FYI.

This story is over 5 years old.

دراسة

"ضغوط العمل".. رفاهية أوروبا والدول المتقدمة التي تقتلنا

على الجانب الآخر من البحر المتوسط لا يتعاملون مع ضغوط العمل باعتبارها "بس" أو "معلش"، بل بوصفها مرض يحتاج إلى تشخيص وعلاج
Screen Shot 2019-02-27 at 12
شترستوك

العمل شرف، كما كانت تقول الفنانة يسرا في فيلم "الأفوكاتو" وهي تدرس الأطفال في إحدى الفصول الدراسية وفي ذات الوقت تقوم بتنظيف الخضروات. في بلاد مثل بلادنا تعاني من نسبة بطالة عالية، فإن العمل نعمة كبرى، إلا أن ضغوط العمل قد تشكل خطرًا على حياة الإنسان.

من المفهوم أن يتعامل الناس في هذه البقعة من الكوكب مع ضغوط العمل باستخفاف؛ لأن العمل في حد ذاته هدف هام، وهو الوسيلة الوحيدة لشراء الطعام والستر تحت سقف وتعليم الأطفال وكسوتهم؛ فليس هناك بدائل كثيرة لمن يعانون من البطالة ليحصلوا على الحد الادنى من الحياة الكريمة، فلا إعانة بطالة، ولا تسكين حكومي، ولا علاج وتعليم حكومي يمكن أن يعتمد عليه؛ إلا أن السعي خلف العمل واللهاث لتحقيق النجاحات المهنية يجب أن يحدثان بوعي حتى لا يقع الإنسان تحت وطأة مرض التوتر الناتج عن ضغوط العمل، والذي قد يُفقد الإنسان القدرة على العطاء والإنتاج، ويشكل تهديدًا حقيقيًا على صحته ومن ثم حياته.

إعلان

نشرت صحيفة لو باريزيان الفرنسية تقريرًا حول دراسة عن معاناة الموظفين والمديرين من ضغوط العمل. التقرير أعده مركزا أرموني ميوتيويل وفيافويس – إكلاراج وباروميتر 2018 لصحة العمل. يبدو التقرير غريبًا بعض الشيء على مواطني العالم الثالث الذين يتعاملون مع ضغوط العمل بوصفها عرضًا صحيًا، وربما نعمة حباهم الله بها: "معلش.. ضغط الشغل بس".

في الواقع، وبمعرفة محدودة عن الثقافة الفرنسية التي تنعكس في التقرير، فإن الناس على الجانب الآخر من البحر المتوسط لا يتعاملون مع ضغوط العمل بوصفها "بس" أو "معلش". هم يتعاملون مع ضغوط العمل بوصفها مرض نفسي، يحتاج إلى تشخيص، ومراقبة، ووقاية، وعلاج.. وحاجة آخر دلع حضرتك.

1551257598891-Screen-Shot-2019-02-26-at-44505-PM

شترستوك

نحن هنا نتعامل مع ضغوط العمل من منطلق: "مش الحمد لله إني لاقي شغل!"، و"الحمد لله إن الشغل شغال مش باروح أفطر وأصلي وأشرب شاي وأحل كلمات متقاطعة؟ طبيعي يعني ضغط الشغل ده".

لا. لا يبدو، لدى الدول التي تحترم إنسانية مواطنيها أنه طبيعي.

في البداية، يُثني التقرير على الوعي المتنامي لدى العاملين بأهمية مكافحة مرض التوتر الناشيء عن ضغوط العمل، حيث يقول التقرير أن ثلثي الموظفين والمديرين يضعون "مكافحة مرض التوتر الناشيء عن ضغوط العمل" ضمن أهم ثلاثة أولويات في حياتهم. بالطبع نحن هنا نضع مصاريف المدارس والإيجار وفواتير الكهرباء ضمن الأولويات الأهم؛ إلا أن التعليم في فرنسا مجاني، كما أنهم يشعرون بأن قيمتهم الإنسانية لها الأولوية فوق التزاماتهم المادية.

هناك ما يقرب من 44% من الموظفين والمديرين يعانون بالفعل من مرض توتر ضغوط العمل. كما أن ثلثي العاملين مهددين بالإصابة بهذا المرض الخطير.

"أعراض مرض توتر ضغط العمل؟!".. نعم، هو مرض خطير أخي العربي، أختي العربية، خاصة إذا راقبت سلوكك وحالتك الصحية والنفسية، وربطت كل ذلك بأحداث حياتك وربما إخفاقاتك.

إعلان

التوتر الناشىء عن ضغوط العمل يحدث حين يشعر العامل بأنه يفتقر إلى الوقت أو المهارة للقيام بما يطمح إليه في عمله، ما يؤدي إلى ظهور أعراض نفسية وعضوية وسلوكية. ضمن الأعراض العضوية التي ذكرها التقرير: مشاكل في التنفس، إجهاد عام، انقباض في العضلات. بالطبع كاتب التقرير لا يعلم أننا في هذه البقعة من العالم حين نواجه هذه الأعراض نقول: عادي.. حتى يتطور الأمر ليصاب الضحية بالضغط والسكر، وإنسداد في الشريان التاجي.

أما عن الأعراض النفسية فمنها: تهيج المزاج (عارفها أنت دي اللي تبقى قاعد لا بيك ولا عليك وفجأة تبقى عايز تقوم تخنق كل اللي حواليك) الحزن، القلق، الاكتئاب، باختصار هي تلك الحالة التي تشير فيها إلى رقبتك قائلاً: "معلش مخنوق شوية". ذلك بالإضافة إلى الأعراض السلوكية مثل الشعور الدائم بالكبت، العدوانية (ده عادي عندنا برضه)، نوبات الغضب، إضطراب في السلوك الغذائي. إن الأعراض متشابكة ومعقدة، لذلك يجب ملاحظتها ومراقبة الأسباب التي تؤدي إليها. ناس مركزة مع نفسها.. مش "أنا حانام ساعة أصحى رايق!"، أو "أنزل شوية ع القهوة أفك". ولو أن الخيارات السابقة لا بأس بها إذا ما تمت بوعي وتنظيم.

خمسة أسباب تنتج التوتر الناتج عن العمل:

1- صعوبة التوفيق بين الحياة الشخصية والمهنية:
ما يقرب من نصف العاملين والمديرين يعانون من صعوبة التوفيق بين حياتهم المهنية والشخصية، حيث أفصح حوالي 48% من الموظفين عن أنهم لا يجدون وقتا كاف لأنفسهم أو أسرهم.

2- غياب حق الانفصال عن مهام العمل في غير ساعات العمل الرسمية:
يعاني الموظفون، بنسبة تقل عن النصف بقليل، من عدم القدرة عن الانفصال عن مهام العمل في غير ساعات العمل الرسمية، إذ أنهم يضطرون للرد على البريد الإلكتروني أو استقبال مكالمات عمل في أثناء الإجازات أو بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية، كما اعترف ثلثا المديرين بذات المعاناة.

إعلان

3- زيادة سرعة التحولات المهنية:
يعتقد ثلثا العاملين بأن أساليب العمل قد تغيرت بشكل كبير في خلال العشر سنوات الأخيرة نظرا للتطورات التكنولوجية السريعة، مما يؤدي إلى شعور بعدم الاستقرار المهني لدى العاملين، حيث أنه يشكل تحدٍ لقدرة العاملين على التأقلم مما ينتج عنه شعور بالتوتر.

4- ظروف العمل ليست على النمط الأمثل:
حوالي 67% من الموظفين 87% من المديرين يرون أنهم بحاجة لتحسين ظروف العمل المادية والرعاية الصحية والشخصية.

5- الشعور بعدم الحصول على التقدير الكافي في العمل
ما يقرب من حوالي نصف العاملين يشعرون بأن إداراتهم لا تقدر مهاراتهم بما يكفي، وأنهم لا يتم الاستماع إليهم جيدا.

ما سبق هو ما تراه الدراسة من مسببات التوتر المرضي الناتج عن العمل. بعد قراءة هذه الأسباب تذكرت فيديو لأحد نجوم الكوميديا الأمريكيين من أصل عربي، حيث كان يسخر من الفروق في التربية الناشيء عن اختلاف الثقافات. بينما يشعر المواطن الأمريكي من أصول غير عربية بأن والده تسبب له في جراح نفسية غائرة لأنه رمقه بنظرة مخيفة، فإن أبناء العرب الأمريكيين يتنافسون في التفاخر بتعرضهم للضرب المبرح، إذ يتباهى أحدهم: والدي ضربني بجذع الشجرة، فيرد عليه آخر: والدي ضربني بالشجرة ذاتها. والنبي احنا لنا الجنة على الصبر ده.. أو النار، مش متأكدة.

الظروف المذكورة أعلاه يعتبرها العرب من نعم الله عليهم: "والله مشغول وما عنديش وقت أهرش.. الحمد لله رب العالمين أنا الشغل ما يستغناش عني حتى وأنا في الأجازة.. أنا بعون الله أي جهاز جديد أشتغل عليه من غير تدريب لا سحر ولا شعوذة.. المرتب حلو ورضا وباوفر منه.. لا.. هم كمان حيصرفوا على علاجي وفسحي؟ ليه يعني؟ خلفوني ونسيوني؟ المدير الصح ما يبلش ريق الموظفين بكلمة حلوة.. اكمن عايزهم يبقوا أحسن وأحسن".

إعلان

لكن يبدو أن هذا الرضا الظاهري لا ينعكس إيجابًا على الحالة الصحية والنفسية والسلوكية للعاملين العرب… انظر حولك!

حسنا، لنعد للدراسة.

الإرهاق، أحد النتائج القصوى للتوتر الناتج عن ضغط العمل. إرهاق؟.. لا تصدقوا قطعتوا قلبي. نحن في بلاد تنشرح صدور مواطنيها إذا ما "طمأنهم" الطبيب بأن ما يعانون منه هو "مجرد" إرهاق.

طيب.. لنعد للدراسة، للأمانة العلمية، في المصطلح الإنجليزي والذي اعتمد في اللغة الفرنسية Burn out يعني الاحتراق الكامل، وهو مصطلح يصف الإجهاد الشديد الناتج عن العمل. وبالرغم من أن ثلث العاملين فقط في فرنسا يعرفون أن الاحتراق الكامل بالإجهاد متصل بشكل مباشر بالعمل أو المبالغة في التفاني في العمل، إلا أن هناك وعي متنام لدى غالبية الموظفين بخطورة هذا المرض وضرورة التصدي له. خايفين على روحهم من الشغل!

سبع خطوات لتجنب التوتر الناتج عن ضغوطات العمل

هناك خطوات لمكافحة الإجهاد الناتج عن العمل ومضاعفاته، ومن المنتظر أن يتم تعميمها على أماكن العمل:

- الضحك والروح الإيجابية، فالشكوى تساعد على استمرار المشكلة. (الحمد لله.. دي عندنا، على الأقل في مصر).

- توقف عن العمل وتنفس. (شم التلوث والعادم من نخاشيشك)

- تعلم كلمة: لا. خاصة إن كنت تعلم أنك لن تستطيع إنجاز المهمة كما يجب. (آه يعني مفيش حاجة اسمها: حد يقول للرزق لا؟ آه عادي.. أحسن ما تبقى شكلك كده. بص في المراية.)

- استمتع بوقتك مع أسرتك وأصدقائك. (واخد لي بالك؟ استمتع.. مش فش غلك في مراتك وعيالك، ولا البيت لوكانده للاكل والنوم، ولا تقول لاصحابك: معلش مسحول)

- خصص وقتا يوميا للاستمتاع والترفيه، فهذا يساعدك على التخلص من الأجهاد في المساء.

- نم جيدا وتناول طعاما متوازنًا.

- تحرك في الهواء الطلق، فالرياضة تساعد على التخلص من التوتر.

قام بإعداد الدراسة أرموني ميوتويل.

لا أخفيكم مكنون نفسي.. أنا زعلت على روحي قوي حين قرأت هذه الدراسة. فهل حزنت مثلي عزبزي القارىء؟ لأ.. خليك فريش احنا في رحلة.