unsolicited nudes 1440x810-frog
علاقات

لماذا يرسل لنا الرجال "صورة القضيب"؟ عن الاستعرائية والخيالات الذكورية المشوهة

ترسل هذه الصور للنساء دون موافقتهن، بغرض مضايقتهن وترويعهن، أو لمحاولة إثارتهن وجذب اهتمامهن

"أعط الرجل قناعًا، وسيريك وجهه الحقيقي." كلما فتحت رسائلي على مواقع التواصل الاجتماعي، تذكرت تلك المقولة للكاتب أوسكار وايلد، وهو يخبرنا أن بعض الناس يرتكبون الفظائع إذا تخفّوا. تمتلئ رسائلي عادة بمحتوى غير مرغوب، عبارات استفزازية، شتائم، فيديوهات وصور إباحية، لكن العنصر المتكرر باستمرار هو "صورة القضيب."

لماذا يرسل لي رجل ما صورة قضيبه؟ حيَّرني هذا السؤال لسنوات، وكنت أعتقد أن السبب يعود لكوني كاتبة، بروفايلي مفتوح لأي معلق، وأعمل صحفية في مجال الصحة الجنسية، وأكتب أفكاري بلغة جريئة، وأستعمل شتائم وتعبيرات البالغين بأريحية. ربما لهذا كنت هدفًا مثاليًّا لجميع أنماط المتحرشين باعتباري "منفتحة." بالنسبة لهم، الانفتاح معناه أن نطارد الناس بصور أعضائنا الجنسية طبعًا.

إعلان

لست وحدي التي أتعرض لهذا النوع من التحرش، ملايين النساء يقعن ضحية لهذا النوع الفج من الانتهاك البصري. "صورة القضيب" واحدة من أبرز وأسوأ أشكال التحرش الإلكتروني التي تعانيها النساء على الإنترنت، وهي عبارة عن لقطات فوتوغرافية أو فيديوهات للعضو الذكري (غالبًا ما يكون في حالة انتصاب) وقد يرسلها أشخاص غرباء تمامًا، أو معارف يتخفون خلف حسابات مزيفة. تأتي هذه الرسائل بشكلٍ عشوائي على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى تطبيقات التعارف والمواعدة.

تنضم "صورة القضيب" إلى انتهاكات جنسية إلكترونية أخرى، مثل التعليقات والشتائم والرسائل والصور والفيديوهات الإباحية، والتي تُرسل للنساء دون موافقتهن، بغرض مضايقتهن وترويعهن، أو لمحاولة إثارتهن وجذب اهتمامهن، وكلها جرائم يعاقب عليه القانون في أغلب دول العالم، وبعقوبات قاسية ومشددة، إذ تعتبر شكلاً من أشكال التحرش والإساءة.

هذه المضايقات الجنسية مزعجة ومقززة، وقد تتساءل الضحية: لماذا تأتيني هذه الصور؟ هل منحت انطباعًا يسمح بتلقي هذا المحتوى؟ لكن الإجابة لا تتغير في كل حوادث التحرش: لا.. الضحية ليست مسؤولة بتاتًا عن سلوك المجرم. السؤال الحقيقي هو: لماذا يرسل لنا الرجال صور قضيبهم؟ فيم يفكرون؟ وما الاستجابة التي يتوقعونها؟ وما الشيء المثير أو المُرْضي في هذا التصرف؟ 

طرحتُ السؤال على مُتابعيّني على فيسبوك، وجاءتني إجابات حقيقية من أشخاص مارسوا هذا السلوك (الأسماء مستعارة).

يحكي حسين، ٢٩ عامًا، محاسب: "سأخبرك بقصتي كنوع من التوبة والاعتراف بالذنب. رحلتي مع التحرش بدأت في سن صغيرة للغاية، ففي المدرسة الابتدائية أراني صديقي عضوه الذكري، وفيديوهات جنسية، مثلما فعل معه ابن عمته، ومنحنا هذا تصورًا خاطئًا عن الجنس، وبدأنا نمارس التحرش في أي مكانٍ يسمح بهذا. كانت متعة التحرش كلها في فرض السلطة، الشعور بأني المسيطر، وأنني أستمتع بشخص آخر ضد رغبته. لا يهمني شكل أو سن الضحية، ولكن يجب أن أشعر أنها أضعف مني."

إعلان

يشير حسين أن إرسال صورة العضو الذكري هي الطريق المختصرة للمتحرشين: "البعض يجد لذته في الصدمة والترويع اللذين تتعرض لهما الضحية، والبعض الآخر يفعل هذا بغرض الشقط -التعارف لأغراض جنسية. البعض الآخر صورة القضيب كاختبار للفتاة وأخلاقها، فإذا كنت أتعرف إلى واحدة بغرض الزواج، وأعاملها باحترام، ثم أرسلت لها صور عضوي من أكاونت مختلف وتجاوبت معي، عندها لا حاجة بي لاحترامها. الحقيقة أن بعض النساء يستجبن، ولكن النسبة ضئيلة جدًّا."

أحمد، ٣٢ عاماً، متزوج، يخبرني عن سبب قيامه بإرسال صور جنسية: "أرسل هذه الصور على أبلكيشن للتعارف. جربت الأمر مرة على سبيل الاستكشاف، ولما وجدت قبولاً ممن راسلتهن واصلت ذلك. الأمر مجرد تفريغ طاقة جنسية مؤقتة وكبت، لا يسعدني تمامًا، لكنه يسليني حين أسافر وأكون وحيدًا بعيدًا عن زوجتي. عندما أرسل هذه الصور لفتاة وترد عليَّ بالرفض أو أشعر أنني ضايقتها، أشعر بالضيق الشديد."

أما جمال، فيرى أن الموضوع ممتع بالنسبة له، ويقول: "لا أفهم ما الذي يزعج النساء في هذه الصور، فأنا لن أتضايق لو أرسلت لي أي امرأة صورتها وهي عارية مثلاً."

"استعراض القضيب" عبر التاريخ
يعتبر إظهار القضيب والتلويح به سلوكًا بدائيًّا، لم تمحه آلاف السنين من التطور والحضارة، لأن القضيب هنا يتجاوز وظيفته كعضو جنسي، ويصبح وسيلة لإظهار القوة والسيطرة والفحولة. عندما اغتيل الراهب راسبوتين، بعدما عاث فسادًا في روسيا لسنوات، لم يجد المتآمرون قتله كافيًا للانتقام منه، فقطعوا قضيبه.

ولكن عدة نظريات لفهم لماذا يرسل لنا الرجال صور أعضائهم الجنسية.

إعلان

١. الذكورية.. طبعًا
الذكورية أول أسباب جرائم العنف ضد المرأة، سواء كانت الذكورية العنيفة التي تتحيز ضد النساء وتضطهدهن وتحط من شأنهن، وتختزلهن في دور الوعاء الجنسي، أو الذكورية الناعمة التي تسعى لإقصائهن عن الحياة بحجة الحماية والخوف عليهن. وتظهر بعض الدراسات العلمية أن الرجال الذين يرسلون صور أعضائهم الذكرية غالبًا ما يكونون أصغر سنًا، نرجسيين، وعنصريين ضد النساء sexist. وتختلف دوافعهم لإرسال هذه الصور:

  • يرسل الرجل صورة قضيبه كنوع من استعراض القوة والفحولة.
  • يتوقع الرجل أن صورة قضيبه ستثير المرأة جنسيًّا.
  • ينتظر الرجل صورًا مثيرة من الطرف الآخر، بمنطق "لقد أريتك أشيائي فأريني أشياءك أيضًا."
  • يعتبرها البعض تعبيرًا مختصرًا عن الاهتمام الجنسي أو اختصارًا لخطوات التعارف قبل الانتقال لممارسة الجنس.
  • يرسلها البعض كسلوك انتقامي أو تأديبي بدافع كراهية النساء.

٢. اضطراب الاستعرائية
من ناحية أخرى، يعتبر استعراض القضيب من أشهر ممارسات الاستعرائية أو الافتضاحية، وهو اضطراب جنسي يتلذذ صاحبه بكشف أعضائه الجنسية أمام الغرباء، ويحصل على المتعة الجنسية لرؤيته صدمتهم وقرفهم وخوفهم. بعض الرجال مرسلي "صورة القضيب" قد يستمنون وهم يتخيلون رد فعل المرأة التي أرسلوا إليها، ويشعرهم رفضها وعنفها في التعامل معهم بالرضا. لأن رد الفعل العنيف هذا حدث بسبب "القضيب المدهش" الذي يملكون.

إعلان

تدخل الاستعرائية ضمن نطاق البارافيليا، وهي الانحرافات الجنسية والتفضيلات غير المألوفة -بعضها صحي، مثل بعض ممارسات الجنس العنيف، لكن البعض الآخر قد يصبح اضطرابًا مرضيًّا إذا تضمن التعدي على الآخرين، أو انتهك التراضي، وهو العنصر الأهم في أي تواصل جنسي بين الأشخاص البالغين العاقلين.

٣. ثقافة البورنوغرافيا
الرجال من المريخ والنساء من سابع سما كما يبدو. يشكل سوء فهم الرجال لآلية تفكير ومشاعر النساء سببًا مهمًا لكثير من التصرفات المسيئة، وقد يقول بعض الرجال "أنا أستمتع بتلقي الصور العارية، فلم لا تستمتعين أنتِ أيضًا؟" 

وتشير الدراسات إلى أن أغلب الرجال لا يشعرون بالسوء لتلقي صور فاضحة كهذه، لهذا يتعامل أصحاب "صورة القضيب" كأن النساء يفكرن ويشعرن بنفس طريقتهم، وبينما يستعرضون قضيبهم، يتوقعون أننا سنشعر بالإثارة، في حين أن النساء يشعرن بمزيج من الخجل والقرف والاشمئزاز والغضب من اقتحام هؤلاء الرجال لحيز النساء الشخصي حتى على الإنترنت.

أحيانًا يتشجع الرجال على إرسال صورة القضيب في تطبيقات المواعدة والتعارف. تشير الدراسات إلى أن الناس يصبحون أقل حذرًا، وأكثر جموحًا في التعبير عن رغباتهم الجنسية، إذا كانوا في بيئة خفية لا تنكشف فيها هوياتهم ويتصورون أن هذا السلوك قابل للتكرار مع الجميع. مجدداً، وجود النساء على تطبيقات المواعدة لا يعني أنها تريد أن ترى قضيبك. وإن كان هناك تقبل من مرأة واحدة، فهذا لا يعني أن النساء جميعاً سيتصرفن بنفس الطريقة. كما أن استخدام هذه الصورة كاختبار هو دليل على انعدام أخلاقك، وليس له علاقة بقريب أو بعيد بأخلاق مستقبلة الصورة.

كيف نتعامل مع من يرسلون "صورة القضيب"؟
سؤال صعب، وتعتمد إجابته على شخصية من تتلقى الصورة. سابقًا، كنت أتضايق وأنفعل بشدة، وذات مرة استعملت مهارات التعقب وبعض الحيلة -ومباحث الإنترنت- وقمت بالإبلاغ عنهم. مع هذا، تبقى التجربة ثقيلة ومزعجة، ولم تناقش كثير من النساء سبل التعامل معها، لكن هناك بعض الاقتراحات:

  • استغلي ميزة صندوق الـ Other الذي يفلتر رسائل الغرباء عن معارفنا، وميزة التشويش على الصور Blurring القادمة من غرباء، لتتجاهلي أي رسالة مشكوك في أمرها. 
  • أبلغي موقع التواصل عن المحتوى غير اللائق، يساعد هذا المبرمجين على تطوير آليات أذكى لمكافحة الرسائل الفاضحة. يمكنك حظر المستخدم المسيء بعد الإبلاغ. 
  •  يمكنك أخذ سكرين شوت للشاشة، وسكرين شوت للبروفايل، وحفظ رابط البروفايل في ملف آمن، وإبلاغ السلطات عنه، ليتمكنوا من تعقبه حتى لو قام بحظرك. الجرائم الإلكترونية لم تعد تؤخذ باستخفاف كما في السابق. 

    رغم الهيمنة الذكورية التي تشعر أغلب الرجال بأن بإمكانهم الإفلات بأي فعل مسيئ ضد النساء، دعني أخبركم أن هذا الوضع تغير، وسيتغير أكثر بمرور الزمن. سؤالي لك، هل تجرؤ على إرسال صورة كهذه إلى شخص يملك سلطة عليك؟ مديرتك القادرة على فصلك مثلاً؟ أو أي امرأة ذات نفوذ قادرة على الإبلاغ عنك وسجنك؟ إجابتك هذه تريك الحقيقة.

يمكن لصور القضيب التي ترسلها باستخفاف أن تحمل عواقب كبيرة على حياتك وحياة الآخرين، فهي تعتبر جريمة جنسية ستدمر مستقبلك إلى الأبد -مع أنك على الأغلب تستحق ذلك.