09 (1)
فتيات صغيرات يرتدين أزياء البدو التقليدية في أحد الأعراس. بالرغم من التغييرات والحداثة التي طرأت على ثقافتهم،  لا يزال الجيل الحديث كهؤلاء الفتيات يلبسن الزي التقليدي. جميع الصور من تصوير علي زرعي.
صور

المصور المصري علي زرعي يتحدث عن مشروعه التوثيقي عن البدو الرحل في مصر

صور علي حفلات زفاف البدو وأزيائهم الخاصة التي يصممونها ويطلقون عليها أسماء معينة مثل "لبس السهرة" أو "موت يا مفلس"

التخلي عن الانبهار بالموضوع المصور ورؤيته كما هو بـ"عاديته" وضمن إطاره بدون السعي لتوليد أي انفعالات مدفوعة، هذا العامل "الذي يبدو سهلاً" هو ما يخرج الصورة الفوتوغرافية من السطحية إلى الحقيقة والواقع. وهذا العامل قد يكون الفاصل بين من يعلّق كاميرا بعنقه ويلتقط الصور لكل ما يبهره ويشد انتباهه، وبين من يستعمل الفوتوغرافيا كوسيلة يوثق بها لحظات غاص فيها بقرب كاف من الموضوع.

التصوير هو أن تغمر نفسك تمامًا في محيطك حتى ينسى الموضوع وجودك، وهذا أول ما لاحظته في أعمال المصور المصري علي زرعي، 26 عاماً. بدأ علي حياته المهنية في عالم الصحافة، بعد انتقاله من القرية التي نشأ بها في صعيد مصر إلى القاهرة ليختبر ويتعلم من زحمتها وأحداثها الكثيرة حسبما قال لي. تحدثت معه عبر الإنترنت بعدما أن جعل "كوفيد-19" جميع مقابلاتنا الصحفية تتم عن بعد، ولكن هذه المساحة الافتراضية، أضافت بعض الألفة النابعة من التقاء الأشخاص ضمن محيطهم وفي غرفهم بعبثتيها التي تعكس جزءا منهم.

إعلان

حدثني علي من شقته في ألمانيا حيث يكمل دراسته في التصوير التوثيقي والصحافة الفوتوغرافية. تبدو حوله جميع ملصقاته وكتبه وقصاصات أوراق مبعثرة هنا وهناك وبعض الصور. كلها باتت تبدو أكثر منطقية خلال حديثنا. ناقشنا التصوير ومصر وثقافاتها المتعددة، وحكى لي عن رحلة توثيقية بدأها منذ خمسة أعوام برفقة البدو الرحل في مصر وهم من يشار لهم فيها بـ"العرب."

بدأت علاقة علي مع البدو في مصر، بالصدفة حينما قاده عمله في 2015 ليغطي أخبار عن أمطار أغرقت بعض القرى والمناطق الساحلية نواحي شرق دلتا النيل. هناك قابل البدو الرحل لأول مرة كونهم من ضمن المتضررين بالسيول. بغياب مصادر واضحة لإحصائيات حديثة، توجهت إلى ويكبيديا، والتي أشار مصدر فيها إلى أن عدد البدو في مصر يبلغ حوالي أربع ملايين نسمة. معظم البدو لا يملكون بيوتاً، ويعيشون في ترحال دائم، يرعون حيواناتهم التي تمثل مصدر رزقهم الأول، ويبيعون منتجات هذه الحيوانات في مدن أخرى. كانت بداية مشروع علي معرفية من خلال كتاب لمحمد غنيم بعنوان : العرب الرحل في مصر: دراسة أنثروبولوجية لبعض جماعات البدو محافظتى الدقهلية ودمياط.

1590061659547-b1

عمّال محاجر الحجر الجيري الأبيض في قرى شرق البحر، محافظة المنيا.

1590933735173-3-4

خلال ترحالهم الدائم، يواجه البدو أحد أكبر تحدياتهم المتمثلة في تعرض أحد الحيوانات للإصابة أو الموت في حوادث السيارات.

"البداية لم تكن سهلة إطلاقًا، استغرقت وقتا لأفهم ثقافتهم بشكل أكبر ولأكسب ثقتهم وأدخل في تفاصيل حياتهم لأصور الجوانب المختلفة. سهرت معهم وسمعت قصصهم ونكاتهم وهمومهم وأحلامهم وعلاقتهم بالنجوم. حضرت أعراسهم وحفلاتهم وصورت وكتبت وجمعت أغراضًا من جوانب مختلفة من حياتهم اليومية،" يقول علي ويضيف: "بعد مضي هذه السنوات، أصبحت قريباً جدًا لهم، كونت صداقة منذ البداية مع العم هاني السيد حماد من قبيلة الحبابلة. وهي أحد القبائل التي تعيش في تنقل دائم على أطراف المدن في مصر. وثقت سعيه لحلمه بأن يمتلك منزلًا يوًما ما. وكنت مثله لا أعرف إن كان سيتحقق ذلك أو لا. لم أعرف ماذا ستكون نهايتي مشروعي المستمر منذ خمس سنوات، وبما، هنا تكمن روعة العمل على مشروع طويل الأمد."

إعلان

يعمل علي على نشر ما كتبه وصوره ضمن كتاب يوثق اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا جوانب مختلفة من حياة بدو مصر، من خلال طابع إنساني يتحدث عن الأحلام والسعي لها من خلال الصور والكتابة التي تعد جزءاً هامًا من عمله. اسم هذا الكتاب يتغير بين عام وآخر، يخبرني علي، فكان بداية "ذكرى العسل في قويسنا" وتحول إلى "الزحف على التراب." ويشرح لي علي الزرعي معنى ذلك: "ذكرى العسل تعني الذكرى الجميلة، وقويسنا هي مدينة في المنوفية مرّوا بها أثناء ترحالهم، أما الزحف على التراب فهي جملة يستخدمها الشباب البدو لوصف حياتهم، هم يعتبرون بأنهم يزحفون لأمر مجهول وغير واضح المعالم تمامًا كالتراب."

1590061751721-e1

مشهد من أحد الأعراس في بلدة بلقاس، المنصورة.

في الجوانب الاجتماعية، صور علي حفلات زفاف البدو وأزيائهم الخاصة التي يصممونها ويطلقون عليها أسماء معينة تختلف حسب العام والفصل والموضة الخاصة بهم، مثل "لبس السهرة" أو "موت يا مفلس" في إشارة إلى ارتفاع تكلفة هذا الزي فلا يستحمله "المفلس" أو من لا يمتلك المال. سجل علي الكثير من كلماتهم وسجل أصواتهم في أحاديث قضاها معهم. وفي الجوانب الاقتصادية رافقهم في رعاية حيواناتهم والاهتمام بها والتعامل مع أمراضها وخسارتها وجني الأرباح من خلال بيع منتجاتها. أما سياسًيا وثق علي طبيعة علاقتهم بالقوانين والدولة: "أخطط لافتتاح معرض حي في خيمة يحوي ما جمعته من الفساتين والكتب والرسائل والصور القديمة من أرشيفهم، بالإضافة لما التقطه من صور. يهمني أن أوثق طبيعة حياة من الممكن أن تندثر في المستقبل."

1590061804620-DSC_1359

وردة وسليم، خلال حفل زفافهم في السلوم، 2015. سليم صديق جيد لعلي وزفافه كان جميلاً ومختلفًا رغم بساطته. شارك علي معه هذه الصور في ذكرى زواجهم الخامسة.

1590061843128-b4

لحظة احتفالية في زفاف بدوي تقليدي.

يعمل علي في التصوير والتوثيق منذ 8 أعوام، أرشيفه غني بمشاريع مختلفة، فقد صور في صعيد مصر وفي ميدان التحرير في 2011 وفي كينيا. والآن يوثق الحياة في ظل كورونا في ألمانيا. كذلك يملك في أرشيفه مجموعة ضخمة من البورتريهات وصور الشارع التي التقطها في مدن مختلفة في مصر.

إعلان

وحول فلسفة الصورة برأيه، يقول علي في نهاية اللقاء: "في الصورة نحفظ لحظة ما بكل تفاصيلها. ولتكون هذه الصورة حقيقية استغرق وقتًا كبيرًا في تصوير أي شخص، ممكن أقضي أياماً أو شهوراً، وأنا أتعرف عليه حتى تأتي اللحظة المناسبة لالتقاط الصورة الأكثر قربًا للواقع. حينما أعمل على تصوير مشروع ما لا أراه بمنظور الصدمة أو الرهبة والإنبهار. وهذا مهم في التصوير وهذا ما أدرسه حالًيا. ليس ضرورياً أن نعظم أو نصغر ما نصوره، بل أن نظهره كما هو، حقيقي ومُجرد."

مزيد من صور علي زرعي:

1590061998504-12-3

شاب في أحد حفلات الزفاف البدوية.

1590061933281-A2
1590933020359-7-2

أطفال البدو في مهرجان المولد.

1590933391194-8-2

بهذه الطريقة يضع البدو أطفالهم الصغار والمولودين حديثًا بأمان في خيمهم.

1590933432367-13-2

معظم محاولات البدو لإلحاق أطفالهم بصفوف التعليم تبوء بالفشل.

1590933812424-14

سليم وزوجته سحر بالقرب من النار. هذه الصورة أخذت في 2016. علي يعتبر نفسه محظوظًا جدا لكونه قضى وقتًا بصحبة قبيلتهم. تعلّم الكثير من لطفهم وكرمهم. في هذه الليلة تمتع علي معهم بالموسيقى والطعام الذي كانت مختلًفا ورائعًا.