tienko-dima-s_6zhfZH-3s-unsplash
تعتبر عوادم السيارات الملوث الأكبر للهواء في القاهرة. Photo by Tienko Dima on Unsplash

بيئة

مصر، الدولة المستضيفة لـ"كوب 27" من بين أكثر 30 دولة تلوثًا في العالم

تفاقم الملوثات في مصر ليس بسبب نقص التشريعات، ولكن في عدم تطبيقها، فلا فائدة من وضع قوانين لا يتم الالتزام بها

"كل عام، في شهور أبريل ومايو ويونيو، ينفق نحو 10 آلاف طن من الأسماك، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، ونقص نسب الأكسجين، وعدم تطهير المياه بشكل دوري."

هذا ما يقوله السيد زكريا رجب، شيخ الصيادين، في منطقة بحيرة المنزلة، إحدى أكبر وأهم البحيرات الطبيعية الداخلية والتي تقع شمال مصر.

ويعتبر كنز بحيرة المنزلة، ثروة بيئية مهدرة، بعدما انحسرت مساحتها إلى 400 كلم مربع من 3 آلاف كيلومترا، وينفق بها 10 آلاف طن من الأسماك سنويا، وفقا لما ذكره "شيخ الصيادين" السيد زكريا رجب، 58 عامًا، الذي يعيش في محافظة دمياط.

إعلان

وتدهورت الأوضاع في البحيرة، لثلاثة أسباب رئيسية، وفقا للسيد زكريا، أولها عدم تطهير المياه بشكل دوري، بسبب نقص قنوات الصرف والري وعدم تطهيرها وضيقها.

وأضاف في تصريحات لـ VICE عربية عبر الهاتف، أن تصرفات الصيادين أنفسهم بها عامل كبير على تلويث مياه البحيرة، نظرا لأنهم يغذون أسماك البحيرة على أسماك نافقة فضلاً عن التعديات بالصيد الجائر، لافتا إلى أن غياب "التوربينات" لتجديد المياه تسبب في ركودها، ما يقلل نسب الأكسجين خاصة خلال شهور أبريل ومايو ويونيو من كل عام.

وأوضح "شيخ الصيادين" أن التدهور في بحيرة المنزلة وصل إلى حد نفوق الأسماك في مزارع كاملة بالبحيرة، ما يُسبب تلوث المياه وارتفاع نسب "الأمونيا" ونقص الأكسجين.

ويمكن زيادة إنتاج بحيرة المنزلة من الأسماك البالغ 120 ألف طن سنويًا، أكثر من 10 أضعاف الإنتاج الحالي بإجراءات بسيطة، وفقا للسيد زكريا رجب، عند مراعاة تجديد المياه بشكل دوري ومستمر لضمان نقائها، ووقف الصيد الجائر.

ولكن يبدو أن مناشدات الصيادين بالحل انقلبت ضدهم، بعدما اتخذت الحكومة قراراً بالحفر في البحيرة لعمق 3 أمتار، في مساحة 50 ألف فدان (200 كلم مربع)، وهو ما يرفضه الصيادون -وفقا للسيد زكريا- نظرا لتأثيره القاتل للنباتات البحرية التي تتغذى عليها الأسماك.

في المقابل، ترى الحكومة المصرية، أن الحفر إلى أعماق 3 أمتار بالبحيرة تساعد على تطهيرها، من "المخلفات الصعبة." وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش افتتاح عدد من المشروعات القومية شرقي بورسعيد العام الماضي، أنه سيتم تطوير البحيرة والحفر عميقاً "علشان كتلة من قاع البحيرة اللى كان فيه مخلفات صعبة تتشال، علشان درجة جودة المياه."

إعلان

الصيادون من جهة أخرى، أكدوا أن الحفر لعمق أكثر من متر ونصف يؤدي إلى موت النباتات البحرية التي تتغذى عليها الأسماك، ومن ثم نفوقها.

مأساة بحيرة المنزلة، في البلد الذي تمثل قضايا المياه أهم أولوياته، مثال على ما تعانيه مصر التي تستضيف قمة المناخ "كوب 27" في نوفمبر المقبل، من تلوث طال جميع مواردها الأساسية، وأثر في سلوك مواطنيها والبيئة من حولهم. وتعمل الحكومة المصرية جاهدة على تنظيم ناجح لقمة المناخ المقبلة في شرم الشيخ، كأول دولة في الشرق الأوسط تصب اهتماما بقضايا المناخ في المنطقة.

اهتمام زائف؟ 
ولكن فيما تروج الحكومة المصرية اهتمامها بقضايا المناخ، تعاني الدولة من تلوث في جميع مواردها الطبيعية، تتسبب الحكومة في بعضها بشكل مباشر، بدءاً من ما وصفه المصريون بـ"مذابح الأشجار" حيث تلقي أزمة قطع الأشجار في مصر بظلالها على البلد الذي يعاني من نسب تلوث هواء مرتفعة للغاية، وسط أكثر من مبادرة أقامتها الدولة لزرع الأشجار لم تنفذ أي منها بشكل كامل.

وأقدمت الحكومة في الفترة الأخيرة على قطع "جائر" للأشجار بحجج مختلفة، أبرزها توسعة الطرق، مثلما ذكرت وزيرة البيئة المصرية، ياسمين فؤاد، في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في يونيو الماضي.

وبررت خلال اللقاء أن قطع الأشجار لتوسعة الطرق في مصر، "يقلل من نسب التلوث نظراً لأنه يقلل من انتظار السيارات خلال الزحام المروري" لكنها لم تتطرق لمشكلة إزالة حدائق كاملة أبرزها حديقة الطفل في المنصورة، وحدائق المنتزه في الإسكندرية، والميريلاند في مصر الجديدة، وغيرها بحجة "تطويرها" رغم أن القانون المصري ينص في المادة 99 من قانون الموارد المائية والري على أن "يعاقب كل من يخالف حكم المادة (8) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه عن الشجرة الواحدة أو النخلة الواحدة." 

إعلان

يثير إعلان مصر استضافة مؤتمر المناخ، الانتباه حول نسب التلوث في البلاد. ووفقًا لإحصائيات وكالات دولية وأممية، فالبلد المستضيف "كوب 27" يحتل مراتب متقدمة في جميع التصنيفات التي تتعلق بالتلوث في الموارد الطبيعية، فتأتي في المرتبة الـ27 بين 117 دولة بالنسبة لتلوث الهواء في 2021، وفقًا لموقع "آي كيو إير." وتحتل مرتبة متقدمة في تلوث المياه، فضلاً عن تصنيف القاهرة بين الأول والثالث في أكثر المدن ضوضاء.

ذكر موقع "آي كيو إير" السويسري، أن جودة الهواء في القاهرة، تتراوح بين 10 و100 مرة أكثر تلوثًا من المعايير المقبولة عالميًا، وهو ما يسبب أمراض القلب والجهاز التنفسي. "وترتفع نسب تلوث الهواء في مصر، نتيجة الأبخرة والغازات المتصاعدة من مداخن المصانع، فضلاً عن عوادم السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري،" وفقا لأستاذ التربية البيئية في جامعة عين شمس المصرية، عبد المسيح سمعان، في تصريحات لـ VICE عربية. وأوضح أن الطبيعة كانت قادرة على حماية نفسها، من خلال الغابات المنتشرة حول العالم، إلا أن تغير المناخ، وزيادة معدلات الحرائق حد من القدرة على معالجة هذه الكميات من الملوثات.

وشهدت القاهرة الكبرى في عام ٢٠١٧ ما يصل إلى 12.6 ألف حالة وفاة مبكرة بسبب تلوث الهواء، بالإضافة إلى نحو 3 مليارات يوم عمل ضائع بسبب الأمراض الناتجة عن تلوث الهواء في القاهرة الكبرى، وعدم توفر المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة بشكل عام في مصر، بحسب ما ذكره البنك الدولي.

إعلان

ويرى رئيس مركز الإسكندرية للتأقلم مع التغيرات المناخية بجامعة الإسكندرية، محمد عبد ربه، أن تلوث الهواء في مصر يؤثر بالضرورة على الموارد الطبيعية الأخرى، وله ضرر أكثر شمولاً على جميع مناحي الحياة. وقال عبد ربه، في تصريحات لـ VICE عربية "إن تفاقم الملوثات في مصر ليس بسبب نقص التشريعات، ولكن في عدم تطبيقها، فلا فائدة من وضع قوانين لا يتم الالتزام بها. التلوث لا يصب عنصراً واحداً بعينه، ولكن تأثيره يمتد بالضرورة في العناصر الحيوية الأخرى، والموارد الطبيعية للدولة."

لا يتوقف الأمر عند تلوث الهواء، ولكنه ضرب أهم مورد قامت عليه الحضارة المصرية القديمة، حيث أشارت دراسة استقصائية نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أجريت عام 2014 في أكبر 500 مدينة في العالم، إلى أن القاهرة من المحتمل أن تمر بمرحلة ندرة المياه في 2025، بعد تصدرها مراحل متقدمة في تلوث المياه.

ويعتبر نهر النيل مصدر لـ 97 بالمئة من المياه، لكنه يواجه أزمات كبرى، بعد تصريف النفايات الزراعية والسكنية غير المعالجة به. وتظهر أرقام منظمة الصحة العالمية أن مصر تحتل مرتبة عالية بين البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض من حيث عدد الوفيات المرتبطة بتلوث المياه. وقال تقرير للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان بعنوان "تلوث المياه قنبلة موقوتة تهدد حياة المصريين" أن حوالي 38 مليون شخص يشربون مياه ملوثة. كما أن كمية الملوثات الصناعية غير المعالجة أو المعالجة جزئيًا التي تدخل إمدادات المياه تقدر بنحو 4.5 مليون طن سنويًا.

إعلان

ويرى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، عباس شراقي، أن تلوث المياه على مستوى العالم زاد بشكل كبير بسبب النشاط السكاني والصناعي. وأضاف "أن نسب تلوث مياه النيل في مصر مرتفعة، نظراً لأن مياه الصرف الزراعي حاملة معها العديد من العناصر الضارة تصب في نهر النيل."

وترتفع نسب الملوثات في المجاري المائية في نهر النيل، والبحيرات المصرية، خاصة الشمالية مثل المنزلة والبرلس وغيرها، وفقًا لشراقي، الذي أكد أن هذه البحيرات تصب فيها مصارف زراعية. وشدد على ضرورة معالجة المياه التي تصل إلى النيل، وأن لها الأولوية لمعالجتها "مهما كانت التكلفة"، للحفاظ على البيئة والثروة السمكية في مصر.

قمة المناخ والبحث عن حلول
وقع الاختيار على مصر لاستضافة قمة المناخ المقبلة، باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التي أبدت رغبتها في استضافته.

ولخص البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة المصرية، أهداف قمة المناخ المقبلة في شرم الشيخ، بثلاثة عوامل رئيسية هي "التخفيف، والتكيف، والتمويل" والتي تقضي بأهمية تخفيف حدة الملوثات عالميًا، والتكيف معها، فضلا عن إيجاد تمويل للدول النامية للتعامل مع التغييرات البيئية.

ورغم الاهتمام الحكومي المنصب على قمة المناخ، والتحرك الفعلي لإيجاد حلول للتلوث في مصر، خاصة فيما يخص الانبعاثات من المصانع وعوادم السيارات، إلا أن ذلك لا يمنع تحقيق الحكومة بعض المكاسب من استضافة القمة.

ويشير سمعان إلى أن الدولة المستضيفة لقمة المناخ المقبلة، ستحظى بمكاسب جيدة، من حيث الاستثمارات في قطاعات متعددة، سواء قطاعات الطاقة والصناعة بشكل كبير. وأوضح أنه سيتم أيضًا، تحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، ما سيترك أثراً كبيراً على السياحة في تلك المنطقة.

إعلان

تحركت الحكومة المصرية بالفعل لإيجاد حلول لأزمات المناخ والتلوث في مصر، خاصة فيما يخص الانبعاثات من المصانع وعودام السيارات. وأوضح أستاذ التربية البيئية في جامعة عين شمس المصرية، أن الحكومة اتخذت الخطوات الأولى بإجبار المصانع على تقنين أوضاعها قانونيًا، لإيجاد حلول للغازات الضارة والتشجيع على فكرة "المصنع الأخضر" وتقديم شهادات لوزارة البيئة بعدم مخالفة القوانين والحد المسموح به من الانبعاثات.

ويضيف: "تجبر الحكومة المصانع على ما يشبه "دراسة جدوى بيئية" يكشف فيه ملاك تلك المصانع عن الطرق لمعالجة الملوثات ودفنها بطرق آمنة لا تضر البيئة، ويضيف: "كما تم إطلاق مبادرة لإحلال السيارات القديمة، التي مضى عليها 20 عامًا، للتقليل من الانبعاثات الضارة. وشجعت الحكومة أيضًا على استخدام الغاز الطبيعي لعمل السيارات كبديل بمعدلات تلوث أقل."

وأضاف أستاذ التربية البيئية في جامعة عين شمس، أنه بالتوازي مع تلك الخطوات لتقليل الانبعاثات الخطرة، عملت الحكومة المصرية أيضا على مبادرات لاستصلاح الأراضي الصحراوية. وزادت بالفعل مساحة الأراضي المنزرعة في مصر بنسبة 9%، لتصل إلى 9.7 مليون فدان في عام 2021، مقارنة بـ 8.9 مليون فدان في عام 2014، وفق تقرير حكومي صدر في أبريل الماضي.

ولكن مسألة سن القوانين لإيجاد حل جذري لمشاكل المناخ والتلوث في مصر أو العالم غير ممكنة، وفقًا لرئيس مركز الإسكندرية للتأقلم مع التغيرات المناخية، إلا عبر تطبيق محكم لتلك القوانين ليس فقط من الحكومة ولكن من الشعوب أيضًا.