شباب "كتائب الثورة": بين جحيم الحرب وليبيا ما بعد القذافي

شترستوك

FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

شباب "كتائب الثورة": بين جحيم الحرب وليبيا ما بعد القذافي

الأحداث غيرت حياتنا كليًا لكن الأوضاع لم تتغير كثيرًا

"ذكريات أليمة وآمال لمستقبل أفضل" هكذا عبر عدد من الشباب الليبين عما تعنيه لهم ذكرى ثورة 17 فبراير التي بدأت بتظاهرات سلمية، ثم تحولت إلى حرب أهلية، قبل أن تنتهي بشرخ قبلي وسياسي لا يبدو أنه في طريقه للالتئام قريبًا. لكن ذلك لم يبدد من تفاؤل من انتفضوا للدفاع عن عائلاتهم ومواطنيهم، بعد أن بادر نظام القذافي بقمع الاحتجاجات السلمية التي انطلقت من مدن شرق ليبيا في بدايات عام 2011، بعنف شديد لم يجد معه شباب الثورة الليبية إلا حمل السلاح، والانخراط في صراع تصفه العلوم السياسية بـ"الحرب الأهلية" فيما يراه شباب كتائب الثورة الليبية "دفاع مشروع عن النفس والأهل والأرض."

إعلان

آلاف الشباب الليبي انخرطوا في معارك دامية قبل أن يكمل الجانب الأكبر منهم عامه العشرين. قاتلوا في جبهات عدة على مدار شهور مرت كأنها سنوات حسب شهاداتهم، حتى سقوط نظام القذافي. بعضهم انتقل بعدها إلى مواجهة العناصر الإسلامية المتطرفة التي حاولت فرض سيطرتها في مناطق وسط ليبيا، لكن جميعهم ترك السلاح مع قرار تفكيك الكتائب المسلحة، ليذهبوا كل في اتجاه. VICE عربية التقت ثلاثة من شباب الثورة الليبية الذين كانوا في طليعة مقاتلي الكتائب على جبهات مختلفة، قبل أن تتفرق بهم السبل مع انتهاء العمليات المسلحة، لترصد عن قرب ما آلت إليه أحوالهم، وما غيرت الحرب في حياتهم.

عدت لمنزل عائلتي شخصًا آخر. دخلت في حالة اكتئاب حاد واعتزلت الناس. لم تفارقني المناظر المروعة التي شهدتها مخيلتي أبدًا، ولم أتمكن من نسيان أصدقائي وزملاء الكتيبة الذين تحولوا إلى أشلاء جراء قصف قوات القذافي

"كنت أعمل كموظف فني بالشرطة الليبية عند قيام الثورة، وبادرت بالانضمام لكتائب الثوار من البداية، ودون تردد، لأنني ببساطة لم أكن لأرفع السلاح في وجه أبناء بلدي." هكذا أشار أحمد سالم، 31 عاماً ، إلى الأسباب المنطقية وراء قراره المخاطرة بكل ما يملك آنذاك، وعلى عكس طبيعته المسالمة. يعتبر الشاب الذي وجد نفسه في قلب معارك منطقة الهلال النفطي، بعد انضمامه لكتائب الثورة كان دفاعًا عن بلده ليبيا، ما كلفه لاحقًا نور إحدى عينيه. "تعرضنا لقصف مباغت من ثلاثة محاور، برًا وبحرًا وجوًا. تكبدنا خسائرًا كبيرة وفقدت أقرب أصدقائي، وانتهى الأمر بإصابتي بشظايا في عيني اليسرى".

رحلة علاج طويلة قضاها سالم لاحقًا، تنقل خلالها بين عدة مستشفيات "تم إسعافي بالمستشفى الميداني في رأس لانوف، ثم نقلت إلى مستشفى المقريف في مدينة إجدابيا الذي يفتقر لكل شيء، ومنه إلى مستشفى الجلاء في بنغازي حيث خضعت لثلاث عمليات جراحية لاستخراج الشظايا من عيني." تكفلت الرعاية الطبية في مستشفى بنغازي بمداواة الشاب لم يكن تخطى عامه الخامس والعشرين وقتها، عدا قصور في الرؤية أخبره الأطباء أنه سيلازمه بقية حياته، لكن آلامًا أخرى لم يفلح معها علاج باتت جزء من عالمه: "عدت لمنزل عائلتي شخصًا آخر. دخلت في حالة اكتئاب حاد واعتزلت الناس. لم تفارقني المناظر المروعة التي شهدتها مخيلتي أبدًا، ولم أتمكن من نسيان أصدقائي وزملاء الكتيبة الذين تحولوا إلى أشلاء جراء قصف قوات القذافي."

إعلان

تطلب الأمر ثلاثة سنوات حتى تعافى سالم، لم يخضع لعلاج نفسي متخصص لضعف الإمكانات وعدم اهتمام الحكومة الانتقالية التي أعقبت نظام القذافي بإعادة تأهيل شباب الثورة وعلاجهم نفسيًا، ولم يهتم بذلك أحدًا بعدها "كلهم يلهثون خلف المناصب والمكاسب، ولا أحد يبالي بمن ضحوا من أجل نجاح الثورة." على الرغم من وجود وزارة خاصة بأسر الشهداء والجرحى، إلا أنه يصفها بـ "مجرد حبر على ورق." عاد سالم إلى عمله وتزوج قبل عام، لكنه لم ير التغيير الذى كان يأمله، فقط تناحر قبلي، وصراع محموم على السلطة، ورغم ذلك لم يكفر الشاب الذي بات في مطلع الثلاثينيات من عمره بالثورة. يتوقع مستقبلًا أفضل في ليبيا من أجل أبنائه الذي ينتظر أولهم بعد زواجه "لو جنى أبنائي ثمار تضحياتنا لكفى."

لو عاد بي الزمن للوراء لما اختلف موقفي. ومازلت على استعداد لتقديم حياتي لو تطلب الأمر

أحمد المنفي يخدم في كتيبة حرس الحدود

"كنت عسكريًا أعمل بإحدى كتائب حرس الحدود في بنغازي عندما اندلعت الثورة. لم أكن مؤيدًا لسياسات القذافي، ولم أعتبر نفسي يومًا ضمن قواته رغم انتسابي لقوات الجيش؛ وإنما كنت أخدم وطني بحماية أراضيه وحدوده." هكذا بدأ الشاب الليبي أحمد المنفي، 28 عاماً مبررًا أسباب انشقاقه عن القوات النظامية في بدايات الثورة، لينضم إلى إحدى كتائب مدينة بنغازي التي دخلت في معارك عنيفة مع قوات القذافي التي جاءت من الجانب الغربي لإخماد الثورة ولو على جثث جميع سكان المنطقة الشرقية.

انخرط المنفي في قتال قوات القذافي حتى هزيمتها، لكنه كان على موعد مع كابوس آخر دفعه للاعتقاد بخطأ إسقاط نظام العقيد الراحل: "انكسار قوات القذافي أفسح المجال أمام مجموعات إرهابية تتخفى خلف عباءة الدين. ظهرت عناصرها المسلحة تحت مسميات عديدة أبرزها أنصار الشريعة، والدروع، وغيرها. وكلها جماعات إرهابية لم تنفك أن اتحدت تحت لواء ما يسمى بتنظيم داعش." قاتل المنفي عناصر التنظيم الإرهابي مع زملائه ضمن قوات الكتيبة 309 ببنغازي حتى نجحوا في تطهير المدينة بالكامل؛ ليسدل الستار على مرحلة الانضمام لكتائب الثورة التي يفخر بها، رغم ما تضمنته من أهوال. "كنت في بداية العشرينيات وقتها وشهدت ما لم يشهده شيوخًا أمضوا في الدنيا ثلاثة أضعاف سنين عمري."

إعلان

عاد الشاب الذي بات يمتلك خبرة ميدانية كبيرة إلى السلك العسكري، لكن ضمن صفوف قوات الجيش الوطني الليبي هذه المرة، وكان في طليعة القوات التي شكلها المشير خليفة حفتر بدايات العام 2013، ويخدم الآن في صفوف كتيبة حرس الحدود المسؤولة على تأمين الحدود الشرقية بمدينة طبرق، حيث مسقط رأسه: "أحاول تجاوز ذكريات تلك الفترة. أتطلع لحياة جديدة تحت راية ليبيا قوية موحدة." في هذه الأثناء يُشرف المنفي على أعمال عائلته التجارية في طبرق باعتباره المسؤول عن العائلة، ويتطلع إلى استقرار الأوضاع بعد ما يصفه بـ "السنوات العجاف" لينعم باستقرار فارقه وهو في عمر 21 عامًا ولتجنيب إخوته الصغار وأبنائه الذين لم يرزق بهم بعد ويلات ما شهده. يصمت لحظات ثم يعود ليتابع: "لو عاد بي الزمن للوراء لما اختلف موقفي. ومازلت على استعداد لتقديم حياتي لو تطلب الأمر."

كانت ليبيا في الماضي تقتصر على القذافي وأبنائه، والآن أصبحت مقتصرة على المسؤولين وأبنائهم

خالد العقوري ترك ليبيا ويعيش في ألمانيا

"كنت من أصغر المشاركين في الثورة. لم أكن تخطيت عامي الـ 19، ولم يكن لي علاقة بالسياسة، لكني تحركت استجابة لمناشدات إخواننا في مدينة مصراتة بعد حصارهم، فقررت مساندتهم واتجهت إلى هناك مع أحد أصدقائي عن طريق الجرافات التي ذهبت للدعم." يروي خالد العقوري 26 عاماً بداية انضمامه للثورة. وأمام حماسه، تم ضمه إلى كتيبة "النمر" على الرغم من صغر سنه: "كان حماسي للقتال كبير جدًا، شاركت في أعنف معارك مصراتة تحت قيادة الشهيد اللواء علي حدوث العبيدي، وانتقلت للدعم بين المحورين الشرقي (الكراريم)، والغربي (الدافنية)."

"تعرضت لإصابة بالغة في ذراعي الأيسر بمدينة تاورغاء شرقي مصراتة. تم نقلي للمستشفى الميداني وإسعافي هناك، قبل أن أبدأ رحلة علاج طويلة بين ليبيا وألمانيا تابعت بأسى خلالها تطورات الأوضاع في ليبيا، ومحاولة بعض الأطراف القفز على الثورة التي دفعنا ثمنها من دمائنا." يتوقف العقوري عن الكلام للحظات وكأنه يسترجع الأحداث، قبل أن يتابع: "على الرغم من ذلك لم أندم يومًا على مشاركتي فيها، وراض عن الثمن الذي دفعته فداء لبلادي."

يعيش خالد الآن في ألمانيا التي قصدها في البداية للعلاج من إصابة ذراعه الأيسر بدعم حكومي ما لبث أن توقف لجانب كبير من مصابي الثورة في حين لقي البعض الآخر كل الدعم لأنهم على صلة من مسؤولي حكومات ما بعد القذافي: "يعني لو عندك واسطة بس بتتعالج وتتمتع بأفضل رعاية، مفيش واسطة يبقي اتصرف لحالك." وبعد رحلة معاناة لم يجد خلالها الشاب العشريني إلا دعم أصدقائه المقيمين بألمانيا وليبيا، تمكن من استكمال علاجه، لكنه توقف عن الدراسة بجامعة الأبيار في بنغازي، بسبب علاجه ولسوء حالته النفسية، فضلًا عن رغبته في دراسة الطيران. يبحث العقوري حاليًا عن منحة لدراسة الطيران في ألمانيا ليتمكن من تحقيق حلمه، بعد أن يأس من الحصول على منحة من الحكومة الليبية "فتحوا باب الدراسة في الخارج لأبنائهم فقط. كانت ليبيا في الماضي تقتصر على القذافي وأبنائه، والآن أصبحت مقتصرة على المسؤولين وأبنائهم."

الصور مقدمة من الثوار أنفسهم.