أختاه.. نقابك عنوان عفافك (وعنوان هذا العمل الفني أيضاً)

تصوير عبد الله المشرف

FYI.

This story is over 5 years old.

فن

أختاه.. نقابك عنوان عفافك (وعنوان هذا العمل الفني أيضاً)

أنا الآن لا أختار أعمال بنقاب إلا إذا كان النقاب يلعب دوراً واضحاً في القطعة، وليس فقط شكلاً جمالياً

"لا أرى أن في الأعمال التي أقوم بها انتهازيّة، بل أرى أني انتصر لمن ترتدي النقاب كخيار، وأتعاطف مع من قد تُجبَر عليه" بهذه العبارة يلخّص المصوّر السعودي عبدالله المشرّف (32) الشريك المؤسس لـ 8ies Studios علاقته بالنقاب واستخدامه في صوره الاحترافية. عبدالله واحد من عدد من المصورين والفنانين الذين يستخدمون ويعتمدون على النقاب في فنهم، هذا اللباس، الديني تارة والاجتماعي تارة أخرى، الذي أصبح يشغل مساحات شاسعة من جدران المعارض الفنيّة في الدول الغربية والشرقية على حد سواء.

إعلان

فمتى يصبح استخدام النقاب في الفن استغلالاً ومتى يصبح استلهاماً؟ متى يكون كسراً للقوالب النمطية ومتى يكون تعزيزاً لها؟ وهل تختلف حقوق استخدام النقاب للمسلم من غير المسلم؟ من ذكر لأنثى؟ ما هي الدلالات التاريخيّة للنقاب في الفن وهل يمكن تتبع جذوره للتصوّرات الاستشراقيّة؟ د.شربل داغر، الكاتب والأستاذ في جامعة البلمند في لبنان، يؤكد أنه لا يمكن أن نغفل التصورات الاستشراقية عند الحديث عن النقاب والفن العربي الحديث. د.شربل الذي تناولت مؤلفاته مواضيع عديدة في الفن العربي والإسلامي، القديم والحديث ومنها "في كتابي الفن والشرق : الملكية والمعنى في التداول أتطرّق لهوس الرحّالة الأوروبي بتصوير المرأة العثمانيّة،" يشير إلى أن تصوير النقاب مر بثلاث مراحل استشراقيّة. الأولى بدأت بتصوير المرأة في الحياة العامة، المرحلة الثانية هي تعمّق في اكتشاف هذا الجسد المحتجب، فكان تصويراً لحياة المرأة الخاصة، وفي أحوال كثيرة هي صور متخيَلة لأنه لم تتاح فرصة اقتحام تلك المساحات، أما المرحلة الثالثة، وهي المرحلة الأكثر هتكاً وفتكاً، إذ أنها مرحلة رافقت الإستعمار، والتي أطلق عليها اسم الاستشراق الرخيص.

في سوق معولم، يجب عدم استبعاد الجمهور العالمي من فهم القطعة، ليس هناك وقت للتخمين، النقاب في عملي رمز للمرأة في المنطقة

يوضّح د.داغر أن كل مرحلة بَنَت على ما قبلها إلى أن وصل الأمر ببعض الفنانين الغربيين المستشرقين إلى أن يوظّفوا مومسات ويلبسوهن النقاب ثم يقومون بتصويرهن فوتوغرافياً بأوضاع خلاعيّة ويلحقونها بتعبيرات مظلّلة كأن يكتبوا "صورة فلاّحة أمازيغيّة أو بنت في شوارع القاهرة." هذه الصور التي يصفها د.شربل "بانتهازيّة" كان هدفها إثارة خفيفة ورخيصة للمواطن الأوروبي" في الوقت التي أصبحت في متناول الكل على شكل بطاقات بريدية واختلطت في الفضاء الثقافي والفني بأوروبا.

إعلان

الاستشراق الرخيص فكرة أنارت لي ظلمتي خلال بحثي عن موضوع النقاب في الفن، كما من الممكن فهمها في إطار مفاهيم فنيّة أخرى. ولكن هل ما نراه اليوم من أعمال تدمج النقاب هي بالضرورة امتداد لذلك؟ محمد شرف (36 عاماً) مصمم جرافيكي كويتي يعيش نيويورك يشير إلى أن استخدامه للنقاب في أعماله هو خيار عَملي، حيث يقول: "نحن في عصر السرعة، يجب للمبدع أن يرسل إشارات واضحة للمتلقي" مشيراً إلا أن معدل فترة إهتمام الشخص يتراوح ما بين 6-8 ثوان، وفي سوق معولم، يجب عدم استبعاد الجمهور العالمي من فهم القطعة، ليس هناك وقت للتخمين. النقاب في عملي رمز للمرأة في المنطقة."

شرف ينحدر من سلالة فنيّة عريقة، حيث والده كان فنان تشكيلي ذو مواقف سياسية قويّة ولكنه توقف بعد أن أصبحت أعماله مثيرة للجدل واستلم محمد المهمة. "بدأت مسيرتي بمجموعة من البوسترات أطلقت عليها مسمى ردات فعل بصرية. وبما أن ثقافة البوسترات غير شائعة في مجتمعاتنا العربية، لجأت لقنوات التواصل الاجتماعي لاستخدامها كجدران لتعليق أعمالي التي كانت في الغالب عن الحقوق المدنية." ثم يسهب شرف حالماً في الحديث عن قطعته التي أسماها "غير ممنوع" والتي جذبت جمهوراً عالمياً وكانت بمثابة ثورة في مسيرته الفنيّة لرموزها التبسيطية وتعبيراتها الحاذقة ويقول: "كانت ردة فعل لفتوى مضحكة عن السماح للمرأة السعودية بركوب الدرّاجة وكانت طريقتي في التعبير عن رأيي والمشاركة في الحدث."

محمد شرف عن "غير ممنوع: "كانت ردة فعل لفتوى مضحكة عن السماح للمرأة السعودية بركوب الدرّاجة"

على الرغم من أن أعماله تتطرق لمواضيع مختلفة مثل الفقر والطائفية إلا أن شرف يعترف بأن الحقوق المدنية للمرأة في المنطقة تحتل جزء كبير من فنه، ولعل يرجع السبب لحادثة شخصيّة تركت أثرها عليه: "أنا لا أصنف نفسي كفنان نسوي، هي فقط غريزة إنسانية ورغبة في الميل نحو العدالة. قد يكون أكبر دافع هو تجربة حيث اكتشفت أن لولي أمر المرأة أن يرفض تزويجها ممن ترغب."

إعلان

محمد شرف

المرأة، صوتها، شكلها، لباسها، هي تفاصيل صغيرة ولكن في الفن قد تبنى عليها عوالم و نقاشات واختلافات، ولا شك أن بروز فنانات مثل الفرنسيّة المغربيّة ماجدة خطّاري والتونسيّة مريم بودربالة والذي ما هو إلا ردة فعل مساوية في المقدار ومعاكسة في الاتجاه في سوق فن دولي يدّعي الشمولّية. فالخطّاري مثلاً تناولت موضوع الاستشراق الجديد المفروض في سوق الفن العالمي بسلسلة من الأعمال التي تتضمن نساء منقبات يحملن قنابل مثلاً كرسالة مضمونها أن الغرب لا يزال مهوس بالمرأة الشرقية، ولكنه انتقل هذا الهوَس من التركيز على جمال ذلك "الكائن الأثيري الغريب" إلى الخوف منها والشك بنواياها.

"الخطاب عن النقاب وانعكاسه على الفن عاد مع الموجة الإسلامية في العالم العربي وما تثيره من ردود فعل في الغرب،" يقول د.شربل موضحاً أن هناك عدد من التشكيليات العربيات اللتين عدن إلى تصوير النقاب في محاولة "لاستعادة هويّة مشوّهة، وقد ينطلقن من مفاهيم تقدميّة وثوريّة." ثم ينتقل ليوضّح ديناميكيات السوق التجاري للفن والذي يتحدث لغة خاصة يجب لكل فنّان عربي أو مسلم (أو كلاهما) الإلمام بها ليبني لنفسه موقعاً فيه قائلاً: "لا أريد أن أعمم ولكن الفنانين يدركون أن هذا العمل الفني يسوّق في سوق وتداول فني معولم بشكل مذهل، فلا بد من التحدث بلغة الاثارة والاثارة المضادة."

وهذا ما تتفق معه قيّمة الفنون رنين بخاري، ومنشئة لاود آرت، منبر لعرض الأعمال الفنيّة الناشئة في الشرق الأوسط، والتي تقول إنها خلال سنوات عملها اختارت أعمال كثيرة تدمج النقاب لأنه "كان دارج ولقي قبولاً كبيراً." ولكن تبقى إشكالية ارتفاع العرض وهبوط القيمة، هل أصبح النقاب في عالم الفن مثل الـ Clickbait في عالم الصحافة؟ تعلّق رنين قائلة: "بعد فترة، منعت هذه الأعمال لأنها بدت لي وكأنها أعمال استشراقية. مَللت منها. أنا الآن لا اختار أعمال بنقاب إلا إذا كان النقاب يلعب دوراً واضحاً في القطعة، وليس فقط شكلاً جمالياً."

إعلان

عبدالله المشرّف، بدون عنوان، 2014

يرى عبدالله أن موضوع استخدام النقاب في الفن يحتاج إلى الكثير من البحث والتحري، ويقول: "الأعمال الناقصة أو المأخوذة من مفهوم خاطئ تنتج عملاً ناقصاً، يشوّه حيوات وأنماط ثقافية لأهداف أيديولوجية أو سياسية بشكل مجحف." عبدالله وصل الى هذه النتيجة من خلال تجربة شخصية، فبعد أن أسس شركته 8ies Studios الإعلانيّة، اضطر إلى الاستعانة باليد العاملة النسائية، وعدد كبير منهن كن منقّبات. وبعد أن تعرّف عليهن عن قرب واكتشف أن هناك قصص خلف النقاب لم تروَ، استنكر عبدالله تحيّزاته المسبقة عن المنقّبة: "لم أعتقد أن المنقّبات مهتمات بالإعلان والميديا بهذا الشكل. ولكن ذُهلت بكميّة ابداعهن وشغفهن بصناعة المحتوى، فأردت تسليط الضوء على ذلك."

الفنانة التشكيليّة السعودية امتثال العوّامي ترى "أن من المجحف أن لا يرى البعض الجانب الآخر من النقاب وما وراء هذا الغطاء." امتثال، وهي واحدة من الفنانين الذين جعلوا من النقاب محوراً أساسياً لأعمالهم، تؤكد على أنها عندما تطرقت للنقاب في أعمالها أرادت التركيز على المرأة الإنسان "المرأة لم يعيقها شيء للوصول لأي مكان. أنا منهن وأعيش معهن. هن أنا، وأنا هن. نحن نحمل أحلام وطموحات مختلفة، ولكن نشترك جميعاً في حمل هم كوننا نساء."

يبقى موضوع النقاب أعقد مما نتصور. في بداية 2016 رسم الفنان لاش ساكس الاستفزازي جرافيتي لهيلاري كلينتون بصورة خليعة على إحدى جدران مدينة ملبورن الاستراليّة، قرر المجلس المحلّي بأنه مسيء للذوق العام وطلب منه إزالته، وما كان منه إلا أن قام بتغطية هيلاري بالنقاب، مشيراً في حسابه على الانستغرام إلى اتجاهات الدولة القمعيّة في حريّة التعبير وفرض الرقابة. ولم يقف عند ذلك، أعلن متهكماً رغبته بـ"سيلفي" لنساء منقبات حتى يرسمهن. في حين يلطّخ لاش ساكس وجه هيلاري بنقاب كرمز للقمع، تستخدم المصممة آلاء بلخي النقاب كطريقة للاحتفاء بما تراه مختلفاً: "أنا لا أرسم نساء ثم أضيف نقاب كمن يضيف النقاب على الموناليزا مثلاً. هن منقابات. ولا أرسمهن لأدعي معرفة مشاعرهن أو لإطلاق أي أحكام."

إعلان

استخدم النقاب في عملي لأن النساء اللواتي صورتهن هن بالفعل يلبسن النقاب في حياتهن. لهن الحريّة في لبس ما يحلو لهن. وظيفتي التقاط الواقع ونقله فقط

وقد أسست بلخي فيونكة، وهي علامة تجاربّة معنية بالثقافة الشعبية، وأحد أكبر رموزها هي المرأة المنقبة: "في بداياتي، لم يكن رسم النقاب في التصاميم بهذا الشكل من الانتشار، ولكن مثله مثل غيره من الأشياء الشائعة، تفقد قيمتها بعد فترة ويشعر الناس بالملل من رؤيتها. حتى أكون صريحة معك، بدأت بالتقليل من رسم النقاب في تصاميمي."

الفنان المعاصر حسّان حجّاج، أو المعروف بـ أندي وارهول المراكشي لا يرى موضوع استخدام النقاب بالفن بنفس الحساسية، في فيلمه الوثائقي يوم من حياة "فتاة الحناء كريمة" يستعرض حسّان يوميات نقّاشات الحناء اللاتي يعملن في ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش، حيث يتنقلن فتيات الحناء في مدينة سبعة رجال على الدراجات النارية وهنّ يرتدين الجلباب المغربي المزركش والنقاب التقليدي. "كلاً من أمي وجدتي وعمّتي كن يرتدين النقاب في مراكش وهو أسلوب حياة مجتمعات كثيرة وتراث تناقلته الأجيال ومازال حيّ. أستخدم النقاب في عملي لأن النساء اللواتي صورتهن هن بالفعل يلبسن النقاب في حياتهن. لهن الحريّة في لبس ما يحلو لهن. وظيفتي التقاط الواقع ونقله فقط."

بين نقل الواقع كما هو وبين استخدامه كطريقة للربح أو الترويج، يتفق معظم الفنانين العرب على ضرورة تطهير لغة الفن من قواعده الاستشراقية. تقول ثُريّا درويش، شريك مؤسس لدليل الفن السعودي، والفنانة والمدرّبة "للأسف، بعد 11 سبتمبر، جُرّمت النساء اللواتي يرتدين النقاب في عدد من البلدان. نحن بحاجة إلى خلق مساحة آمنة للحوار والتعاون بين الفنانين من خلفيات مختلفة. ما أراه الآن هو كثرة ابتعاث الفنانين المسلمين للغرب حتى يتعرفوا على الفن الغربي وتاريخه، ولا أرى العكس."

عبدلله المشرّف، بدون عنوان، 2015

وهذا ما توافق عليه أيضاً فنانة الغرافيتي "برينسس حجاب" والتي تعيش في فرنسا، التي كانت أول دولة أوروبية تحظر ارتداء النقاب في عام 2010، والتي تقوم برسم النقاب على الشخصيات الرئيسية في إعلانات المترو في باريس بحراك سمّته "hijabizing." ترى فنانة الغرافيتي التي ما زالت هويتها مجهولة ضرورة التصادم مع التيارات المخالفة في المساحات المحظورة، إذ أنه لا جدوى للحوار داخل المساحات المسموحة. برينسس حجاب رفضت الحديث مع VICE عربية، قائلة بأنها اعتزلت المهنة. ولكن في حوار صحفي قديم، علّقت قائلة "اخترت النقاب لأنه يحقق إحدى غايات الفن: مزعج أحياناً ولكنه يتحدى المخيّلة."

ولكن هل نحن بصدد موجة نيو-استشراقية ليست خالية من الفهم الخاطئ والايديولوجيا، مشابهة في اضطهادها ومغايرة في أساليبها؟ يعلّق د.شربل قائلاً "يجب أن ننفتح لهذه التجارب ولكن بنفس الوقت أن نتعامل معها بمزيد من الفحص والنقدية." وفي ضرورة المشاركة في هذا السوق، يقول المشرّف "أجد أن في ترويج النقاب تعزيزاً واحتفاءاً بمفهوم التنوع وحق الاختلاف والتعبير عن الانتماءات والهويات بأصالة. وهذا دور عميق للفن، يعكس الظواهر بحالتها الصادقة كما في الحياة، وإن اختلف شكل التعبير، سواء كانت راهبة في الفاتيكان، أو هندية في نهر الغانغ، أو فتيات كرنفال ساو باولو، أو منقبة في الرياض."

@RubaAlsweel