FYI.

This story is over 5 years old.

مجتمع

أمور ستعرفها فقط إذا عَملت خلال طفولتك

لا عطلة في الصيف، ولكن لديك مال لعزومة عشا
عمل

Creative Commons

أصبحت مشاهد عمالة الأطفال صورة اعتيادية في لبنان، تراهم يعملون في الكراجات والمطاعم والمصانع تتراوح أعمارهم ما بين سني الثانية عشر والخامسة عشر، بعضهم يحاول أن يكون سنداً لأهله وتخفيف العبء عنهم ومعظمهم هم مجرّد ضحايا جريمة الاتجار بالبشر المنتشرة في لبنان والعالم العربي بشكل عام، حيث تشير تقارير إلى أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يوجد اليوم قرابة 13 مليون طفل عامل (9٪ من الإجمالي العالمي). وفي حين تنشط الجمعيّات الّتي تعنى بحقوق الطفل المهدورة في لبنان للتقليل من انتشار هذه الظاهرة إلا أن انتشار البطالة والفقر أدى إلى تعميق هذه الأزمة وازديادها في الشوارع اللبنانيّة بشكلٍ عامّ. تحدثنا إلى واحد من هؤلاء الاشخاص فراس (27 عاماً) الذي فٌرض عليه العمل في سن الثالثة عشر في منجرة لكي يتمكن من اعالة نفسه، هذه قصته:

إعلان

ستشعر أنك مختلف
بدأت العمل في منشرةٍ قريبةٍ من منزلي خلال العطل الصيفية ولم أكن قد تجاوزت الثالثة عشرة من العمر تحت ضغط من والدي. فجأة تغيرت حياتي، فلم يعد لدي وقت للعب مع أصدقائي أو مشاهدة برنامجي التلفزيوني المفضل، فقد كنت أعمل طوال الوقت، ويوما بعد يوم بدأت أشعر أنني مختلف عن باقي أصدقائي، هناك جزء من الطفولة يختفي في اليوم الّذي تبدأ به العمل للمرّة الأولى، شعرت أنني قد كبرت بشكلٍ سريع وأصبحت شخصاً مسؤولاً عن نفسي وعائلتي.

لن أنسى دموع والدتي
لا يمكنني أن أنسى كلّ صباحٍ خلال استعدادي للذهاب إلى العمل، عيون أمّي الّتي تغمرها الدّموع من دون أن تدعها تسقط على خدّها، وحين كنت أسألها عن سبب هذه التعاسة، تجاوبني بأنه مجرّد تعبٍ. في يومٍ سمعتها تتحدّث مع أبي طالبةً منه أن أتوقّف عن العمل لأنني صغيرٌ جدا فكان جوابه "خلّيه يتعلّم ويعرف قيمة الشّغل" عندها بدأت أمّي بالبكاء ولم تتلفّظ بكلمةٍ أخرى. كنت ألقي باللّوم كثيراً على أبي، الّذي أجبرني بشكلٍ غير مباشر بأن أعمل. ظننت في البداية أنه خيار جيد، حتى بدأت العمل الجديّ في المنشرة، حيث طلب أبي من المعلّم يوسف أن يعاملني مثلي مثل أيّ عاملٍ آخر في المنشرة وليس كولد. هذا الطلب كان مغرياً بالنسبة إليّ أولاً – أيّ معاملتي كشخصٍ ناضج – لكن الإغراء لم يدم طويلاً، فالتوبيخ لاحقني طوال فترة عملي بالمنشرة بالرّغم من محاولة المعلّم يوسف تهدئة الأمور من جديد في آخر النّهار. معاملتي كشخصٍ ناضج وأنا في الثالثة عشرة كان قاسياً وحملُ ثقيلُ، فلا يمكنك عصيان أوامر "المعلم" مهما كانت صعبة، يجب القيام بالمهمّة.

عطلة الصيف لم تعد عطلة
عطلة الصيف ليست عطلة بالنسبة للطفل العامل، كان علي أن أستيقظ من النوم في الصّباح الباكر للذهاب إلى العمل، في الوقت الذي كان أصدقائي يمرحون على البحر طوال الصيف، كم فَوت من مشاريع مع الأصحاب بآخر لحظة بسبب العمل. الغبرة، التحميل، النشارة، التكنيس، جميع هذه العوامل أخذت جزءاً كبيراً من حلاوة الصيف، شعرت بنوع من الحرمان في فصل الصيف وما يأتي معه من تسلية و"مشاوير". والضيقة الّتي حصلت مع عائلتي في وقتٍ معيّن، أشعرتني أنّه من مسؤوليّتي المساهمة في "المصروف" من دون تسجيل اعتراضات، بالرّغم من أنني كنت أعود معظم الأيّام من العمل وأنا أبكي لأنني لا أريد العودة الى المنشرة، والأسوء كان شعوري بالغيرة من أخي الذي يصغرني بعامين، والذي كان يقضي وقته بين المنزل والأصحاب في حين كنت أذهب أنا كلّ يوم إلى العمل.

إعلان

لست متسول
في كثير من المرّات سيتم التعامل معك وكأنك متسول وكأنك بانتظار أن يقوم أحدهم بالإشفاق عليك، في إحدى المرّات قرر أحد الزبائن إعطائي بقشيش بعد يوم عمل طويل ولكني شعرت بالإهانة وكأنني "أشحد" منه فكان جوابي "ضبّ مصرياتك، وشبّع حالك." انصدم الزبون لجوابي ولم يُعلق، طبعا ضمنياً كنت أعرف أنني أستحقّ هذا البقشيش، لكن لم أكن أريد أن أتنازل.

يوم الراتب هو يوم عيد
كان كل يوم عمل يوازي خمسة آلاف ليرة (حوالي 3.5$)، وكنت أحصل على هذا المبلغ تحديداً كل يوم سبت وكان بمثابة يوم العيد. كنت أشعر أنني من أثرى الأشخاص، وكنت أفكّر بجميع الطرق الممكنة لصرف هذه الأموال "الطائلة" وكان دائماً الحلّ الأنسب هو "عزيمة على العشا." كم كانت فرحتي كبيرة عندما كنت أعود إلى البيت وداخل محفظتي أموال حصلت عليها بتعبي.

سوء الحظ سيرافقك في بعض الأيام
كنا في أحد الورشات في أحد المنازل عندما تعثرت وكسرت مزهرية قديمة جداً ومهمّة بالنسبة للزبونة، فقرر المعلّم خصم سعر المزهرية من معاشي. طبعاً حزنت جداً، لأنه كان حادثاً ولم يستمع صاحب العمل إلى أي من تبريراتي، ثمّ في نفس اليوم، كسرت مقبض الباب، وتلقيت ملاحظة أخرى من قبل صاحب العمل ومن الزبونة مجدداً. لم يكن من السهل التعامل مع الحظ السيئ والتوبيخ المستمر والعمل الشاقّ، في بعض الايّام كنت أرفض العودة إلى العمل، ولكني كنت أعود في اليوم التالي.

هناك لحظات ستشعرك بالسعادة
في أوّل يوم بدأت العمل فيه في المنجرة شعرت بالبهجة والدهشة عندما بدأت مراقبة كيفيّة تصنيع الأشياء الّتي نستخدمها يومياً والمراحل الّتي تمرّ بها لكي تصل إلى مرحلتها الأخيرة، وبدأت أتعرف على أنواع الخشب، الألوان، الماكينات. كانت الرحلة مع "المعلّم" إلى السوق، تشبه الرّحلة المدرسيّة بالحماس الّذي يأتي معها، وكنت أصرّ دائماً على القيام بهذا "المشوار." أمّا المحاولات لاختراع شيء معيّن فقد كانت لا تعدّ ولا تحصى، بالرّغم من أنني لم أكن أفهم ما كنت أجرّب القيام به إلّا أنني كنت أجرّب مراقباً يدي "المعلّم" خلال العمل وأحاول تقليده، وعندما كان يُطلب منّي المساعدة في جمع أطراف كرسيّ أو طاولة، فكنت أشعر بأنني أصبحت المعلّم نفسه. لا زلت أذكر سعادتي في ذلك اليوم عندما أصبح لديّ المتر الخاصّ بي الذي كنت أضعه حول خصري، والقلم الخشبي الّذي كنت أضعه وراء أذني كالمعلّم يوسف، ثمّ كان الإنجاز الأكبر عندما طلبت أمّي القيام بورشة في المنزل لتركيب غرفة، عندها طلب منّي المعلّم أن أركّبها بنفسي، وهذا ما حصل، وبقيت هذه الغرفة حديث العائلة لفترة طويلة.

ستحن إلى تلك الأيام، أو ربما ستحن لطفولتك
في إحدى زوايا المنشرة، حفرت اسمي في آخر يوم عملٍ، ومنذ خمسة عشرة عاماً، ما زال اسمي محفور على زاوية تحمل كلّ الذكريات والمشاعر، وهذا وحده كفيل بإعادتها جميعها اليّ بحنين ليس له مثيل. هي زاوية فراس الصغيرة، هذه الزاوية حملتني بأيّامي البائسة والجميلة، حيث تعلّمت الاتّكال على نفسي وتقدير قيمة المال الّذي حصلت عليه والذي مكنني من إكمال تعليمي المدرسي والجامعي ومن ثم إنهاء دراستي العليا في مجال الفندقة إلى أن أصبحت اليوم "شيف."

تجربة قاسية، ولكني لا أندم عليها
بالرّغم من قساوة أوّل تجربة خضتها بالعمل لأوّل مرّة في الثالثة عشرة من عمري، إلّا أنني اليوم لا أندم عليها. جزءٌ صغيرٌ منّي يشتاق إلى عمرٍ لم أعشه بالكامل، وإلى صيفيّات لم تعد صيفيّات منذ ذلك الحين.. جزءٌ منّي يلقي باللّوم على أهلي والجزء الآخر يشكرهم على هذا القرار المصيريّ. وإذا واجهت هذا الموقف في يومٍ من الأيّام، سأحثّ أولادي على العمل، لكن بالتأكيد ليس في هذا السنّ الصغير.

@Laylayammine9