IMG_1687

جميع الصور مقدمة من الفنان.

فنون

مقابلة مع الفنان السعودي عبد الله العثمان وحديث عن الفن والضوء والذاكرة

كل المدن لغات، المدینة التي لا تملك لغتها الخاصة.. مدینة ناقصة الحضور

في حدث فريد من نوعه، تلأْلأَت العاصمة السعودية باحتفالية "نور الرياض" والتي تضمنت عرض أعمال فنية تعتمد على الإضاءة في أنحاء متعددة من المدينة، من ضمنها قصر سلوى في الدرعية ومدينة الملك عبدالله المالية ومركز الملك عبد العزيز التاريخي بالإضافة إلى معرض "نور على نور" والذي يعرض في ثناياه حفنة من الفنانيين الذين يستخدمون الضوء في أعمالهم كمادة ومصدر إلهام منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم. شارك في الاحتفالية قرابة 60 من كبار الفنانين في مجال فنون الإضاءة، ينتمون إلى أكثر من 20 دولة حول العالم. 

إعلان

في حديثي مع الفنان والشاعر السعودي المعاصر عبد الله العثمان، 34 عاماً، والذي شارك في الاحتفالية، نسلط الضوء على تجربته مع التعبير عن حالة الإنسان في مدينة سريعة التطور كالرياض. في عمله الأخير "كازينو الرياض" مستلهم من ملتقى شبابي، تم بناءه في الستينات ثم أزيل لبناء برج المياه في حي المربع، يسعى عبدالله لاستكشاف المعنى الحي الذي اختزلته أعمال الخطوط الطباعية (التايبوغرافي) في لافتات البيوت والمباني التاريخية المعمارية المهمة في ذاكرة مدينة الرياض، عبر عناصرها الثقافية والفنية والجمالية، وما حاول قولهُ فنانوها وصانعوها بالابتكار المستمر لعناصر الضوء والخطوط والألوان. 

Abdullah Al-Othamn.jpeg

عبد الله العثمان.

VICE عربية: قبل أن تقتحم مساحات الفن المعاصر كنت تمارس نوع آخر من الفن وهو كتابة النثر وقد نشرت مجموعات شعرية في لبنان والسعودية. كيف انتهى بك المطاف في دوائر الفن؟
عبد الله العثمان:
الكتابة تنمو كشجرة في الروح فهي الأداة الأجدر والأقوى في تأثيث المخيلة بالصورة والمجاز والحركة، تعلمت من التجربة خلق فضاء متسع للتقدم الفكري والمعرفي. من تجربة الكتابة قفزت بتطبيق الأفكار العصية إلى واقع في الفن. بالفن استطيع استخدام البكسل والصورة واللون والجسد والركض والقفز والصوت، وكل ما يمكن أن يُكوّن جملة على أنها لغة سردية تتناسب مع شكل الكتابة والشعر الذي أقدم وقدمته في تجربتي الأولى هي امتداد لتجربة الشعر. 

لعل اهتمامك بالفضاءات العامة ملموس في عملك "في كازينو الرياض أتأمل فضاءات القمر" المعروض ضمن "نور على نور" خلال مهرجان نور الرياض. تحدثنا أكثر عن هذا المشروع؟
كل مكان ومساحة له تاريخ ورموز وسلطة إنسان أو طقس. ولأن الإنسان معنّي بالكلام كفكرة مقترحة للتواصل، فإن اللغة كمعنى أحد رموز أو تاريخ أو حتى ما يسلطه إنسان على بقعٍة يعينها من الأرض كهوية ومادة. المدينة تنتمي للأصوات المشتركة بين أفرادها وماهي إلا نتاج علاقاتهم المتبادلة لغويًا. تتشرب المدينة هويتها شيئاً فشيئاً من لغة ساكنيها، إذ يمنحونها كلماتهم ويسمون كل تفاصيلها اسمًا دارجًا في لهجاتهم، هكذا ينتقل المكان من كونه محض مكان، لهوية، لحكاية، لسيرة ذاتية ينطلق منها إنسان المكان ذاته، فيعرفونه بها وكأنه هو والمكان الذي تشكل منه صارا واحدًا. كل المدن لغات، المدينة التي لاتملك لغتها الخاصة، مدينة ناقصة الحضور، والإنسان الذي لا يتقن لغة أرضه إتقان الخارج منها، هو إنسان بهوية مزدوجة.

إعلان
IMG_1697.JPG

من خلال بحثك في لافتات مدينة الرياض، ما هي اللافتات الأكثر غرابة التي صادفتها؟
"
قمة السواد." هذا واحد من أسماء المتاجر التي صادتفها أثناء بحثي عن واجهات المحلات واللافتات.

 لا تحبذ وصفك بفنان نستولجي. ما هو دور المستقبل في أعمالك التي تعنى بتوثيق ذاكرة المدينة؟
أنا حريص جداً على توثيق الإنسان في المدينة من خلال الحيز الذي يسكنه واللغة التي تدفعه في تكوّن عالمه الخاص، تطورات العالم سريعة جدًا وهناك إرث إنساني وثقافي يتلاشى بين التكنولوجيا والتقدم الحديث، العمل على رصد ذاكرة الإنسان والمكان يساعد في فهم المستقبل وتحركاته الحديثة.

Alyahya (1).jpg

قسطرة قلب.

لديك أعمال خارجية كثيرة مثل "LightGrading" وقسطرة قلب. لماذا تهتم بإشغال المساحات العامة؟
المساحة فراغ مرن لذلك أنزاح للعمل فيها حيث هنا الحقيقة إذا صحت التسمية. استخدم تفاعل الشمس في الشروق واللحظة الكونية المذهلة في الغروب جزء أساسي وباطن في العمل الخارجي. العمل في المساحات الخارجية يوجهني للإنسان في ممارساته اليومية وهو ذاهب للبيت او لقاء عاطفي يواجه العمل ويضيف لتجربة اليوم، بمعنى آخر التفاعل مع المدينة إضافة تجربة جديدة للحياة.

LightGrading.png

LightGrading.

ما الذي تعمل عليه حالياً؟
أعمل على كتاب يهدف أن يكون سيرة ذاتية لتاريخ المدينة معماريًا ولغويًا بما تحمله من لغة، وبما طال هذه اللغة من تطور وتغيير. إن تخليد ذاكرة المدينة كما هي لغة هو إرث يجب أن يعتني به أحدهم، فلو استبعدنا أهميته التاريخية ستبقى أهميّته العلمية حتما كمادة لدراسة المدينة وفهم ساكنيها منذ القدم وستظل هذه الحاجة قائمةً ما قامت المدينة.  توثيق المدينة كلغة، هو توثيق لكل ما مرت به المدينة من تأثير اجتماعي وثقافي، انعكس عليها بشكل عام وعلى لغتها بشكل خاص.

إن نقل المسميات وأسبابها وبداية انتشار ثقافة اللوحات الإعلانية وبداية الاهتمام بالخط كفنّ واللغة كتراث هو هدف هذا الكتاب، ليكون مرجعًا مهمًا وموثوقًا لانتقال المدينة من شكلها البسيط لشكلها الحاليّ بما فيها من أحاديث ومسميّات وحكايا خلفهما. يستهدف الكتاب مدينة الرياض كلهجة وصوت ورسم وصورة وعمارة، كيف تشكّلت ومن أين بدأت، ومن هم روّاد كل زمن ومجال. هذا الكتاب بمثابة سيرة ذاتية للغة المكان. لغته التي تشكّلت في الشارع.. في الأزقة، في اللوحات والصور وفي ألسنة الناس والمدينة.

مشروعك فيه خصوصية "رياضية" (نسبة إلى مدينة الرياض وأهلها) في مضمونه، إلا أنه لا يقصي البقية. كيف حققت هذه الشمولية وأبقيته تعبيراً للتجربة الإنسانية في المدينة؟
أحيانا التجربة وإرهاصاتها تختار، هي التي تحدد التوجه، لشخص مثلي عاش في الرياض وتفاعل مع المتغيرات أدركت اللغة من البدايات، ويدفعني علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) للحفر في عمق المكان واكتشافات السياقات التي أدت إلى دلالات تكون المدينة ودور الإنسان في ترجمة مفرداته وخلق الفضاء الذي يعيش فيها بتطور الأحداث الإجتماعية والمدنية، لذلك أعمل على تحليل وتفكيك المعنى للأماكن من الناحية اللغة والعمارة.

لو كنت ستنصب لافتة على بيتك، ماذا ستقول؟
الحب في زمن التقوى.