علوم

كيف كان شكل العالم في عصر الديناصورات؟

بدأت قارات العالم القديم في التشكل قبل 6 مليون سنة وظهر الإنسان الأول وتناسل حتى وصلت أعداد البشر 7 مليار نسمة بينهم شاب يجلس علي كرسيه الآن ليكتب عن زواحف عملاقة حكمت الأرض قبل ملايين السنين
alvaro-reyes-Ow8TEBloAkE-unsplash
Photo by Alvaro Reyes on Unsplash

كوكب الأرض كتاب تاريخ نبتت صفحاته بين الصخور الموجود أسفل القشرة الأرضية، كل جزء من الكرة الأرضية يحكي قصة ملحمية عن تغيّرات حدثت في زمن بعيد، أبعد من أن توثّقه وسائط الكتابة والرسم التي ابتكرها البشر، وهو ما دفع عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي، نيل ديجراس تايسون، للقول "إن الماضي كوكبٌ آخر، وهو مُحق، رغم أن أثر ما حدث في الماضي يبقى ويستمر عبر التاريخ، لكنه يظل مختلفًا عن حاضرنا، وهذا ما حدث بالفعل مع كوكب الأرض." تعاقبت الأزمان والعوالم، وفُقد جانب كبير منها تحت عجلة التاريخ المُتحركة بلا توقف. أنا وأنت نشهد ذلك التغيير يوميًا دون أن ندري، بنايتك التي تسكُنها قد تكون في نفس المكان الذي شهد بركانًا قضى على شكل من أشكال الحياة على الكرة الأرضية، والشارع الذي تقع فيه البناية، يمكن أن يكون قد شهد مناخًا قارسًا زمهريرًا يُحوّل الماء إلى جليد في ثوانٍ، أو موجة حارة قائظًة تحوّل العجين إلى خُبز في لمح البصر.

إعلان

المدينة التي تسكُنها، يمكن أن تكون شاهدة على سقوط نيزك من السماء انقلب بسببه المناخ وتحوّل الجو من النقيض إلى النقيض خلال أيام، مما أدى إلى انقراض الكثير من أشكال الحياة وقتها، وميلاد أشكال أخرى تمتلك القدرة على العيش في هذا المناخ، ما يعني أن الصحراء التي تبعد عنك بضع كيلومترات، يمكن أن تكون شاهدة على خُطى الديناصورات المرسومة على رمالها، تمامًا مثلما حدث مع الديناصور المُكتشف حديثًا في الصحراء الغربية بمصر "منصوراصورس." في أواخر شهر يناير من عام 2018، عثر فريق من العلماء من جامعة المنصورة على حفريات لديناصور آكل نباتات ذو عُنق طويل وفي وزن فيل إفريقي. يعود تاريخ الحفرية إلى أواخر العصر الطباشيري، وهي فترة متأخرة من تاريخ الديناصورات، خصوصًا وجود الحفريات في قارة إفريقيا، ما استحق معه وصف العلماء له بـ "الاكتشاف المذهل"، كونه بمثابة حجر الأساس لمُساعدة علماء الحفريات والجيولوجيا في الإجابة على الأسئلة المطروحة حول واحدة من حقب التاريخ المفقودة.

حاول "فيجنر" خلال حياته إثبات صحة نظريته، في أن جميع القارات كانت قارةً واحدة كبيرة الحجم تُدعى "باتجيا"، تحركت خلالها الديناصورات والحشرات والحيوانات الأخرى دون الحاجة إلى عبور الحدود المرسومة بين القارات بالمُحيطات والأسوار المعدنية

وانضم "منصوراصورس" إلى قائمة أهم الاكتشافات الحفرية للديناصورات، بصحبة "ميجالوصورس - Megalosaurus" أول ديناصور مُكتشف عام 1815 في قرية ستونفيلد ببريطانيا، وقيل أن الحفريات تنتمي إلى سحلية عملاقة، وأيضًا "الأركيوبتركس - Archaeopteryx" المُكتشف في جنوب ألمانيا عام 1891، والذي أكمل الحلقة المفقودة بين الديناصورات والطيور، إذ أن جسده مكسو بالريش، لكنه يمتلك أسنانًا وأصابع ثلاثة طويلة تُشكل مخلبه وذيل طويل يتكوّن من العِظام. قال العلماء إن الديناصور المُكتشف "منصوراصورس" وثيق الصلة بديناصورات أوروبا وآسيا، مما يُعيد إلى الأذهان نظرية الإنجراف القاري التي وضعها العالم والفلكي الألماني ألفريد فيجنر عام 1912، النظرية التي جعلته مثارًا للسُخرية بين علماء الجيولوجيا وفيزياء الأرض وغيرهم، حيث حاول "فيجنر" خلال حياته إثبات صحة نظريته، في أن جميع القارات كانت قارةً واحدة كبيرة الحجم تُدعى "باتجيا"، تحركت خلالها الديناصورات والحشرات والحيوانات الأخرى دون الحاجة إلى عبور الحدود المرسومة بين القارات بالمُحيطات والأسوار المعدنية.

إعلان

**ما قبل الديناصورات
**قبل مليارات السنين، كان الغُلاف الجوي مُعبأ بالأكسجين بسبب ازدهار نباتات تُدعى الأشجار، حيث اعتمدت على مُركب كيميائي مُتطوّر - وقتها - يُدعى "الليجنين" أعطاها صلابة جعلتها تمد فروعها بقوة في الأرض، وتتطلّع إلى أن تلمس السماء بأوراقها الخضراء، والتي كانت السبب في إمداد الحشرات بالمزيد من الأكسجين، حتى أصبح اليعسوب بحجم النسر، والعقرب بحجم تمساح أمريكي كبير، لكن الحجم لم يشفع لتلك الحشرات أن تبقى على ما هي عليه. بعد ملايين السنين، انبعث غاز الميثان من باطن الأرض، وبدأت أشكال الحياة في الاندثار، ماتت الأشجار والكثير من الحشرات والزواحف والعنكبيات، في الحقيقة 9 من كل 10 أنواع اُبيدت وانقرضت بسبب انتشار غاز الميثان وارتفاع درجات الحرارة، لكن بعد ملايين السنين الأخرى، بدأت الشعب المرجانية في الظهور، ما منح الحياة فرصة أخرى للعودة إلى سطح الأرض، السطح الذي سيتغيّر دون إرادةٍ منه.

تتكوّن الأرض من باطن يمتلئ بالمعادن السائلة شديدة السخونة، وطبقة معدنية سائلة تتحرك طوال الوقت تدعى الوشاح أو الدثارThe Mantle، وفوقها الطبقة الخارجية أو القشرة الأرضية التي يعيش عليها البشر والحيوانات والنباتات وغيرهم، وهي طبقة رقيقة - بالنسبة لحجم الأرض- تُشبه رقة قشرة التفاح، لذلك تحاول دائمًا طبقة الوشاح جذبها فترفض القشرة الأرضية، لكن في بعض اللحظات لا تتمكن من الرفض بقوة، فيحدُث ما نُطلق عليه الزلزال والذي قد يؤدي إلى صُنع رتق في القشرة الأرضية، ومجار مياه تمر من خلالها المحيطات التي تُقسّم القارة الكبيرة الوحيدة إلى قارات عديدة. لكن قبل ذلك بملايين السنين - تحديدًا قبل ما يقرب من 248 مليون عام - بدأ ما يُعرف بـ "العصر الميزوزوي - Mesozoic Era"، والذي يتكوّن من ثلاثة عصور، "العصر الترياسي - Triassic Period" و"العصر الجوراسي - Jurassic Period" و"العصر الطباشيري - Cretaceous Period"، وهذه العصور الثلاثة حكمتها كائنات تُدعى الديناصورات، والتي جالت في الأرض مدة لا تقل عن 160 مليون عام.

إعلان

**ملوك الأرض الأوائل
**والديناصورات - لمن لا يعلم - زواحف عملاقة تتنوّع أشكالها وأنواعها، منها أكلة اللحوم كالتيركس (T-Rex) الشهير، وترايسيراتوبس (Triceratops) الشبيه بحيوانات وحيد القرن، أو آكلة النباتات مثل التيتانوصور (Titanosaurs) والتي عاشت وانتشرت في العصر الطباشيري وينتمي لها الديناصور المُكتشف حديثًا في مصر "منصوراصورس". وكما ذكرت سابقًا، لم تكن الديناصورات تعيش في قارات مُعينة كما كان يُشاع سابقًا؛ وإنما عاشت في قارة ضخمة تُدعى "باتجيا"، قُسّمت بعد ذلك بفعل الزلازل والبراكين إلى قارات أمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا وأفريقيا وأوروبا.

الخبر الذي كان مثيرًا حقًا، هو العثور على عِظام وفك ديناصور على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية أواخر عام 2013 وأوائل 2014 وهو ما كان مذهلًا، إذ أن شبه الجزيرة العربية في العصر الميزوزوي - أثناء وجود الديناصورات - كانت مغمورة بالماء

لكن قبل أن تنقسم، عاشت الديناصورات - حسب الحفريات المُكتشفة - على السواحل قرب المحيط الهادئ، وهي السواحل التي أصبحت اليوم بعض ولايات أمريكا الشمالية في كندا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي بلاد السامبا والكرة الممتعة والموسيقى الراقصة، عُثر على الكثير من الحفريات في أمريكا الجنوبية وتحديدًا في الأرجنتين، مما يعني أن أقدام الديناصورات مرّت على الأرض التي لعب عليها مارادونا وميسي، لكن قبلهما بأكثر من 100 ألف عام، أما الخبر الذي كان مثيرًا حقًا، هو العثور على عِظام وفك ديناصور على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية. أواخر عام 2013 وأوائل 2014، انتشر خبر عن عثور فريق باحثين مشترك على عظام وفك ديناصور في منطقة قاحلة تقع على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، وهو ما كان مذهلًا، إذ أن شبه الجزيرة العربية في العصر الميزوزوي - أثناء وجود الديناصورات - كانت مغمورة بالماء، مما قد يعني أن العظام التي عثر عليها العلماء جُرفت عن طريق الماء ثم دفنت في البحر الأحمر، وبعد سنوات عُثر عليها كرسالة في زجاجة من زمن قديم تُخبرنا بأن الديناصورات مرت يومًا من هُنا.

إعلان

وكصفحات كُتب التاريخ القديمة التي أخبرتنا بما لم نرِ بأعيننا، احتفظت الصخور بهياكل شبه كاملة من الديناصورات، أكثرها اكتمالها الديناصور "سو - Sue" وهو ديناصور من فصيلة تي. ريكس، عثرت عليها عالمة الحفريات الأمريكية سوزان هينركسون المعروفة باسم "سو" والتي سُميت حفريات الديناصور المُكتشفة باسمها، حيث استطاعت العثور على ما يقرب من 90% من عظام الديناصور المُنقرض في ولاية ديكوتا الجنوبية عام 1990، وحُفظ النموذج في المتحف الميداني للتاريخ الطبيعي في ولاية شيكاغو الأمريكية.

على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، انتقلت حرب السيادة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى ساحة العثور على الحفريات، حيث بدأت الصين في حجز مكانها كأحد أكثر البلاد التي عثر العلماء بداخل صخورها على حفريات خاصة بالديناصورات، حيث عثرت مجموعة من العلماء على ديناصور يُشبه الطيور، بريش ملوّن كريش الطائر الطنّان وأطلق عليه اسم "قوس قزح" لكن حتى الآن لازالت الولايات المتحدة الأمريكية تُهيمن على سيادة قائمة البلاد التي عُثر بداخلها على حفريات خاصة بالديناصورات. ورغم عدم وجود البشر وقتها، إلا أن الديناصورات لم تكن الكائنات الحية الوحيدة على الكوكب، ففي العصر الترياسي عاشت أشجار الصنوبر، وصدفة الآمونية (Ammonites) والنوتر البحّار (Nautilus) والحبّار وقناديل البحر، وحشرات اليعسوب والدودة الألفية والعقارب من العنكبيات، وبعض الحلزونات والرخويات. أما في العصر الجوراسي فزادت أعداد الديناصورات دون أي زيادة في أعداد الكائنات الأخرى، لكن القارة الكبيرة "باتجيا" انقسمت إلى نصفين، الشمالي يُدعى "لوراسيا - Laurasia" والجنوبي يُدعى "جوندوانا - Gondwana"، ولا توجد إجابة واضحة عن أماكن وجود الديناصورات وقتها، لكنها انتشرت بأنواعها المختلفة على مساحة اليابسة المُتاحة وقتها.

أما في العصر الطباشيري، زادت أعداد الكائنات الأخرى على كوكب الأرض طرديًا مع زيادة عدد الديناصورات، حيث ظهرت أشجار البلوط وأسرة الورود مثل الزنابق (Lilies)، وظهرت أيضًا عائلة التماسيح بجميع أنواعها، وبعض أنواع السحالي والثعابين، وظهرت السلاحف المائية والبرمائية وكائن برمائي آخر يُدعى "كولاسوشُس - Koolasuchus" وأسماك الرقيطة (Stingray) وأبو الشص (Anglerfish) والسرطان أو السلطعون الناسك (Hermit Crab)، ومن الحشرات ظهر النمل والنحل والدعسوقات والصراصير والمن (Aphids) ومن العنكبيات ظهر العنكبوت الغازل المداري (Orb Weavers).

**لماذا انقرضت الديناصورات؟
**السؤال الذي يقفز إلى الأذهان، لماذا نتمكن حاليًا من رؤية تقريبًا جميع هذه الحيوانات والحشرات والأشجار ولا نتمكن من رؤية الديناصورات؟ والإجابة المختصرة المعروفة للجميع هي أن الديناصورات انقرضت، لكن ليس بسبب اصطدام كويكب صغير بالأرض كما يُشاع عادةً، فالأمر لم يكن بتلك البساطة والسرعة، حيث أن كل عصر من العصور الثلاثة المذكورة سابقًا انتهى بالعديد من الكوارث، وبدأ بعده عصرٌ آخر حتى انتهى أيضًا بالكوارث، وخلال تلك العصور استطاعت الديناصورات أن تبقى وتتطور وتزداد أعدادها.

تشترك نهايات العصور الترياسي والجوراسي في أنها انتهت بثلاثة سيناريوهات وعلى مدار آلاف بل ملايين السنين، أما العصر الطباشيري فانتهى بسيناريوهين فقط، وأول سيناريو بين الثلاثة هو فيضانات الانفجارات البركانية، والتي كانت تُغطي مساحات واسعة تصل إلى آلاف الكيلومترات، والسيناريو الثاني هو تغيّر المناخ من القائط إلى القارس والعكس بسرعة لا تتحمّلها معظم الحيوانات، والسيناريو الثالث هو اصطدام كويكب أو نيزك أو جُرم سماوي بالأرض، مما ينتج عنه تغيرات في شكل الأرض ومناخها. وهذه السيناريوهات جميعًا أدت في النهاية إلى انقراض معظم الديناصورات، لأنها لم تتمكن من التطوّر مثل الحيوانات الباقية، التي استطاعت تقليص حجمها أو تطويرالريش أو إيجاد طريقة للهروب من كل ما يحدث حولها، وفي "العصر البايوسيني - Palaeocene epoch" الذي تلى العصر الطباشيري، بدأت الثدييات في الظهور، مثل القنفذ (Hedgehog) وفئران القمر (Moonrats) والفيلة، واستطاعت أغلب الديناصورات الطائرة تطوير نفسها عبر السنوات، حتى ظهرت في العصر المذكور الطيور وهي الشكل الأقرب حاليًا للديناصورات. وفي "العصر الميوسيني - Miocene epoch" منذ ما يقرب من 24 مليون سنة ظهرت القردة العُليا (Great Apes) وقردة العالم القديم، وفي نهاية العصر المذكور، بدأت السيناريوهات الثلاثة في الظهور، فبدأت فيضانات البراكين وتغيّر الجو وضربت الأجرام السماوية القشرة الأرضية، وحينها تقلصت أعداد الأشجار التي أعتمدت القردة عليها في التنقّل والحصول على الطعام والحفاظ على أنفسها من أن تكون طعامًا للحيوانات المفترسة.

وفي بداية "العصر البليوسيني - Pliocene epoch" منذ ما يقرب من 6 مليون سنة، بدأت قارات العالم القديم في التشكّل، ونزلت القردة العُليا من غصون الأشجار إلى الأرض بحثًا عن غذاء، وحتى لا تُصبح فريسة سهلة، بدأت في تعلّم المشي منتصبة، واستخدام القدمين للركض واليدين للصيد وصُنع الأدوات والأسلحة، حينها بدأ الإنسان في الظهور على كوكب الأرض، وزادت أعداده إلى أن وصلت إلى ما يقرب من 7 مليار نسمة على سطح القشرة الأرضية، ووزِّعت على اليابسة التي قُسّمت إلى دول بحدود واضحة وشبه واضحة، في إحداها شابٌ يجلس على كُرسيه، يكتب لك عن كائنات حكمت الأرض قبل أن يحكمها البشر بملايين السنين. قبل مشاهدة فيلم "حديقة جوارسيك" منذ ما يقرب من 6 سنوات، فكرت في أمر الديناصورات وفي امكانية عودتها مرة أخرى إلى الأرض، خاصةً بعدما أصبحت التكنولوجيا قادرة على أفعال كانت في الماضي إعجازية، لكن رغم التقدّم يُرجّح بعض علماء الجيولوجيا، أن كوكب الأرض قد يُصاب بأزمات تُشبه -إلى حد كبير- السيناريوهات الثلاثة القاتلة المذكورة سابقًا، بسبب التلوث الناتج عن استخدام الوقود وعدم اقتناع البعض -ومنهم قادة أكبر الدول في العالم- بخطورة الاحتباس الحراري وغيره من الظواهر التي تدل على سوء الاستخدام، ومن المُرجّح أيضًا أن يتغير شكل الحياة على كوكب الأرض مرة أخرى بعد ما يقرب من 250 مليون عام، لكن لم يذكر العلماء عودة الديناصورات، لا في المستقبل القريب ولا البعيد.