iga-palacz-0DnAgqpBioM-unsplash

Photo by Iga Palacz on Unsplash

بيئة

فضلات الكلاب لا تستخدم كسماد وليست مفيدة للبيئة

مع زيادة أعداد مالكي الكلاب في مصر حان الوقت لوجود غرامة لتبرزهم في الشارع

أسكن في شارع هادئ في حي مدينة نصر يندر فيه نشوب مشاجرات بين الجيران، إلا أن اصطحاب إحدى الجارات لكلبها البني الصغير من نوع (يوركشاير ترير) للتبول والتبرز على رصيف العمارة ومدخل الجراج بدون أن تقوم بازالتها، أثار الخلاف بين الجارة وساكني عمارتنا والعمارة المجاورة أيضًا. تعرضت الجارة للانتقاد والشجار والمضايقات ولكنها لم تتوقف عن تصرفاتها. سلوك الجارة ليس فرديًا، في الواقع يشاركها جيران آخرين يخرجون في جولات للتنزه برفقة كلابهم كي تتبرز في الطريق، ولا يقومون بإزالة الفضلات مدعين أنها تتحلل بيئًيا أو أنها بمثابة سماد طبيعي للتربة، وهو ادعاء غير صحيح أبداً.

إعلان

لا يوجد أرقام أو دراسة بحثية عن عدد الكلاب الأليفة في مصر، ولكنها تقدر بمئات الآلاف، وهناك ما يقارب ٢٠ مليون كلب ضال. على الرغم من ازدياد أعداد مالكي الحيوانات الأليفة والكلاب بشكل خاص في مصر والعالم العربي، لا يوجد أي نص قانوني يعاقب الأشخاص على عدم التخلص من فضلات الكلاب في الشارع. في حالة الجارة، يمكن فقط تحرير محضر ضد الجار في حال تعدي الكلب على الشخص بالعض أو بسبب الإزعاج.

بعيداً عن النظافة والذوق، لا يوجد وعي كاف بالأثر السلبي لفضلات الكلاب على الصحة والبيئة. ينتج كلب متوسط الحجم حوالي 180 كيلوجرامًا من الفضلات سنويًا. في الولايات المتحدة، ينتج 83 مليون كلب أليف حوالي 10.6 مليون طن من الفضلات كل عام. المشكلة الأساسية هو المفهوم الخاطئ الشائع والذي يعتبر أن فضلات الكلاب "طبيعية" وبالتالي فهي غير ضارة بالبيئة. لكن تكوين فضلات الكلاب يختلف كثيرًا عن الحيوانات الأخرى. نظرًا لأنزيمات المعدة والوجبات الغذائية للكلاب، وفضلاتها تختلف عن باقي الحيوانات البرية، حيث تحتوي على تركيزات عالية من النيتروجين والفوسفور. كما يوجد في هذه الفضلات مستويات عالية جدًا من البكتيريا التي تبقى في التربة لسنوات وقد تصل لمصادر المياه والمزروعات.

باعتباري كاتبة متخصصة في الصحة العامة، قررت البحث أكثر عن هذا الأمر والحديث مع عدد من الخبراء ومقارنة الخطوات العلمية التي يتم اتخاذها في بلدان أخرى للتوفيق بين العناية بالكلب كحيوان أليف ومحبوب وبين الحفاظ على الصحة والبيئة.

إعلان

بداية تحدثت مع الدكتور عامر عبد العزيز، رئيس قسم الطفيليات في كلية الطب البيطري بجامعة سوهاج، لأستفسر عن الأمراض التي يمكن أن تنتقل من خلال فضلات الكلاب في حال لم يتم التخلص منها بشكل صحيح.  يقول الدكتور عبد العزيز أن فضلات الكلاب تؤثر بشكل مباشر على الصحة، وتعتبر بويضات ديدان الإسكارس Toxocara canis من الأمراض التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان عبر فضلات الكلاب. ويضيف: "بويضات هذه الديدان تنتقل بين الكلاب أثناء فترة الرضاعة أو أثناء الولادة من خلال المشيمة من الأم المصابة للكلب المولود، كما أنها تتواجد في الأمعاء الدقيقة للكلاب، وعند انتقالها للإنسان تؤدي إلى الإصابة باليرقان والهزال والأنيميا الحادة، كما أنها يمكن أن تصيب الرئتين وينتج عنها الإصابة بحكة شديدة والتهاب رئوي حاد."

يشير تقرير لـ صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن الكلاب تنتج حوالي عشرة أضعاف القولونيات البرازية لكل رطل من الأبقار، كما تحمل 65 مرضًا يمكن أن تنتقل إلى البشر. الدكتور محمد زكريا، أستاذ الأمراض المعدية في جامعة المنصورة، حدد لي قائمة الأمراض التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان من خلال براز الكلاب وأبرزها: "الجيارديا Giardia، وينتشر نتيجة ابتلاع طفيل الجيارديا، الموجود في الماء أو التربة الملوثة أو الأسطح الملوثة ببراز الكلاب. وقد يعاني الأشخاص المصابون بالجيارديا من الإسهال والغثيان والقيء، ولكن هناك بعض الحالات التي قد لا تظهر عليها علامات المرض."

ويضيف الدكتور زكريا أن فضلات الكلب قد تسبب كذلك داء العطائف أو Campylobacter وهي عدوى تصيب الأمعاء، ونوروفيروس Norovirus وهو فيروس معدي، يتواجد في براز الحيوانات المصابة، وقد ينتقل إلى الإنسان عن طريق تناول الأطعمة والمشروبات الملوثة. كما أن الدودة المكورة Echinococcus granulosus تعد أيضًا من الأمراض التي ينقلها براز الكلاب وهي "تعيش داخل أمعاء الكلب وتخرج بويضاتها مع فضلاته، وعندما يتناول الماء أو الطعام من إناء فإنه ينقل هذه البويضات إلى الإناء، لهذا لابد من غسل الإناء بمواد مطهرة قوية للقضاء على بويضات هذه الديدان حتى لا تنتقل إلى الأشخاص المحيطين به."

إعلان

أغلبية هذه الأمراض قد تنتقل من الكلاب في الشارع وليس الكلاب الأليفة، التي يتم تطعيمها ضمن جدول التطعيمات وتقديم العلاج لها من خلال المتابعة المستمرة في العيادة البيطرية. ولكن في كل الأحوال، وحتى إن كان الكلب الأليف حاصل على كل التطعيمات، فهذا لا يلغي الخطر الذي تشكله فضلاته وفي كافة الحالات لا يجب أبداً استخدام فضلاته كسماد. على عكس روث الأبقار أو الخيول الذي غالبًا ما يستخدم كأسمدة، فإن النظام الغذائي لهذه الحيوانات يختلف تمامًا عن الكلاب -النظام الغذائي للحيوان هو العامل الأساسي في تحديد ما إذا كانت فضلات الحيوانات مفيدة للتربة. القاعدة العامة هي أنه إذا كان الحيوان من الحيوانات العاشبة، ولا تأكل سوى المواد النباتية، فيمكن استخدام النفايات كسماد.

ولكن لأننا عادة ما نتجاهل الأخطار البيئية إذا لم يكن هناك عقوبة واضحة، فمن المهم هو وضع قوانين تجرم تبرز الكلاب في الشارع كما في معظم دول العالم. في إسبانيا، تم تحديد غرامة تصل إلى 1،500 دولار لأصحاب الكلاب الذين لم يقوموا برفع براز كلابهم من على الأرض وتم توفير الأكياس بالمجان، ووصل الأمر لتجميع الحامض النووي للكلاب من أجل تعقب البراز ومعرفة صاحب الكلب وتغريمه. وفي الإمارات يفرض غرامة قدرها 200 درهم (٥٤ دولار) في حالة عدم إزالة فضلات الكلب، بالإضافة إلى تعهد كتابي بعدم تكرار المخالفة. في حال تكرر الأمر، يتم حجز الكلب وترتفع الغرامة لـ 400 درهم.

إعلان

وفي محاولة لنشر ثقافة التخلص السليم من فضلات الكلاب، قامت مدينة بريستول بإنجلترا بوضع ملصقات لطفل صغير وجهه ملطخ بلون بني بجانب صورة كلب، ومكتوب عليها عبارة: "الأطفال سيضعون أي شيء في أفواههم" مع غرامة ١،٠٠٠ جنيه استرليني للمخالفين. وفي تايوان أعطت السلطات تذاكر يانصيب للأشخاص الذين سلموا اكياسهم من فضلات كلابهم. 

الأمر بسيط، كل ما عليك هو التقاط فضلات الكلاب على الفور ووضعها في كيس خاص والتخلص منها في سلة المهملات. والخيارات موجودة، هناك أكياس مخصصة لوضع براز الكلاب فيها وهي أكياس قابلة للتحلل وصديقة للبيئة، وتباع عبر مواقع التجارة الإلكترونية وسعرها حوالي 13 دولار. وهناك اقتراح آخر عرضه الفنان محمد صبحي في مسلسل (رحلة المليون) عام 1984 تتعلق بعمل حفاضة للحيوانات، وقد أصبحت الفكرة حقيقة، حيث تم طرح حفاضات للحيوانات يبدأ سعرها 6 دولار ويصل إلى 22 دولار. ويوجد نوع يمكن غسله وإعادة استخدامه. وكان اللواء عادل لبيب عندما كان محافظًا لقنا، منع دخول الحمير وعربات الكارو إلى المدينة وفرض ارتداء الدواب للحفاضات لمنع تلويث الشوارع، ووقتها تعرض قراره للسخرية.

إعلان

بشكل عام، التخلص من نفايات الحيوانات هي مشكلة كبيرة ومتفاقمة عالمياً، فوجود الفضلات الحيوانية والأكياس البلاستيكية في مكبات النفايات يتسبب بانبعاث غاز الميثان في الهواء، والذي يعتبر من غازات الاحتباس الحراري ويؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي والتأثير سلبًا على المناخ. ولكن هناك عدد من الحلول الصديقة للبيئة لمعالجة شكلة فضلات الكلاب منها استخدام الأكياس القابلة للتحلل كما أشرنا، الأهم أن لا تستخدم الأكياس البلاستيكية.

هناك كذلك إمكانية لاستخدامه كسماد، ولكن فقط على النباتات غير الصالحة للأكل. يمكنك صنع صندوق السماد الخاص بك عن طريق إضافة براز الكلب إلى قصاصات العشب أو النباتات أو النفايات العضوية الأخرى مع نشارة الخشب التي تعتبر مصدر غذاء للميكروبات التي ستقوم بتفكيك المادة العضوية في هذه الفضلات، ولكن يجب أن تكون درجة حرارة خليط السماد 50-60 درجة مئوية، لأن الحرارة تقتل معظم البكتيريا الموجودة في الفضلات.

وتعتبر تربية الدود wormfarming الطريقة الأكثر طبيعية للتخلص من فضلات الكلاب، وهي وسيلة للتخلص من نفايات المطبخ العضوية كقشور الفواكه والخضروات. هذه الديدان ستقوم بأكل الفضلات وتهضمها وتزيل الرائحة، ويمكن استخدام السائل الذي يتم تصريفه من مزرعة الديدان كسماد في الفناء أو الحديقة - ولكن ليس في المكان الذي تزرع فيه الطعام.

وعن الشكل الأمثل للتعامل مع فضلات الكلاب في داخل البيوت، يوصي الدكتور عبد العزيز بتخصيص صندوق رمال خاص بعملية التبرز والتبول للحيوان الأليف يتم تغييره يوميًا باستخدام قفازات واقية وغسل الوعاء بالماء والصابون، مع الحرص على وضعها في مكان مكشوف في المنزل، يفضل أن يكون بعيد عن متناول الأطفال، ولا تتجاوز مدة تغيير هذه الرمال ثلاثة أيام.

ويضيف: "البويضات الحاملة لمرض Toxocara canis تحتاج إلى ثلاثة أيام حتى تصل لطور العدوى عند درجة حرارة ورطوبة وتهوية معينة؛ بعدها تصبح قادرة على إحداث العدوى، لذلك يفضل أن تكون هذه الرمال معرضة للشمس التي تقتل العدوى باستمرار. وعاء ماء الكلب يمكن أن ينقل عدة أمراض، ويفضل أن يكون الوعاء مستقل للكلب وليس مشتركاً مع الحيوانات الأخرى. يجب أن يغسل جيدًا بالصابون على الأقل كل 48 ساعة مع استخدام قفازات واقية." وينصح الدكتور عبد العزيز بخلع الحذاء قبل دخول المنزل وتعقيمه لمنع نقل أي عدوى، وهي النصيحة التي شددت عليها منظمة الصحة العالمية مع بداية جائحة كورونا.

ويحذر ساكني المناطق السكنية التي إعتاد بعض ساكنيها اصطحاب كلبهم للتبرز في الشوارع القريبة من الأمراض التي يمكن أن تصيبهم، وينصح بتطهير الأماكن التي يتبرز فيها الكلب باستخدام مادتي الفورمالين والصودا الكاوية، لأن هذه الفضلات لا يزال أثرها بالمطهرات والكلور وغيرها من المنظفات. وتبقى كلمة السر في النهاية في رفع أكوام القمامة المكدسة في الشوارع التي تعتبر العامل المشترك في نشر العدوى ونقل الكثير من الأمراض.

الكلب أصبح فرداً من العائلة وهذا أمر رائع، ولكن مع زيادة أعداد مالكي الكلاب، حان الوقت لوجود غرامة لتبرز الكلاب في الشارع إلى جانب تنمية الوعي والمسؤولية من أصحاب الكلاب تجاه كلابهم وتجاه البيئة للحفاظ على كوكبنا.