MV5BOGI1M2JkYjQtYzdkYS00YTc2LWIyYWMtN2UyZTMwNGIxMzQ3XkEyXkFqcGdeQXVyMjI4NzAzNjg@
يوسف شاهين في فيلم "باب الحديد" الذي لعب بطولته IMDb

FYI.

This story is over 5 years old.

سينما

ترميم أفلام يوسف شاهين يُسلّط الضوء على أرشيف السينما المصرية المُهمل

لدينا 4 آلاف فيلم مصري بحاجة لاهتمام وترميم.. وتدشين "أرشيف قومي للسينما" هو الحل

في شارع عماد الدين التاريخي، الذي اشتهر بالمسارح ودور العرض وحفلات الغناء، فتحت سينما "زاوية" أبوابها لمُحبي أفلام المخرج المصري يوسف شاهين، طوابير طويلة من الشباب، استرجاع لسينما شاهين، من خلال ترميم وعرض عشرين فيلماً أخرجها "شاهين" قبل عام 2000، و أنتجتها شركة أفلام مصر العالمية. هذه الفكرة التي لاقت إقبالاً جماهيرياً لافتاً، كانت فرصة لجيل لم تتح له الفرصة لمشاهدة هذه الأفلام سوى في التليفزيون، أن يشاهدها على شاشات السينما.
المنتجة ماريان خوري، ابنة شقيقة يوسف شاهين، ومدير شركة أفلام مصر العالمية التي تولت عملية الترميم لعشرين فيلماً لشاهين (من إنتاج الشركة)، لتكون المرحلة التالية من الترميم باقي أفلام شاهين التي أنتجتها شركات أخرى، حيث لجأت خوري إلى التعويذات السحرية - تقصد التقنيات الجديدة- التي تتيح مسح الأفلام رقمياً وترميمها، وحفظها بشكل أكثر استدامة، ورغم أن الأمر يبدو بسيطاً للوهلة الأولى، إلا أن إنجازه استغرق عشرة أعوام، فهي تري أن شاهين، ترك لعائلتها إرثاً غنياً، يفرض عليهم بذل المستطاع من أجل الحفاظ عليه وصيانته.

إعلان
1543913181465-22

اختارت “خوري” أن تكون بداية عرض الأفلام للجمهور، تزامناً مع الذكرى العاشرة لوفاة يوسف شاهين، الذي ولد عام 1926 وغادر دنيانا 2008، تاركاً خلفه إرثًا تاريخياً يُقدّر بأربعة وأربعين فيلماً سينمائياً. وشملت قائمة الأفلام المرممة: (بابا أمين - إنتاج عام 1950، سيدة القطار - 1952، "صراع في الوادي وشيطان الصحراء - 1954، صراع في الميناء - 1956، أنت حبيبي وودعت حبك" - 1957، "باب الحديد - 1958، الناصر صلاح الدين - 1963، "فجر يوم جديد - 1965، "الأرض - 1969).

تفاعل جماهيري
فيلم الناصر صلاح الدين"، الذي أنتج عام 1963، أعُيد عرضه بعد كل هذه السنوات بنسخة مُرممة، ليُعيد للذاكرة عملاً جمع شاهين، يوسف السباعي، عبد الرحمن الشرقاوي، نجيب محفوظ، شادي عبد السلام، وقال عنه شاهين إنه "أتخن سيناريو في التاريخ"، واستغرق عامين ونصف لإنتاجه، الفيلم لم يغطي وقتها تكاليف إنتاجه، لكن الإقبال الكبير على إعادة عرضه بعد كل هذه السنوات يؤكد أن شاهين أخرج فيلم قادر على جذب الجمهور رغم مرور كل هذه السنين.

1543913805357-MV5BNWQwMzBlNDMtMzZkNy00MmM0LWJmN2YtZDg2MTQxODIwOTI4XkEyXkFqcGdeQXVyMjI4NzAzNjg_V1_

بوستر فيلم الناصر صلاح الدين - إنتاج عام 1963

وعلى الرغم من عرض الفيلم على شاشات التلفزيون عشرات المرات، إلا أن الجمهور استقبله وكأنه يشاهده للمرة الأولي، يضحكه صلاح ذو الفقار (عيسي العوام) وهو يقول لنادية لطفي (لويزا):"ممكن أعرف اسم الفارسة؟"، ويتفاعلون مع أحمد مظهر (صلاح الدين) حين يقول جملته الشهيرة: "هنأتم أخاكم عيسى وإخوانكم المسيحين بعيد ميلاد السيد المسيح؟" ليرد الجمع: "كل سنة وأنت طيب، و،يرددون مع حمدي غيث (ريتشارد) أشهر عباراته في الفيلم: "كل حلفائك خانوك يا ريتشارد".

إقبال كبير
شاهد، محمود عبد الشكور، الناقد الفني، فيلم "الناصر صلاح الدين" لأول مرة من خلال تلفاز أبيض وأسود، 20 بوصة، يذكر أنه في أول عرض تليفزيوني للفيلم، كانت الشاشة "مقطوعة"، لأسباب تقنية تتعلق بملائمة النسخة السينمائية لعرضها على شاشات التلفزيون لكنه كان يتابع الفيلم باهتمام، ورغم أن الفيلم لم يغطي تكلفته وقتها، لكنه يحصد إيرادات حتى اليوم.

إعلان

عبد الشكور، الذي حرص على حضور أغلب الأفلام المرممة، وصف التجربة بأنها "عظيمة"، وأن مشهد الإقبال الجماهيري "ملحمي"، حيث أن شاهين لم يشاهد في حياته هذه الطوابير من جيل الشباب الذي شاهد بعض الأفلام في التلفزيون، ويحلم بمشاهدتها في السينما، هذه الإيجابية في إقبال الشباب يفتح الباب لترميم أفلام كبار مخرجين السينما وصولاً للأفلام المجهولة، ويشجع الموزعين على فتح دور عرض تقدم هذه الأفلام المُرممة.

1543914173643-Screen-Shot-2018-12-04-at-10123-PM

الشباب يتصدرون جمهور أفلام شاهين في إعادة عرضها بعد الترميم

وطالب عبد الشكور بتعميم التجربة لتشمل جميع أرشيف السينما المصرية، حيث يرى أن لكل فيلم مصري أهميته، لأنه يوثق لمرحلة من تاريخ مصر، وطالب بإنشاء بإنشاء دار محفوظات للأفلام المصرية، يلحق به متحف، يوجد به سيناريوهات كلاسيكيات السينما وأفلام مخرجين مثل يوسف شاهين، محمد خان، وغيرهم، بالإضافة إلى ملابس وأكسسوارات الأفلام، وقاعة لعرض الأفلام القديمة. واختتم عبد الشكور كلامه بالقول: "لدينا 4 آلاف فيلم مصري طويل بحاجة لاهتمام وترميم، ومصر ضمن 10 دول فقط تمتلك هذا الكم الكبير من الأفلام السينمائية".

في الندوة التي تلت عرض النسخة المُرممة من فيلم "إسكندرية ليه؟"، استعاد الممثل محسن محي الدين، ذكريات بطولته لهذا الفيلم، وقال لجمهور غالبيته من الشباب: "هذا الفيلم أكبر من عمركم، لأنه أنتج قبل 42 عاماً". محي الدين كان يعتقد أن الجمهور المحب لسينما شاهين قد انتهى، لكن الإحساس الذي أسعده أن الجيل الذي لم يحضر أفلام يوسف شاهين مهتم أن يشاهدها اليوم، بعد عشرات السنين من إنتاجها، المدهش أكثر أن وقت العرض الأول لفيلم "إسكندرية ليه؟" كان الإقبال الجماهيري "محدود"، لأن الناس وقتها كانت تقول أفلام شاهين غير مفهومة، لكنه وجد هذه المرة جمهور "فاهم ومحب للفيلم"، لاحظ هذه المرة إفيهات أضحكت الجمهور لم تكن مضحكة وقت عرض الفيلم. ما حدث كان شيء مفرح له.

إعلان

تراث مهمل
جابي خوري، منتج الجانب الأكبر من أفلام يوسف شاهين، قال أن عملية الترميم مكلفة للغاية وبالغة التعقيد، وأنها بدأت بترميم عشرين فيلماً ويتوقع أن تنتهي أعمال ترميم جميع أفلام شاهين بنهاية 2019، لكنه انتقل بالحديث عن أرشيف السينما المصرية ككل "اكتشفنا خلال تنفيذ مشروعنا العديد من المشكلات في نسخ أفلام شاهين الأصلية، وهي مشكلات تمت معالجتها إلي حد كبير، فماذا عن النسخ الخاصة بأفلام مخرجين آخرين؟ ومن سيهتم بتنفيذ مثل ذلك المشروع لترميم أفلامهم؟".

أول عشرين عاماً من عمر الناقد الفني، محمد المصري، كان شاهين هو أبيه، تربى على أفلامه، وكانت هذه الأفلام هي قطعة من قلبه، "المصري" هو نفسه الذي أدار النقاشات التي أعقبت عروض الأفلام المُرممة، كان من الملفت له أن كل العروض كاملة العدد، طابور طويل، يعتقد أن شاهين لم يراه في حياته، وكون الجمهور يأتي مبكراً ليتمكن من حجز تذكرته، شيء مؤثر جداً، فيلم "إسكندرية ليه؟" هو فيلمه المفضل، لكن كل نسخ الفيلم القديمة كانت جودة الصوت فيها سيئة للغاية، هناك جمل لم يسمعها أبداً رغم أنه شاهد الفيلم عشرات المرات. لكن هذه المرة كانت تجربة المشاهدة مختلفة، النسخ المرممة واضح فيها المجهود، الشيء الأهم بالنسبة لـ"المصري" هو مشاهدة أفلام يوسف شاهين وسط الناس، عاطفياً هذا شيء مؤثر"، وفق قوله.

1543914634052-MV5BOWFkMDFiODItYmNiNS00YWM3LWI0M2EtM2YxMDg1NDNkMDBhXkEyXkFqcGdeQXVyMjI4NzAzNjg_V1_

ترميم أفلام شاهين مبادرة إيجابية يري "المصري" أننا نحتاج تكرارها لإحياء تراث السينما المصرية، ليكون الترميم من نصيب سينما الثمانينات بالذات، مثل أفلام محمد خان وداود عبد السيد، وعاطف الطيب، الذين لم يكونوا على قدر شهرة شاهين في الغرب، ولا توجد مؤسسة تقف خلفهم، لكن لا يعرف ماذا يمكننا فعله لتعميم هذه الفكرة على مخرجين آخرين؟

أرشيف قومي
المخرج المصري، داوود عبد السيد، مخرج أفلام "أرض الخوف" و "رسائل البحر" و"الكيت كات"، يعرف جيداً ما علينا فعله لتعميم مشروع الترميم على باقي المخرجين، من خلال إنشاء الأرشيف القومي للسينما، بميزانية لترميم كل الأفلام، حيث يرى "عبد السيد"، الذي لا يعرف مصير ولا حالة أفلامه القديمة، أن أرشيف الأفلام هي ثروة معرفية، والدول المحترمة تحرص على أن يكون لديها أرشيف لكل أفلام السينما، ويقومون بترميم كل الأفلام التي تحتاج لترميم.

المنتج محمد العدل، كان لديه إجابة على تساؤل المخرج داوود عبد السيد، حيث يؤكد أن الدولة - كما عرف - في طريقها لترميم أفلام السينما المصرية، فالعذر الدائم بأن الترميم مُكلّف، وأن الدولة مشغولة بما هو أهم، لم يعد مناسباً، لذلك الترميم والحفاظ على التراث يستحق اهتمام الدولة، ولا يجب أن يقتصر الأمر على أفراد، مثلا أفلام يوسف شاهين كان وراءها جابي وماريان خوري. وطالب الدولة بالتدخل للحفاظ على هويتها وتراثها من خلال ترميم أفلام مخرجين كبار، مثل صلاح أبو سيف، حسن الإمام، على بدرخان، وداود عبد السيد، وغيرهم.

المخرج أمير رمسيس، أحد تلاميذ يوسف شاهين، وصف حالة أرشيف السينما المصرية بـ"المُزرية". وأشار إلى التجربة الناجحة ترميم أفلام شاهين، مؤكدًا أن الترميم في جعل أفلام يوسف شاهين أفضل من حالتها الأولي وقت صناعتها، من حيث الصورة أو الصوت، وهو ما يرى أنه بات حاجة ملحة مع جانب كبير من أرشيف السينما المصرية. وأبدى رمسيس اعتراضه على فكرة تفضيل حقبة زمنية أو مخرج بعينه لترميم أفلامه، فلابد من تدخل الدولة لحماية الأرشيف السينمائي والمصري وترميمه، لأنه يمثل تراث فني لا يمكن تعويضه. وطالب بأن تشمل عملية الترميم كل الأرشيف السينمائي، دون تفضيل لمخرج أو لحقبة زمنية.