العراق

المزارع عبد الباسط  خلف في مزرعته، أبو الخصيب، البصرة.

بيئة

التغير المناخي يتسبب بمقابر جماعية لنخيل البصرة

ملوحة التربة، الجفاف وقلة الموارد المائية تسبب بموت أشجار النخيل

"أرض السواد"، بهذا اللقب عرفت البصرة (جنوب العراق) قديما لما كانت تشكله بساتين النخيل من غطاء كثيف سوداء اللون، وتعتبر النخلة رمزاً يفتخر به العراقيين، حتى تجدها موضوعة على العملة النقدية العراقية. ولكن خلال العقود الماضية، تحولت تلك البساتين إلى أرضٍ جرداء وبقايا من أشجار النخيل الميت.

موت أشجار النخيل تسببت بها عدة عوامل، ابتداءً من الحرب العراقية- الايرانية عام 1980-1988 وانتهاءً بالإجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 وما تسببت فيه الأسلحة الكيماوية كاليورانيوم المنضب في تدمير البيئة. بعيداً عن الحروب، تسببت التغيرات المناخية بما في ذلك موجات الحر الشديد وانخفاض هطول الأمطار في إنخفاض مساحة الأراضي الزراعية وأدت بدورها إلى موت أشجار النخيل.

إعلان

ويشير عبد الرضا المياح، أستاذ تخصص بيئة وتصنيف النبات في كلية العلوم في جامعة البصرة بأن البصرة لوحدها "خسرت منذ خمسينيات القرن الماضي 14 مليون نخلة. الحرب العراقية-الايرانية كانت الضربة القاضية، حيث خسرت البصرة ستة ملايين نخلة خلال 8 سنين حرب. لقد كانت جريمة بحق البيئة."

وكان العراق ينتج ثلاثة أرباع التمور في العالم أجمع، لكن إنتاجه الآن يمثل 5٪ فقط بعد عقود من الصراع دمرت مزارعه، وأصبح يأتي بعد مصر وإيران والسعودية في ترتيب الدول المنتجة للتمر. محافظة البصرة التي كانت تحتل المرتبة الأولى في إنتاج التمور، تعرض فيها القطاع الزراعي إلى الدمار خلال الأعوام القليلة الماضية التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.

1569228820466-

مزرعة لأشجار النخيل في قضاء أبي الخصيب.

لمعرفة كيف حجم تأثير التغيرات المناخية على أشجار النخيل في العراق، ذهبت VICE عربية الى محافظة البصرة الجنوبية، المعروفة بوفرة أشجار النخيل فيها. هناك التقيت عبد الباسط خلف، وهو فلاّح، 54 عامًا، يسكن قضاء أبو الخصيب الذي يشتهر بزراعة النخيل بأنواعه مثل الحلاوي الساير والبرحي ويعتبر الأخير من أهم أنواع التمور في العراق والمنطقة.

عبد الباسط، الذي قضى 28 عامًا من حياته في زراعة النخيل، يشير إلى تضرر عدد كبير من أشجار النخيل في مزرعته بسبب ملوحة التربة، وعدم توفر المياه بالكميات التي تحتاجها أشجار النخيل لنموها وبقائها على قيد الحياة، كما يقول: "بسبب ملوحة ماء شط العرب (ملتقى نهري دجلة والفرات في البصرة)، أصبحت الثمار قليلة، وإن وجدت الثمرة، فيكون حجمها صغير نتيجة قلة توفر المياه بالكميات الضرورية لنمو النخلة." ويربط البعض ارتفاع ملوحة شط العرب ببناء سدود ومرافق تخزين المياه من قبل كل من تركيا وإيران إلى جانب هطول الأمطار غير المنتظمة مما أدى إلى انخفاض مستوى المياه في الأنهار الرئيسية في العراق بنسبة 40 في المئة على الأقل.

إعلان
1569228893069-

شجرة نخيل قتلتها الظروف الصعبة من ملوحة التربة وتلوث المياه، ناهيك عن الحروب.

1569228920351-

تصحر الاراضي الزراعية نتيجة ملوحة التربة وارتفاع درجات الحرارة في منطقة شط العرب.

"ملوحة التربة، الجفاف وقلة الموارد المائية تسبب بموت العشرات من أشجار النخيل في مزرعتي، ما يقارب 99% من الزرع مات،" يخبرني كريم عبد الحسين المعله، 59 عاماً، مزارع آخر من منطقة أبي الخصيب، خلال جولة في مزرعته ويضيف: "في السبعينيات، كانت لدي 200 نخلة، كل ما لدي الآن هو 15. أشجار النخيل كانت مصدر رزقنا الوحيد منذ أكثر من 20 عاماً. ليس فقط أشجار النخيل، كنّا نزرع الخضروات والفاكهة بكل اصنافها، ولكن جميعها مات. كانت في مزرعتي أكثر من 50 شجرة رمان، وما تبقى منها الآن خمس شجرات فقط."

"ما بعد الثمانينات تعرضت غابات النخيل في البصرة إلى تدهور بيئي شديد بسبب ارتفاع درجة الحرارة وملوحة مياه الري،" يقول الدكتور شكري الحسن، المتخصص بالتلوث البيئي في جامعة البصرة ويضيف: "ملوحة المياه أدت إلى تملح التربة وهو ما أحدث ضرراً كبيراً في أشجار النخيل، وأدى إلى اهمال الأرض وتركها من قبل المزارعين وتحول معظم الأراضي التي كانت زراعية إلى استعمالات سكنية أو تجارية."

1569228717529-

تحولت الكثير من الاراضي الزراعية الى مناطق سكنية نتيجة تدهور قطاع الزراعة في منطقة أبي الخصيب، في محافظة البصرة.

1569229181838-

بالإضافة إلى ملوحة التربة والجفاف الذي أصاب أراضي البصرة بسبب قلة هطول الأمطار منذ بداية عام 1991 وحتى الآن، أثر التلوث البيئي على القطاع الزراعي بشكل كبير. وقد نشرت وزارة البيئة العراقية في موقعها الإلكتروني الرسمي تقرير لها عام 2017، ذكرت فيه أن محافظة البصرة من أكثر المحافظات تلوثاً بأنواع الأنشطة التي تطرح مخلفات مضرة بالبيئة مثل: مواقع تجمع النفايات، ومعامل البتروكيمياويات، محطات عزل الغاز، ومحطات الكهرباء، والشركة العامة لصناعة الاسمدة الجنوبية. هذه المخلفات والمواد الكيماوية السامة التي تطلقها هذه المعامل تسببت بشكل مباشر بتلف المحاصيل الزراعية.

1569229018190-

منطقة التنومة على ضفاف شط العرب، معروفة بكثافة اشجار نخليها في السابق ولكن اغلب البساتين في هذه المنطقة بيعت اراضيها وأصبحت مناطق سكنية.

ما الحل؟ يقول المياح أن البصرة تحتاج إلى غرس أكثر من 27 مليون شجرة حتى تحقق الحد الأدنى من النسبة العالمية لعدد الأشجار المطلوبة لكل فرد وهي 7 أشجار، ويضيف: "زيادة عدد الأشجار سيؤدي الى زيادة الغطاء النباتي للمدينة، وتحسين البيئة في البصرة، فتحرر الاوكسجين للجو وتمتص غاز ثاني اوكسيد الكربون والملوثات السامة من التربة وتوفر الظلال الوفيرة لحماية سطح الأرض من التصحر." أما الحسن فيقترح "استخدام المرشحات لمصادر تلوث الهواء واتباع نظام التدوير والطمر الصحي المتقدم للتخلص من النفايات الصلبة."

"الحكومة نستنا ونست نخيلنا، لا مسؤول زارنا، ولا أحد سأل علينا،" يختم عبد الباسط حديثة متمنياً إهتمام الحكومة العراقية بالقطاع الزراعي الذي يشهد تراجع كبير، مع عدم تمكن العديد من المزارعين من استعادة أراضيهم التي يخسرونها يوم بعد يوم.