سياسة

مسافر يطا: أكبر تهجير جماعي للفلسطينيين منذ حرب ١٩٦٧

يعيش سكان المنطقة منذ عشرات السنين داخل المغارات والخيام، بسبب منعهم من البناء
Settlers_attack_on_Al-Mufakara_October_2021

زجاج مهشم نتيجة لهجوم المستوطنين على منزل في خربة المفكرة في مسافر يطا مما تسبب في إصابة طفل عمره ٣ سنوات بجروح بليغة. أكتوبر 2021، ويكي ميديا/ بتسليم.

بدأت قوات الجيش الإسرائيلي بتنفيذ قرار تهجير الفلسطينيين وهدم منازلهم في قرى مسافر يطا في الضفة الغربية المحتلة - كجزء من خطتها لطرد أكثر من 1،200 فلسطيني لإنشاء موقع تدريب عسكري. وتم هدم 11 منزلاً وورشة عمل في الفخييت الأسبوع الماضي. وتم هدم تسعة مبانٍ أخرى في المجاز المجاورة بالجرافات.

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية، قد رفضت طلب إلتماس كان قد تقدم به سكان القرى والتجمعات السكانية في منطقة مسافر يطا جنوب مدينة الخليل، ضد قرار إسرائيلي صدر في العام 1981، نص على تحويل المنطقة بالكامل إلى مناطق تدريبات عسكرية للجيش الإسرائيلي تحت مسمى "ميدان الرماية 918" بالإضافة لتغريم السكان بنحو 11.6 ألف دولار أمريكي، بدل تكاليف محكمة.

إعلان

قرار المحكمة، جاء بذريعة فشل المدعين في إثبات إقامتهم الدائمة في تلك المنطقة قبل إعلانها منطقة تدريب عسكرية، أي ما قبل عام 1981، مدعية أن تلك الأراضي كانت خالية من السكان ومن أقام عليها فيما بعد كانوا مقيمين بشكل غير قانوني. ويهدد القرار الإسرائيلي، والذي وصفته الأمم المتحدة على أنه يرقى إلى جريمة حرب، بتشريد ما بين 1،200 إلى 4،000 فلسطيني. ويعتبر هذا التهجير القسري أكبر تهجير جماعي للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة منذ حرب عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة وهجرت سكانها. 

منطقة مسافر يطا مكونة من 38 قرية وتجمعًا سكانيًا، وهي مناطق مصنفة بالمناطق (ج) ويعني أنها خاضعة لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية حسب اتفاق "أوسلو." ويعيش سكان تلك التجمعات منذ عشرات السنين داخل المغارات والخيام، بسبب منعهم من البناء من قبل إسرائيل، ويعانون من عدم قدرتهم على الوصول إلى خدمات مثل الصحة والتعليم، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والكهرباء، هذا بالإضافة إلى هجمات المستوطنين الإسرائيليين عليهم وعلى ممتلكاتهم بشكلٍ منتظم خلال السنوات الماضية.

رد السكان
يرفض سكان المسافر قرار المحكمة الذي لا يمكن إلغاءه بسبب صدوره من المحكمة العليا وهي أعلى جهة قضائية في إسرائيل، والقاضي بنقل -تهجير- سكان ثمانية قرى من أصل 12 قرية إلى مناطق أخرى، وهي (جنبا والمركز والحلاوة والفخيت والتبان والمجاز واصفي التحتا واصفي الفوقا).

إعلان

ويقول محمد جبارين، 67 عامًا، من قرية جنبا، وهو أب لـ 12 إبنًا يعملون في الزراعة وتربية المواشي، في مقابلة سابقة، وهو ممسكًا بوثائق رسمية تعود إلى الحكمين العثماني والبريطاني "إن "جميع سكان قرية جنبا، لديهم وثائق وإثباتات بأننا السكان الأصليين لهذه المنطقة وأن آبائنا وأجدادنا عاشوا فيها قبل إقامة دولة إسرائيل في العام 1948."

حوالي 18٪ من المنطقة (ج) في الضفة الغربية المحتلة تم تصنيفها منذ السبعينيات كـ "مناطق إطلاق نار" لاستخدام الجيش الإسرائيلي بهدف إجبار الفلسطينيين على ترك منازلهم. في عام 1999، تم إخلاء 700 من سكان مسافر يطا قسرياً ووضعهم في شاحنات لترحيلهم، ولكن بعد استئناف قانوني سُمح لهم بالعودة إلى حين صدور قرار نهائي.

يعيش آلاف الفلسطينيين في تجمعات بدوية جنوب الضفة الغربية حياة مُعلقة بسبب تصنيف أراضيهم التي يزرعونها ويعتاشون منها وعليها، كمنطقة إطلاق نار وتدريبات عسكرية عام 1981. خلال الأعوام السابقة تم مهاجمة السكان والاعتداء عليهم وترحيلهم وهدم منازلهم عدة مرات.

لماذا رفضت المحكمة الالتماس؟
فور صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، قال رئيس مجلس قروي المسافر نضال يونس، إن "محكمة الاحتلال أصدرت قرارًا برفض الالتماس الذي تقدم به أهالي 12 تجمعًا سكانيًا، غير مكترثة بأنها مأهولة بالسكان" مشيرًا إلى تجاهل المحكمة لكل الأدلة والبراهين القانونية القاطعة التي تقدم بها السكان على مدار 22 عامًا، والتي تؤكد بأن تلك الناطق كانت مأهولة بالسكان.

ووصف المحامي محمد حمدان القرار، بـ المؤسف، بسبب تجاهل الحقائق والأدلة التي قدمها، وقال في تصريح سابق "لم تنظر المحكمة لشهادات سكان المسافر، وثلاثة تقارير خبرة وتقرير لقصف جنبا عام 1966 باعتبارها أدلة على الوجود الحقيقي للسكان قبل إعلان المنطقة، منطقة عسكرية مغلقة مخصصة للتدريبات العسكرية. المحكمة ادعت أن هذه الأدلة متأخرة، وقررت شطب القضية."

إعلان

رئيس المجلس القروي يونس، اعتبر أن "قرار محكمة الاحتلال قرارًا عنصريًّا، اتخذه قاضٍ عنصري وهو المستوطن المتطرف (ديفيد مينتز)، الذي يسكن في إحدى المستوطنات غير الشرعية المقامة على أرضِ الضفة الغربية."

سكان مسافر يطا وجماعات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، قالوا في عدة تصريحات صحفية إن العديد من العائلات الفلسطينية كانت تقيم، بشكلٍ دائم، منذ ما قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، وإن طردها يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

الرد الفلسطيني والحقوقي
عقب صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، صدرت العديد من التنديدات الفلسطينية والدولية الرافضة للقرار، منها تصريح وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة، الذي وصف القرار بحق سكان مسافر يطا بـ "جريمة حرب ضد الإنسانية."

وأشار الشلالدة أنه لا يجوز للسلطة القائمة بالاحتلال استنادًا لاتفاقية لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وخاصة المادة 49 بتهجير السكان المدنيين من أراضيهم المحتلة، كما لا يجوز لها ترحيل سكانها إلى الإقليم المحتل، بالتالي فإن هناك قواعد ومبادئ راسخة في القانون الدولي، بغض النظر عن اعتراف إسرائيل بانطباق هذه الاتفاقية أو عدم اعترافها.

من جانبه، دعا منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة بالنيابة سامر عبد الجابر، خلال زيارته لمنطقة مسافر يطا، بعد صدور القرار الإسرائيلي، برفقة ممثلين عن 5 وكالات أمم متحدة وممثلين دبلوماسيين عن 24 بلد أوروبي، للقاء مع السكان المعرضين لخطر الترحيل القسري، الحكومة الإسرائيلية بالسماح للسكان بالبقاء هنا بكرامة.

وقال الجابر: "المسؤولية الملقاة على عاتق السلطات الإسرائيلية، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال، تملي عليها حماية المدنيين الفلسطينيين. فطرد 12 تجمعًا سكانيًا لإفساح المجال أمام إجراء التدريبات العسكرية يتعارض مع ذلك الواجب، وهو إجراء لا إنساني ولا صفة قانونية له ببساطة."

وانطلقت في الولايات المتحدة الأمريكية حملة لوقف الإخلاء القسري للسكان في مسافر يطا في مدينة الخليل و تهجيرهم وهدم منازلهم. وتشمل الحملة عريضة موجهة للكونغرس، تحتوي على رسالة تحمل تواقيع أعضاء الكونغرس، سيتم توجيهها لوزير الخارجية أنتوني بلينكن تطالبه بالتدخل لوقف هدم بيوت القرية وطرد سكانها بموازاة مع حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان: "أنقذوا مسافر يطا."

وبحسب القانون الإنساني الدولي، تعتبر إسرائيل ملزمة بحماية السكان المدنيين الفلسطينيين وإدارة الأراضي المحتلة بما يخدم مصلحتهم، كما ويحظر ترحيل المدنيين بالقوة من المناطق المحتلة أو داخلها، بغض النظر عن الدوافع أو ما إذا كان السكان المتضررين مقيمين أو رحّل.