Civil Marriage
مقال رأي

من أؤتمن على عرض لا يُسأل على مال: متى نعتبر الزواج عقد شراكة؟

قائمة المنقولات وقرار الأهل بأن "العرض لا يشترى بالمال" يتعامل مع المرأة كأداة للجنس، وأشياء يتم تسليمها يدًا بيد، من رجلٍ لآخر

"مَن أؤتمن على عِرض لا يُسأل على مال." انتشرت هذه الجملة على الانترنت وتظهر صورة لقائمة منقولات عروس مصرية. القائمة فارغة تمامًا إلا من هذه الجُملة التي كتبها والد العروس. جُملة مثيرة للغضب لأسباب أولها: اعتبار العروس عِرض الأب وشرف العائلة. ثانيها: إلغاء أهلية العروس والتعامل معها كشيء يتم تسليمه من رجل لآخر بعقد زواج. وثالثها: التهاون في الحقوق المالية للعروس والذي تدفع ثمنه بعد ذلك ومحكمة الأسرة في مصر خير شاهدٍ.

إعلان

ما هي قائمة المنقولات؟
قائمة المنقولات هي ورقة غير رسمية يُكتب فيها ما أشترته العروس لتجهيز المنزل. وقد جَرت العادة في مصر أن تُكتب قائمة المنقولات كبديل للمهر الذي كان يدفعه العريس لوالد العروس وفقًا للشريعة الإسلامية التي تُلزم الزوج بتأثيث المنزل وحده. أما في المسيحية، وبسبب عدم وجود طلاق في أغلب الطوائف المسيحية، فعادة ما يتم تقسيم التأثيث بين الطرفين، حسب القدرة المالية للأسرة. بعيداً عن الدين، يعتمد تأثيث المنزل على كل مدينة وأعرافها داخل مصر وحسب المقدرة المادية والحالة الاقتصادية للعريس والعروس. في القاهرة، تُشارك العروس، في بعض مدن الصعيد، يلتزم الزوج بتأثيث المنزل بالكامل. ليس هناك قائمة منقولات تضمن الحق المالي للزوجة المشاركة في التأثيث بعد الانفصال. وقد يتم الإتفاق وديًا على مناصفة الأثاث أو لا تأخذ الزوجة أيًا منه إن لم يتفقا. 

بعد التغيُرات الاقتصادية والسياسية على مدار عقود، أصبح العرسان غير قادرين على تأثيث منزل بمفردهم أو دفع مهر العروس إن كان الزوج مسلمًا. فيُشارك أهل العروس ببعض الأثاث والأجهزة لتيسير الزواج والتي غالبًا ما تُكلّف أكثر مما يتكلّف العريس، وتُكتب قائمة منقولات يوقّع عليها العريس لحفظ الحق المالي للعروس في حال الطلاق. 

هذا الحق المالي لا يقتصر على شراء الأثاث، إنما أيضًا على العمل المنزلي غير مدفوع الأجر ورعاية الأطفال التي تقوم بها بمفردها داخل مؤسسة الزواج. تعتبر قائمة المنقولات ورقة يُعتد بها في المحاكم المصرية رغم أنها غير مُسجّلة رسميًا، بما أنها تحمل توقيع الزوج. يحقُ للزوجة المُطالبة بما ورد في القائمة أمام المحكمة، ويُعاقب الزوج لو امتنع عن التسليم، في جُنحة تحمل اسم: تبديد قائمة منقولات.

إعلان

رجوعًا لما كتبه والد العروس في الصورة المنتشرة، دعونا نُفكك معناه ببساطة. 

أين المشكلة في ذلك؟
بسبب الأوضاع الاقتصادية، دائمًا ما يتم مُطالبة النساء بالتنازل عن حقوقهنّ مقابل تيسير الزواج. بالإضافة إلى وصم دائم لهنّ ولعائلاتهنّ بالمغالاة والمبالغة في طلبات إتمام الزواج. وفي ذلك، تقع مسؤولية تيسير الزواج على النساء دون الرجال. بين حينٍ وآخر، هناك تريند يُطالب النساء بالتخلّي عن الشبكة، أو المؤخر والنفقة. ولا أحد –أبدًا- يُطالب الرجال بتيسير الزواج بكتابة شروطًا في العقد تُلزمهم بمناصفة العمل المنزلي ورعاية الأطفال، أو بمشاركة حق التطليق أو التوقف عن اغتصاب زوجاتهم تحت لواء "الحق الشرعي". كأن النساء يدخلنّ منظومة الزواج من بدايتها كأطراف أقل من الرجال.

قائمة المنقولات وقرار الأهل بأن "العرض لا يشترى بالمال" يتعامل مع المرأة كأداة للجنس، وأشياء يتم تسليمها يدًا بيد، من رجلٍ لآخر. لسنا على دراية هل ارتضت العروس ما كتبه أبيها أم لا. لكن حتى لو ارتضت، فهي لم توقّع قائمة المنقولات أو تكتب الجملة بنفسها. تمت كتابتها نيابة عنها في غياب تام لها عن المشهد. هي غير موجودة. هي شيء يتم التنازل عنه أو تسليمه من الأب للزوج. 

نجد التشييء الجنسي للنساء مُتجسدًا أيضًا في عقود الزواج الإسلامية. هناك تفرقة في المهر بين البِكر (التي لم يسبق لها ممارسة الجنس بالإيلاج)، والثيّب (التي تزوجت قبلًا أو فُضت بكارتها لأي سبب)، يفترض أن الفئة الأولى تستحق مهرًا أكبر لأنها تُرضي غرور الرجال الذين يعتبرون البكارة رمزًا للشرف. ويُضاف إليه اعتبارهن أدوات جنسيّة "أفضل" من الفئة الثانية. هذا الاعتقاد يفرّق بين النساء بناء على حالة البكارة- إن ولدنّ بها أصلًا- ويقوم بتشييئهنّ جنسيًا (Sexual Objectification).

إعلان

"تنازل" الأب للزوج عن قائمة المنقولات التي تضمن حقوق العروس المالية، كأنه هو الذي سيقف أمام محكمة الأسرة لو اضطرت العروس إلى ذلك كما اضطرت مئات الآلاف من المصريات. فجأة تظهر الأهلية القانونية للنساء، لكن في أروقة المحاكم عندما تقف أمام قاضٍ تشتكي من هجر الزوج/خيانته/امتناعه عن تسديد نفقة أطفالها أو تسليم قائمة المنقولات/ إلخ. وعندما نقول أن أبيها تنازل عن حقوقها المالية، فنحنُ لا نُعيد إنتاج صورة الأب كمالك لجسد العروس. إنما لأن عقود الزواج في مصر نادرًا ما يرتضي فيها المأذون تزويج امرأة لنفسها بدون وليّ. فبدلًا من أن يكون الأب/الأخ/العم/الخال مجرد مفوضًا قانونيًا، يعتبر نفسه ويعتبره المجتمع والقانون مالك أصلي لامرأة يتنازل عنها وعن حقوقها لرجل آخر.

لماذا يجب الالتزام بالحقوق المالية للزوجة؟
في مؤسسة الزواج، تُشارك النساء ماليًا أكثر من الرجال حتى لو كنّ ربّات بيوت. فالنساء العاملات في مصر، إما يُعلنّ الأسرة بالكامل، أو يُساهمنّ ماليًا بجزء من راتبهنّ- أو كله. أغلب البيوت المصرية تعولها النساء وفقًا للإحصائيات الرسمية. تمتد الإعالة لتشمل أعمالهنّ المنزلية غير مدفوعة الأجر والتي تُساهم اقتصاديًا داخل الأسرة وخارجها على نطاق وطني. فالعمل المنزلي ورعاية الأطفال وظائف غير مُعترف بها وغير مؤجرة. وفي الواقع، إذا تم حساب المساهمة الإجمالية في النشاط الاقتصادي مقاسًا بإجمالي ساعات العمل في المنزل، فقد بلغت حوالي 50 مليار ساعة مقابل حوالي 58 مليار وبذلك مثلت نسبة النساء حوالي 46 % من إجمالي ساعات العمل، و جاء تقدير قيمة العمل المنزلي حوالي 400 مليار جنيه بما يمثل 25% من الناتج المحلي الإجمالي. ليس هذا فقط، بل أن النساء اللواتي يعملنّ داخل المنزل يعملن كذلك في وظيفة نهارية أخرى. يُطالب الذكوريون النساء بالتخلّي عن حقوقهنّ المالية داخل مؤسسة الزواج، لأنهنّ لا يُعلنّ الأسرة. 

إعلان

البعض سيقول أن النسويات موافقات على شكل الزواج التقليدي الذي يُسلّع النساء. ولهؤلاء جميعًا أوجه كلامي، مطالبة النساء بالتخلّي عن الشبكة والمؤخر والنفقة وقائمة المنقولات، بزَعم أن الرجال يعولون الأسرة هي غير منصفة بشكل واضح وصريح. في حقيقة الأمر، النساء تعول الأسر سواء يعملنّ خارج المنزل وداخله أو داخله فقط.  وعليه، فإن حسبنا إجمالي المستحقات المالية للزوجة، فلن تكُن حتى قريبة من المبالغ المُستحقة لها نظير أعمالها المنزلية و"أمومتها."

هذا على اعتبار أن الرجال سيلتزمون بكل تلك البنود. نحن نعلم جيداً ماذا يحدث إن طلبت زوجة الطلاق ولم يرغب الزوج. سيساومها على تلك الحقوق مقابل الطلاق ويطالبها بالإبراء لتحصل على حرّيتها. أو يُجبرها على رفع قضية خُلع لنفس السبب وهو عدم الوفاء بحقوقها المالية. هذا إذا لم يكُن من النوع الذي يُحرّض رجال عليها لاغتصابها واتهامها بالزنا، ليحصل على طلاق بالإبراء. الكثير منكم يزوّرون ذمتهم المالية في الأوراق الرسمية للتهرّب من دفع النفقة للزوجة والأطفال.

الزواج عقد شراكة
رغم افتراض أن الزواج عقد شراكة بين طرفين، إلا أن تلك الشراكة ليست شراكة حرفية إن تحدثنا عن توزيع الأدوار داخل الأسرة كما وضحنا. لذلك وضمانًا لحقوق الطرفين (غير العادلة للنساء بالمناسبة)، يجب معاملة الزواج كشراكة حقيقية منصوص على بنودها بعقود وتوقيعات. وهذا لا يُقلل من قيمة الود والمحبة بين الزوج والزوجة. وإن كانت قائمة المنقولات/الشبكة/المؤخّر/النفقة تتسبب في وقف زيجات أو خناقات مستمرة على الإنترنت، فلتكتب من مبدأ حفظ الحقوق. ليس ذلك تخوينًا، إنما حقًا واجب الوفاء به. ولنُفكّر إن كان ذلك يعني تخوينًا، فهيّا بنا نتزوج دون عقود زواج من الأصل، ونتحمّل سويًا الاتهام بالدعارة إن تم القبض علينا في غرف نومنا. 

هيّا بنا لا نوثّق شراكاتنا في العمل. هيّا بنا لا نوثّق بيتًا اشتريناه للتو، لأننا "نثق" في المالك وأنه لن يدّعي العكس فنخسر أموالنا. عليكم التفكير جيدًا لماذا تُذكر الثقة والتخوين إن تعلّق الأمر بحقوق مالية للنساء. عليكم الاعتراف أنكم تطلبون من النساء التنازل عن حقوقهنّ أو عدم توثيقها، لأنكم لا تعترفون بأن لهنّ أهلية قانونية ومجتمعية. 

عليكم أن تتخلّوا عن اعتبار حقوق النساء القانونية: ثقة، واعتبار حقوق الرجال القانونية في شتى مناحي الحياة: حق يجب توثيقه. عليكم معرفة أسباب الضغط المُستمر على النساء لئلا يكون لهنّ حقوقًا منصوص عليها بنصوص وبنود واضحة، وإلا توصموهنّ أنهم ماديات أو مُبالغات. عليكم معرفة ذلك لأن له وصفًا واضحًا: نظام أبوي لا يعترف بأهلية النساء ويُخضعهنّ للرجال والمجتمع والقانون بسبب هويتهنّ وأدوراهنّ الاجتماعية.