image_6483441 (2)

بيت ماهر. الصورة مقدمة منه.

حياة

سألنا شباب سوريين- هل يعلمون ماذا حل ببيوتهم التي تركوها وهُجروا منها

لا أزال أحمل مفتاح بيتي في حمص رغم أن الباب أصلاً تم خلعه وسرقته

قبل عشر سنوات، خرج السوريون إلى الشارع يحتجون على سوء أوضاعهم المعيشية، منادين بالحرية والكرامة معاً، ولكن ما حصلوا عليه كان مزيداً من القمع والجوع والتشتت. قوبلت المظاهرات منذ يومها الأول بالقمع والعنف، وتدخلت الكثير من القوى الدولية لتأخذ من الأرض السورية ساحةً لمعاركهم الدائرة حتى اليوم. 

عشر سنوات من المواجهة خلّفت أكثر من 380 ألف قتيل ، وقضى ما لا يقل عن 100 ألف شخص تحت التعذيب أو بسبب ظروف اعتقال بالغة السوء في السجون السورية، وتم تشريد أكثر من ستة ملايين لاجىء سوري حول العالم، وهي أكبر أزمة لجوء في القرن الواحد والعشرين. 

إعلان

أكثر من نصف السكان هجروا من منازلهم وتعرضت مناطق بأكملها للدمار، مع الكثير من هؤلاء المهاجرين خرجوا من بيوتهم للنجاة بحياتهم، بعضهم خرج منها بدون أخذ أي من المتعلقات بسبب ضراوة المعارك الدائرة. الكثير من البيوت تم السيطرة عليها من قبل قوات النظام أو قوات داعش أو غيرها من القوى المتحاربة، فكانت النجاة بالروح هي الأولوية الأولى. 

جل هؤلاء المهاجرين بدأوا حياة جديدة في أوروبا، تركيا، الأردن، الولايات المتحدة، وغيرها. وفيما لا يظهر أي بصيص أمل لأي حل سياسي في الأفق، يبدو أن هؤلاء لن يعودوا إلى سوريا في أي وقت قريب، ولو قرروا أن يعودوا، فهل لا زالت بيوتهم تنتظرهم؟ سألنا شباب سوريين غادروا بلادهم عن بيوتهم التي هجروها، هل يعلمون ماذا حل بها؟

ديما ،33، لاجئة في تركيا

"بيتي في ريف دمشق، غادرته في منتصف العام 2012 إلى تركيا بعد اعتقال عدد من أصدقائي وصديقاتي اللواتي شاركت معهم في المظاهرات. لحقت بي عائلتي في نهاية العام، دون أن نأخذ منه شيء نظراً للعجلة التي خرجنا بها. ظل البيت فارغاً لفترة طويلة، ولكن عندما دخلت جبهة النصرة إلى منطقة عدرا العمالية حيث كنت أقطن، تحول البيت إلى هيئة رسمية شرعية تديره النصرة، تخلصوا من أثاث البيت وكسروا العود والجيتار خاصتي، رأيته في الصور التي استطاع الجيران التقاطها. بعد تحرر البيت منهم، ترك البيت بعد ذلك لينهب ما فيه، استطاعت أمي التسلل إلى هناك مرة وأحضرت لي الريكوردر الذي نفذ من الخراب نظراً لصغر حجمه عندما جاءت إلى تركيا.

بعد ذلك دخل النظام السوري المنطقة ووصلنا خبر بأن عسكري يعمل على حاجز قريب من البيت احتل المنزل وسكنه، بكيت كثيراً عندما سمعت ذلك. منذ ذلك الوقت، لا أعرف ماذا جرى له، رغم أنني سألت أصدقائي، لكنهم أخبروني أن الدخول للمنطقة لم يعد سهلاً بسبب تردي الوضع الأمني هناك. تقترح عائلتي من وقت لآخر بيع المنزل، ولكنني أرفض ذلك بشدة، فالبيت كل ما تبقى لي هناك. أشعر أنني سأعود يوماً، أحب الشام، أحب الشام كثيراً."

إعلان

خالد، 28، لاجئ في الأردن 

"بيتي كان في داريا في ريف دمشق، خرجت عائلتي منه في العام 2014 بعد أن وصلت قوات النظام إلى هناك واشتدت الأحداث العنيفة بينهم وبين الجيش الحر. غادرت سوريا قبل عام من مغادرة عائلتي لأنني كنت مطلوباً للخدمة العسكرية.  كنت أعيش هناك مع كافة إخوتي، ولكننا اليوم تشتتنا بين البلاد. قام أهلي بزيارة المنزل العام الماضي وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي رأى فيها والدي المنزل. لا زال البيت والبناء قائماً، ولكن لم يعد فيه شيء على حاله. سُرق البيت بالكامل، حتى الأبواب وأسلاك الكهرباء ومرافق الحمامات. الحي دمر بالكامل، ولكن بيتنا كان قريب من دمشق، لذلك لم يصله الدمار الكلي. اليوم أعيش في الأردن وأعمل كمهندس صوت وحياتي مستقرة. ليس لدي إتصال مع الجيران الذين تركوا بيوتهم أيضاً، وأنا بصراحة لم أعد أكترث لبيتي في سوريا أو لأخباره."

زينة، 30، لاجئة في تركيا 

"بيتي في مدينة دمشق، لا زال والدي يعيشان هناك، بينما انتقلت إلى تركيا، وهاجر اخوتي لأوروبا. بيت جدي والذي أحمل مفتاحه معي إلى الآن، لا يزال قائماً ولم يصله الخراب ولكنه خلا من الأحفاد، لم يعد أحد هناك، لم نعد نذهب أنا وأولاد وبنات عمومتي إلى هناك، جميعاً تشتتنا. توفي جدي وجدتي العام الماضي، وأنا لا زلت أفكر في شجرة الياسمين وشجرة العنب في بيت جدّي. أسال أبي عنهم دائماً، فيخبرني أنه يذهب أحياناً لسقايتهم. بيت جدي كان يعني لنا الكثير، لكنه اليوم خلا من أصحابه وضيوفه. قد تبدو أغنية عاصي الحلاني "باب عم يبكي" مضحكة للكثيرين، ولكنها تبكيني كثيراً لأنني أشعر أن باب بيت جدّي يبكي على فراقنا فعلاً."

إعلان

ماهر، 29، لاجىء في تركيا 

"بيتي كان في الغوطة الشرقية، تعرض الحي الذي أقطن فيه للقصف أكثر من مرة بمختلف أنواع الأسلحة.. صواريخ، براميل، قذائف هاون. قمت بترميم البيت بعد تضرره جزئياً، على الرغم أن الحرب لم تكن قد انتهت، ولكنني رممته استعداداً للزواج. في العام 2017، وبعد زفافي بعدة أشهر، تعرض البيت للقصف مجدداً ولكن هذه المرة تم تدميره بالكامل. بعدها سكنت مع زوجتي في قبو كان مستودعاً للبناء، بقينا هناك مع والدتي ووالدي وزوجي وأقاربي لفترة من الزمن، كنا أكثر من خمسين شخص يعيش في مكان لا يتسع لعشر أشخاص. بعدها هاجرت إلى تركيا وعشت في مدينة مرسين. وانتهت علاقتي بالبيت."

أحمد، 27، لاجىء في تركيا 

"بيت العائلة الرئيسي كان -ولا زال- يقع في مدينة حلب، في منطقة عسكرية تسمى بسيف الدولة، محاطة بالكثير من المقرات المهمة مثل قصر الضيافة ومبنى الإذاعة والتلفزيون. كنت أعيش مع والدي واخوتي وأختي بدفء أفتقده كثيراً اليوم، كان البيت مليئاً بالحب والعاطفة. عندما سيطر الجيش الحر على المنطقة، ذهبت عائلتي لبيت ثاني نملكه في نفس المدينة، وبقيت أنا في البيت القديم أقدم المساعدات اللوجستية  والإعلامية للجيش الحر، حتى سقطت المنطقة في يد النظام. لم أكن في المنزل في تلك الفترة، ولم أعد إليه منذ عودة قوات النظام. بعد أن وجدوا في بيتي مناشير وكاميرات وكل ما يثبت أنني كنت ناشطاً سياسياً، قاموا بحرقه. قام والدي بالعودة إلى المنزل وترميمه، ولكنهم تركوه بعد فترة قصيرة للانتقال والعيش معي في مدينة اسطنبول. البيت اليوم فارغ ولا يسكنه أحد. ولكن لا أزال أشتاق إلى بيتي كثيراً، أشتاق للنوم على سريري هناك."

عمر، 33، لاجىء في تركيا 

"بيتنا -كان يعيش فيه جدي وجدتي- كان يقع في مدينة زملكا في الغوطة الشرقية. هذا البيت كان ملك العائلة، اشتريناه بعد خروجنا من مخيم اليرموك بعد ولادتي بعام أو أقل. بعد خروجي من سوريا قبل الحرب كي أكمل درجة الدكتوراة، سمعت أخباراً تفيد بدخول قوات النظام إلى المنطقة، لم أستطع الوصول إلى أي أحد من عائلتي بسبب تردي الاتصالات، تواصلت مع الجيران، فعلمت أن الحي دمر بالكامل ولكن عائلتي خرجت بسلام. عائلتي خرجت واستأجرت بيتاً في مدينة دمشق، وقبل عام فقط، ذهب والدي إلى المنطقة وبالتحديد إلى ما كان منزلنا. بحثوا عن متعلقات لنا تحت الركام، فوجدوا صوراً لي وأنا في المرحلة الابتدائية. لا أفكر بالرجوع إلى هناك ليس بخيار مني، ولكنني لأنني مطلوب للخدمة العسكري لجيش التحرير الفلسطيني الذي يعتبر جزء من قوات النظام، ولكن أنا فعلاً لا أشعر بأي حنين لتلك المنطقة، أعيش اليوم مع زوجتي وابنتي الرضيعة في مدينة اسطنبول، ولا أملك أي أحلام إلا سعادة ابنتي الأبدية ورؤية أبي وأمي." 

  كلودين، 38، لاجئة في فرنسا 

"بيت عائلتي في حمص تم ضربه بقذيفة في عام 2012، بينما أنا كنت أعيش وحدي في منزلي في مدينة دمشق حيث مكان عملي. قبل تدمير البيت، كان النظام يستخدم البناء كحاجز عسكري، فهرب أغلب الجيران من الخطر، لكن عائلتي رفضت الخروج واعتبرته نوعاً من المقاومة، رغم دعوتي لهم لأن ينتقلوا للعيش معي في بيتي الصغير في الشام. تدهور وضع أبي الصحي بسبب ما حلّ بالبيت، وتوفي بعد ذلك بفترة قصيرة. بيت العائلة في حمص يعني لي العائلة والذكريات، بينما بيتي في الشام يعني لي النضج والاستقلالية. ذهبت لزيارة بيتنا في حمص، ووجدته مدمراً ومنهوباً، لم آخذ من هناك إلا الصور التي وجدتها، قبل أن أنتقل للعيش في فرنسا. بيت الشام لا زال موجوداً إذا ما قررنا العودة يوماً ما. في البداية قلت أن البيت لا يهم طالما أننا سنحصل على كرامتنا في النهاية، لكن بعد وفاة أبي وقتل واعتقال وهجرة أصدقائي، شعرت بالعجز وكرهت أن أبقى هناك. أحمل مفتاح بيت حمص معي إلى الآن، رغم أن الباب أصلاً تم خلعه وسرقته. أحلم أن أعود ولكن بكرامة وحرية، نعود ونعمر كل هالبيوت."