image_6483441 (7)
بيئة

قابلنا شريكين لا يرغبان في الإنجاب بسبب تغير المناخ

ماذا لو توقف العالم كله عن الإنجاب؟ أليست فكرة مخيفة؟

أظهر استطلاع أخير للرأي في 10 دول أن أربعة من كل 10 شباب حول العالم مترددين في إنجاب الأطفال نتيجة لأزمة المناخ. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت دراسات علمية تعتقد بأن عدم الإنجاب هو واحد من الحلول لإنقاذ البيئة من الاحتباس الحراري وتغير المناخ. وقد توصلت دراسة سويدية تم نشرها في عام  2017 إلى أن عدم الإنجاب، أو إنجاب طفل واحد فقط يمكن أن يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل 58.6 طن سنوياً في الدول المتقدمة، وأوصت في النهاية بإنجاب طفل واحد فقط للحفاظ على البيئة، بالتوازي مع إجراءات أخرى مثل العيش بدون سيارات وتجنب السفر بالطائرة وتناول نظام غذائي نباتي.

إعلان

أصحاب هذا الفكر يرون أن النمو السكاني أثر بشكل مباشر على بيئتنا. في أقل من 100 عام، تضاعف عدد سكان العالم أربع مرات تقريبًا، حيث ارتفع من ملياري نسمة في عام 1928 إلى أكثر من سبعة مليارات. زيادة عدد سكان الأرض يعني قطع المزيد من الغابات وإنتاج المزيد من غازات الدفيئة، خسارة مئات الآلاف من الأنواع النباتية والحيوانية، في نفس الوقت ستزداد الحاجة للمزيد من المياه والغذاء والمزيد من الصراع على الموارد.

ولكن في المقابل، يرى آخرون بأن التوقف عن الإنجاب أو تقنينه ليس حلاً مجديًا كممارسة فردية، بل يستلزم الأمر تفعيل القوانين وتحركات دولية ومؤسسية للتعامل مع أزمات المناخ وعدم الاستقرار البيئي. كما أن الواقع الحالي يقول أن 50 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تأتي من أغنى 10 في المئة من سكان العالم - الذين يميلون إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال على أي حال. "أولئك الذين تقل احتمالية تأثر أطفالهم بتغير المناخ غالبًا ما يكونون من الدول التي تعتبر هي أكبر مسبب في هذه الانبعاثات مما يعني أننا نعاقب الأبرياء. كونك قررت الإنجاب لا يجعلك شريرًا في قصة المناخ بل يجعلك ضحية،" كما يقول الدكتور مات بيرد في مقال منشور. وهناك من يرى كذلك أن الأبوة والأمومة تغير من الطريقة التي نفكر بها في المستقبل ويمكن أن تؤثر إيجابياً على الطريقة التي نشعر بها تجاه البيئة وستزيد من رغبتنا بالاهتمام بها. 

إعلان

ملهم، ٢٩ عاماً، صحفي سوري يعيش في فرنسا، وماري، ٢٩ عاماً، أخصائية نفسية فرنسية، شريكان منذ ثلاث سنوات لديهما هموم بيئية وقلق إزاء التغير المناخي وعدم الاستقرار البيئي، وهو ما دفعهما إلى اتباع ممارسات يومية عديدة للحد من آثار تغير المناخ، وجعلهما يتخذان قراراً بعدم الإنجاب -على الأقل في الوقت الحالي.

VICE عربية: كيف جاء قراركما بعدم الإنجاب للحفاظ على البيئة؟
ملهم
: لا أرغب في الإنجاب لسببين، الأول التغير المناخي والذي يمثل أكبر مخاوفي حاليًا لما يصاحبه من كوارث بيئية ينتج عنها فيضانات وزلازل وتغير في درجات الحرارة وموت وجفاف، سأشعر بالخوف إذا أنجبت أطفال يعيشون في ظل هذه الظروف. لا أرغب في المساهمة في التغير المناخي عن طريق إنجاب طفل يكون له بصمة كربونية. الأمر مثبت علميًا. الوجود البشري على الكوكب هو أهم عوامل الاحتباس الحراري والتغير المناخي بسبب الثقافة الاستهلاكية، وبالتالي فإن عدم إنجاب المزيد من الأطفال سيساهم في تقليل الاحتباس الحراري. السبب الثاني أنني لا أريد تحمل هذه المسؤولية، ولا أريد أن أعيش حياتي للإجابة على سؤال "هل أنا أب جيد أم سيء"، بل "هل أنا إنسان جيد أم سيئ ، وسعيد أم غير سعيد."

ماري: فكرة الإنجاب بالنسبة لي تساؤل كبير لم أصل فيها لنتيجة بعد، لكن إذا حسمت القرار في أحد الأيام بعدم الإنجاب سيكون ذلك لأربعة أسباب، الأول هو المسؤولية الكبيرة المرافقة لإنجاب طفل والتغيير الذي سيحدث لحياتي، الثاني شعوري بالقلق من طبيعة الأم التي سأكونها، الثالث خوفي من نقل مشاكلي ومشاعري النفسية وقلقي إلى أطفالي. السبب الرابع وربما السبب الأهم هو التغير المناخي وعدم رغبتي في المساهمة بأي طريقة في الاحتباس الحراري وتدمير البيئة، أشعر بالقلق تجاه الأطفال الذين سيعيشون على هذا الكوكب في ظل التغيرات المناخية والأوضاع غير المستقرة والصراع على الموارد القليلة المتبقية. ما يجعلني أفكر في عدم الإنجاب هو القلق من نصيب الطفل في موارد هذا الكوكب. فإذا كان هناك عشرة أطفال تمت ولادتهم اليوم، وكان من الممكن أن يكونوا خمسين طفلاً، فهذا يعني أن هؤلاء العشرة لهم نصيب أكبر من الموارد البيئية الموجودة على الكوكب، وبالتالي حياة أفضل.

هل الخوف الأكبر هو المساهمة في تغير المناخ أم الأمر يتعلق بجودة حياة الأطفال؟
ملهم:
بشكل شخصي خوفي الأكبر من معاناة الأطفال على هذا الكوكب، يليه الخوف من المساهمة في التغير المناخي، ولو حدث في يوم من الأيام وانتفى السبب الأول، ربما سأنجب طفل واحد وأحاول قدر الإمكان التقليل من بصمته الكربونية كما أحاول أن أفعل أنا كل يوم. بالطبع الإنجاب بالنسبة لي يضر بالبيئة، لكن يمكن أن يتم تخفيف هذا الضرر من خلال تحديد عدد الأطفال.

إعلان

ماري: الأولوية بالنسبة لي الخوف على حياة الأطفال وعلى حياتي الشخصية في كوكب غير مستقر بيئياً. عدم الإنجاب في هذه الظروف يجعلني أعيش حياة أفضل، وأحصل على موارد بيئية كافية، كما أن قدرتي على التنقل بحرية والنجاة من الكوارث ستكون أكبر. لكن أحياناً أفكر لو أن غريزتي الإنجابية انتصرت علي في يوم من الأيام، فسأكتفي بطفل واحد للتقليل من المساهمة في التغير المناخي.

هل تعتقدان أن الجهود الفردية مؤثرة بما يكفي أمام التغير المناخي، أم أن الأمر يحتاج إلى تدخل مؤسسي؟
ملهم:
التأثير المباشر للممارسات الفردية أمام التغير المناخي غير كاف بالتأكيد، لكننا نؤمن بالرأي العام، هذه القناعات تؤثر بشكل أو بآخر على السياسيين الذين يتم انتخابهم والذين يستطيعون اتخاذ قرارات سياسية كبيرة ومؤثرة، إذا ربما لا تكون الحلول الفردية ذات تأثير مباشر، لكنه ضمني ومهم.

ماري: نحن مثلاً حين نختار وفقًا لهذه القناعات الحزب الأخضر أو أشخاص لديهم أجندة بيئية أفضل، فإن هذا يؤدي إلى إيجاد قوانين تحارب التغيير المناخي ولديها تأثير على النمط الاستهلاكي، وعلى الشركات العابرة للقارات، وبالتالي يمكن إحداث تغيير على المدى البعيد. الفرد له دور بالتأكيد.

هل هناك ممارسات يومية أخرى تقومان بها للحفاظ على البيئة؟
ملهم وماري:
نعم نحاول أن نتبع ممارسات يومية صديقة للبيئة طوال الوقت، منها عدم السفر بالطائرة قدر الإمكان فطالما كان الباص اختيارا متاحاً سنلجأ إليه، لا نمتلك سيارة ونعتمد على المواصلات العامة، نتناول اللحوم بكميات قليلة، ونحاول استهلاك الطعام الطبيعي، لكنه كثيراً ما يكون مرتفع السعر وغير متوفر. كما أننا نحاول شراء المنتجات المحلية قدر الإمكان، ونقنن استهلاكنا بشكل كبير خاصة في الأجهزة الكهربائية. على سبيل المثال لا يمكن أن نشتري هاتف محمول لمجرد التجديد، لن نفعل ذلك إلا حين يتوقف القديم عن العمل تمامًا. نشتري ملابس مصنوعة من أقمشة ومواد صديقة للبيئة وبطريقة غير مضرة للبيئة، كما نلجأ إلى الملابس المستعملة أو إلى إعادة تدوير ملابسنا القديمة لتخفيف الاستهلاك، ونحاول الاقتصاد في كمية المياه والكهرباء المستخدمة. بكل هذه الطرق نحاول تخفيف بصمتنا الكربونية.

إعلان

ما هو رد فعل العائلة والأصدقاء على قراركما بعدم الإنجاب لسبب بيئي؟
ملهم:
رد الفعل كان الاستهجان، غالبًا ما يقولون لي "غداً ستكبر وتغير رأيك وتريك الحياة احتياجات مختلفة." أو يعتقدون أنني غير جاد في علاقتي بشريكتي، أو يعتقدون بأنني أعاني من مشكلة فسيولوجية، أو أنني شخص مكتئب ولا أعرف ماذا أريد. ولكن هناك بعض الأصدقاء الذين يتفهمون طريقة تفكيري ولديهم ذات المخاوف.

ماري: رأيي هذا لا يعبر عن المجتمع الفرنسي، لكن عائلتي وأصدقائي متفهمين لموقفي، فالأسرة لم تعد محددة بشكلها التقليدي مثل الماضي.

ماذا لو توقف العالم كله عن الإنجاب، أليست فكرة مخيفة؟
ملهم:
الفكرة مخيفة، ولكنها غير قابلة للتطبيق، لأن البشر لن يتوقفوا عن الإنجاب في وقت واحد. لو تصورنا بشكل خيالي أن العالم كله سيتوقف عن الإنجاب، فنعم ستكون النتيجة مخيفة. وفي الحقيقة وجود البشر على الكوكب ليس ضارًا في حد ذاته، ولكن الطريقة التي نعيش بها وثقافتنا الاستهلاكية والسياسات المتبعة حاليًا هي السبب المباشر في تدمير بيئة الكوكب. وهذا ما يجب أن يتغير، ودور الفرد في تخفيف هذه العبء على البيئة قدر استطاعته هو مهم وضروري.

ماري: يبقى الأمل في التكنولوجيا الحديثة، يمكن أن تساعدنا على محاربة التغير المناخي، فهناك وسائل جديدة حديثة لمواجهة التغير المناخي، وهناك طاقة بديلة ومستدامة، ووسائل لتنقية مياه البحار والمحيطات. في حال تم استخدام خيارات الطاقة البديلة بشكل أكبر وتقليل بصمتنا الكربونية والانبعاثات الحرارية، فخياراتنا الإنجابية كأشخاص قد تتغير.

هل فكرتما في التبني كخيار؟
ملهم:
التبني تبقى فكرة مطروحة، ويبقى وسيلة للإحساس بمشاعر الأبوة والأمومة عن طريق إنقاذ حياة طفل هو موجود بالفعل، لا إضافة طفل جديدة للحياة على الأرض.

ماري: عملي كأخصائية نفسية جعلني قلقة من أن التبني قد ينتج عنه مشاكل نفسية، وخصوصًا بالدول الأوروبية حين يتم التبني من خارج البلد، ويتم اقتلاع الطفل من جذوره، مما يعني أنه قد يعاني من مشكلات في الانتماء والهوية. كان لدي زملاء طفولة عانوا من هذا الأمر. لكنه يبقى خيارًا مطروحًا.

هل يمكن أن تغيرا رأيكما مستقبلاً؟
ملهم
: أفكاري تجاه هذه النقطة ثابتة ولن أغير قناعاتي، ولكن ربما تتغير مرونتي في تقبل رغبات شريكتي.

ماري: لا أريد الإنجاب حالياً، ولكن لدي بعض المخاوف من أن تجتاحني ذات يوم رغبة في أن أكون أمًا.