحارس ولم يعرف أحد كيف ومتى ولماذا. عند دخول الناس للمنزل لإخراج جثة الحارس سمعوا أصواتاً مخيفة وصوت ينادي عليهم "لا تسرقوه." فر من دخل من أجل إخراج الجثة وتناقلت الأحاديث إلى أن البيت يسكنه الجن الأسود وأن كل من يدخله يموت. بعد فترة جاء التاجر لزيارة المنزل وباللحظة التي دخل بها الباب، لقي مصرعه بسلك كهربائي صقعه وقتله في دقائق. "بعد فحص السلك، وجد أنه لم يكن أصلاً موصولاً بالكهرباء،" بحسب ما يقوله علاء اسكندر، 48 عامًا، من سكان حي العباس.

بقى البيت مغلقاً 22 عاماً. في كل مساء طوال هذه السنين، يسمع من يقترب من البيت أو من يجاوره، أصوات طبل وأنين وصراخ، ويقال أن أرواح المرأة المقتولة وابنها استوطنت هذا المنزل. ويزعم بعض المارة بأنهم رأوا أجسامًا بيضاء تطل من خلف النوافذ وكأنها تريد مساعدتهم ويسمعون صراخاً عالياً.

1616312565429-albyt-almskon-krbla-1.jpeg

البيت المسكون في حي العباس، العراق. تصوير محمد قاسم.

يخبرني حسين، 32 عاماً، وهو من سكان المنطقة أنه في يوم من الأيام كان هو وأصدقائه في طريقهم إلى منزله الذي يقرب من البيت المسكون، كانت الساعة 2 صباحاً عندما سمعوا صوت صراخ وطبول، ويضيف: "قررنا الاقتراب أكثر من المنزل، وشاهدنا أنا واصدقائي شخصًا يرتدي الأبيض ويجلس على حفة نافذة مكسورة، صرخ بنا "اهربوا." خاف من معي وهربوا، وأنا بقيت متحجراً في مكاني لبعض ثواني بسبب صوته العميق. ركضت باتجاه اصدقائي مسرعاً، وشعرنا به يلاحقنا وصلنا إلى جامع بقرب المنزل، وقمنا بقراءة القرآن. بقينا بالجامع إلى أن حل الصباح وبعدها رجعنا إلى منازلنا."

ظل هذا البيت على هذه الحال لعام 2012، لم يسكنه أحد ولا أحد يريد الاقتراب منه. بعد عودة العائلة المالكة للبيت إلى العراق، قرروا ترميم البيت والسكن فيه، ولكنهم لم يتمكنوا من النوم طوال فترة وجودهم، وكانوا يقولون بحسب روايات الجيران: "أن النوم لا يأتيهم، وغالبًا ما يسمعون أصوات لبكاء رضع وأنين مخيف لأمرأة، وأصوات أشخاص يتحدثون معهم." تركت العائلة البيت وقامت ببيعه دون إعلام المشتري بقصة المنزل - كما يبدو. المشتري الجديد تكرر معه ومع عائلته نفس الأمر، لم يستطيعوا النوم ليلاً بسبب الأصوات المرعبة وشعورهم بأن هناك من يتشارك الغرف معهم، وتم هَجر المنزل مرة أخرى.

إعلان

أغلب العراقيين يعرفون قصة البيت المُسكون في كربلاء، ولكن القصص تختلف من شخص إلى آخر. إيناس، 29 عاماً، من بغداد تقول أنها سمعت هذه القصة: "سكنت البيت امرأة فقيرة مع طفلها، كانت لا تملك مكاناً للعيش فقررت أن تعيش في البيت دون أن يعلم أحد، ويقال أن الجن عذبها ووجدت ميتة مع ابنها."

حاولنا التواصل مع قيل لي أنه يسكن في البيت الآن، تحدثت معه على الهاتف وأخبرني "كل ما يقال كذب، ولكنني لا أسكن في المنزل حالياً." واغلق الهاتف. رغم الشهادات التي تزعم أن هذا البيت مسكون ومليء بأسرار لم تكشف إلى اليوم، ورغم كل ما شاهده وسمعه سكان الحي إلى أن هناك اتفاق غير معلن بينهم بإخفاء سر هذا البيت حتى لا يتسبب بفقدان أهمية المنطقة السكنية. كما أن صاحب المنزل يخاف على سمعة المنزل على أمل أن ينجح ببيعه.

يخبرني مصطفى، 30 عاماً من كربلاء، بأن أهل الحي طلبوا مساعدة رجال الدين للدخول إلى المنزل لمعرفة ماذا يوجد بداخله ويقول: "عندما دخل رجال الدين، لم يجدوا شيئاً، ولكن عند خروجهم ومحاولة اقناعهم للناس بأن المؤمن الحقيقي لا يخاف من الجن، أتى الرد من داخل المنزل الفارغ مع صوت طبول تقرع كأنها حفلة. فر الجميع وقتها ولم يفكر أحد بل دخول إلى المنزل بعدها، ولم يقترب أي أحد منه إلى اليوم."

حاولت السؤال أكثر عن قصة هذا المنزل، وتواصلت مع المهندس محمد الطالقاني، عضو مجلس محافظة كربلاء السابق والذي أخبرني: "هذه أول مرة اسمع بقصة هذا المنزل، ولكنني قمت بسؤال أصدقاء أكدوا لي أن هناك منزل في حي العباس جميل وعمره ما يقارب الـ40 سنة. استخدم هذا المنزل كأحد الدوائر الأمنية في زمن صدام حسين، ولكنهم تركوه لأنه مُسكون ومخيف. ولكني لا أستطيع تأكيد ذلك طبعًا."

يربط البعض قصص الجن بالهلاوس، والتي ليست بالضرورة دليل على مرض نفسي، ويمكن أن تحدث لأي شخص. طبيب الأعصاب البريطاني أوليفر ساكس، تحدث عن الهلاوس في سلسلة مؤتمرات TED وأشار إلى أننا "لا نرى بأعيننا فقط، ولكننا نرى بعقولنا أيضًا، والرؤية بالعقل عادة ما تدعى التخيل ونحن نألف المناظر الخاصة بخيالنا. قد تسمع شخصاً ما يناديك باسمك، أو تشعر وكأن أحدًا غيرك موجود لمس وجهك أو يدك. الهلوسة ليست من صنعنا نحن ولا تبدو تحت سيطرتنا وكأنها آتية من خارجنا وتسخر من إدراكنا." ويشير ساكس إلى متلازمة تشارلز بونيه وهي مرض يؤدي فيه فقدان البصر الكلي أو الجزئي في كبار السن إلى هلوسات بصرية، وهي غير مرتبطة بالزهايمر أو الخرف. طبعًا، هناك عدة أمراض نفسية تسبب الهلوسة البصرية والسمعية مثل الفصام، واضطرابات النوم واضطرابات ما بعد الصدمة، الحُمى وأورام الدماغ.

ربما تكون قصة هذا البيت مجرد هلاوس مرتبط بالقصص التي سمعها سكان الحي عدة مرات بحيث تمازجت الحقيقة بالخيال. وربما تكون روح تلك المرأة المظلومة التي قتلت على يد زوجها لا تريد لقصتها أن تنتهي ويتم نسيانها بعد موتها.