نازحين ناجون من قصف مخيمهم في مأرب 2

نازحة نجت من القصف، أثناء مغادرتها مخيم التواصل بعد قصفه في 23 مارس 2021. تصوير: عبدالله الجرادي.

سياسة

استهداف مخيمات النزوح، جريمة حرب ترتكبها أطراف الصراع في اليمن

"الاستهداف المباشر أو العشوائي لمخيمات النازحين، يدل على وجود قصدية واضحة للأطراف المتصارعة"

الساعة السادسة صباحًا يوم 8 مارس 2019، خرجت الطفلة ملاك عمران (14 عامًا)، برفقة أشقائها الخمسة في رحلة نزوح سيرًا على الأقدام، باتجاه منزل جدها في مركز مديرية كشر، هربًا من الإشتباكات المسلحة التي اندلعت بين مقاتلي جماعة الحوثي والقبائل الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا في قريتها "طلان" بمحافظة حجة شمال غرب اليمن. لم تمض سوى دقائق حتى سمعوا صوت طائرة دون طيار يقترب نحوهم، قبل أن يتم قذفهم بصاروخ أفقدها ثلاثة من إخوتها، وأدخلها إلى العناية المشددة، وتسبب لها بإعاقة في قدمها، جعلها تتذكر الحادثة في كل خطوة.

إعلان

في حديثها لـ VICE عربية تسترجع ملاك الحادثة، وتقول: "لم تمر سوى دقائق من خروجنا من المنزل حتى سمعنا صوت طائرة بدون طيار يقترب، لم أعي شيئًا بعدها، وعندما أفقت كان كل جسدي ملفوفًا بالضمادات البيضاء، ثلاثة من إخواني استشهدوا، واثنان في غرفة العمليات المجاورة يصارعون الموت، كان يومًا داميًا لن أنساه طوال عمري."

"هربت مع أطفالي من منزلنا بعد أن قُتل زوجي برصاص قناص في مديرية نهم، شرق العاصمة صنعاء، وخوفًا من الحرب والقصف نزحنا إلى مخيم الميل، ولم نسلم من الحرب التي لحقتنا إلى المخيم،" تقول الخمسينية آمنة محمد - أحد سكان مخيم السويداء في محافظة مأرب لـ VICE عربية. " استهدف الحوثيون المخيم في 23 مارس 2021 الذي كان يأوي أكثر من 650 أسرة نازحة، نتج الاستهداف عن إصابة خمس نساء بجروح بليغة." تضيف آمنة: "بعد قصف المخيم نزحنا مع عشرات الأسر مرة أخرى إلى مخيم السويداء، وفي كل مرة نهرب من الموت إلى الموت."

في ساعة مبكرة من صباح يوم 30 مارس 2015، استهدفت مقاتلات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، مخيم "المزرق" للنازحين في محافظة حجة شمال غرب اليمن، تسبب القصف في مقتل وجرح عشرات النازحين الفارين من جحيم الحرب. كان هذا الاستهداف الأول للمدنيين وخاصة النازحين في اليمن (بحسب المصدر للأرشيف اليمني، والذي وثق ذلك من خلال المصادر المفتوحة وصور الأقمار الصناعية.) جاء هذا الاستهداف بعد 4 أيام فقط من انطلاق العملية العسكرية "للتحالف" ضد جماعة الحوثيين في اليمن. هذه الحادثة لحقتها حوادث أخرى، حيث تعرضت مخيمات النازحين في اليمن لاستهداف ممنهج من قبل جميع أطراف النزاع في انتهاكات القانون الدولي.

إعلان

في مطلع يوليو 2017، اشتدت المعركة بين القوات الحكومية وجماعة الحوثي، أبان سيطرة الأولى على معسكر خالد بن الوليد في مديرية موزع بمحافظة تعز غربي اليمن، حينها تسببت المعارك في المديرية بموجة نزوح إلى مخيم النازحين في المديرية ذاتها. في ظهيرة يوم الـ 19 من يوليو من نفس العام قصفت طائرات التحالف العربي مخيم النازحين في مديرية موزع، خلف ذلك الاستهداف أكثر من 20 قتيل بينهم نساء وأطفال بحسب بيان المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي أدانت الهجوم وصفته بالخبر الصادم.

يشهد اليمن حرباً ومعارك عنيفة منذ حوالي ٨ سنوات بعد انقلاب جماعة الحوثي على الرئيس عبد ربه منصور هادي، وسيطرتها على السلطة السياسية والعسكرية في البلاد، حينها أعلنت المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج والدول العربية إنشاء تحالف عسكري عربي لإعادة الشرعية في اليمن، والقضاء على جماعة الحوثي "ووقف تدخل طهران في الدول المجاورة" حسب تصريح أحمد عسيري - الناطق الرسمي باسم التحالف وقتها.

وتقول الأمم المتحدة إن الصراع في اليمن، أنتج أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث تشير الإحصائيات أن هذه الحرب خلفت أكثر من 4 ملايين نازح و300 ألف قتيل و700 ألف جريح ومُعاق، و4 ملايين شخص شُردوا من منازلهم، وأن هناك أكثر من 2 مليون يمني مهددين بخطر المجاعة.

طفلة مخيم التواصل.jpg

طفلـة مـن نازحـي مخيـم التواصـل فـي مأرب، يبـدو عليها التعب والإرهاق أثناء هربهم من قصف المخيم إلى مخيم السويداء، بعد أن تم تدميـر مخيـم التواصل بالكامل مطلع 2021، وكان المخيم يحتضن أكثر من 300 أسرة نازحة. التقطت في 23 مارس2021. تصوير: هشام الهلالي..

بالعودة لأرشيف الأخبار، والاعتماد على المصادر المفتوحة، عملت VICE عربية على رصد كل العمليات العسكرية التي استهدفت النازحين منذ اندلاع الحرب في اليمن، ووثقت فيها أكثر من 157 هجمة عسكرية، قامت بها الأطراف المتصارعة في اليمن على مخيمات وتجمعات النازحين، وأوقعت أكثر من 600 قتيل و700 جريح في صفوف النازحين، معظمهم من النساء والأطفال. وتُبين نتائج الرصد أن 6 عمليات قام بها طيران التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، فيما 21 عملية استهداف تتحمل مسؤوليتها القوات الحكومية، بينما جماعة الحوثي كانت مسؤولة عن 131 عملية استهداف.

إعلان

وتشير تقارير لتعرض ثلاثة مخيمات للنازحين في محافظة مأرب اليمنية للقصف بالمدفعية عام ٢٠٢١، ما أسفر عن سقوط جرحى من النازحين واحتراق خيمهم. وقالت مصادر محلية، إن مخيمات الميل والخير والتواصل الواقعة على المدخل الشمالي للمدينة تعرضت لقصف مدفعي شنه الحوثيون أثناء معارك مع الجيش الوطني، ما أجبر عشرات الأسر على النزوح مجدداً. 

في تصريح حصري لـ VICE عربية، يقول سيف مثنى، مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب: "أن مخيمات النازحين في المحافظة تعرضت منذ بدء الصراع في اليمن لأكثر من 123 عملية استهداف راح ضحيتها 115 قتيل بينهم 34 طفلا و23 امرأة."

وغالباً ما ترجع قوات التحالف هذه الاستهدافات لخطأ "غير مقصود" يتم إرجاعه إلى هفوات تقنية  أو معطيات استخبارية مغلوطة وأحوال جوية سيئة. وبحسب تقرير لـ "مواطَنة لحقوق الإنسان" و"هيومن رايتس ووتش" فقد شن التحالف ثلاث هجمات في اليمن أواخر يناير 2022، في انتهاك لقوانين الحرب على ما يبدو، أدت إلى مقتل نحو 80 مدنيًا، بينهم ثلاثة أطفال، وإصابة 156 بينهم طفلان. وفيما قال التحالف أن الهجوم كان على منشأة عسكرية. لكن مواطنة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش لم تجدا أي دليل يدعم هذا الادعاء.

في تغريدة، يبرر عبد المحسن طاووس، أمين عام المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الانسانية التابع لجماعة الحوثي، استهداف الجماعة لمخيمات النازحين في محافظة مأرب، بالقول "إن القوات الحكومية تستخدم المدنيين والنازحين كدروع بشرية، لإيقاف تقدم عناصر الجماعة" على حد قوله.

في ذات السياق، ينفى محمد القفيلي - المتحدث الإعلامي باسم الوحدة التنفيذية لتنظيم مخيمات النازحين في مأرب (تابعة للحكومة المعترف بها دوليًا)، في مقابلة شخصية معه، صحة ما قاله طاووس، موضحًا أن مخيمات النازحين أثناء الاستهداف كانت بعيدة عن مناطق الاشتباك. مضيفًا: "بعد هذه الادعاءات تم تكليف لجنة من النائب العام للنزول الى المخيمات التي تم قصفها واستهدافها من قبل الحوثيين، وبينت اللجنة أنه لم يكن هناك أي تواجد للجيش بالقرب من تلك المخيمات، وغالبية المخيمات التي تعرضت للاستهداف كانت مسرح يومي لشركاء العمل الإنساني في المحافظة من المنظمات الدولية والمحلية، التي كانت تزور المخيمات بشكل يومي لتنفيذ مهامها، دون وجود ما يثبت أن الجيش وثكناته كانوا في المخيمات أو بالقرب منها."

وأصبحت محافظة مأرب وجهة رئيسية للنازحين داخليًّا، حيث كانت بمنأى عن الصراع نسبيًّا. وبحسب آخر إحصائيات الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في محافظة مأرب وسط شمال اليمن، بلغ عدد النازحين الذين تحتضنهم المحافظة، نحو 2 مليون و300 ألف نازح، يتوزعون في 135 مخيم. وتقول الوحدة أن العدد مرشح للزيادة وذلك بسبب العمليات العسكرية المتصاعدة في جنوب المحافظة، منذ منتصف يناير 2020، حيث شهدت المديريات الجنوبية موجات نزوح واسعة، داخل مأرب نفسها.

إعلان

وبحسب القفيلي فقد تعرضت "المخيمات في مأرب لـ 123 عملية استهداف، خلَّفت نحو 115 قتيلًا ومصابًا، منهم 34 طفلًا و23 امرأة و41 رجلًا." 

ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تعتبر اليمن رابع أكبر دولة على مستوى العالم من حيث عدد النازحين داخليًّا بعد سوريا وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. كما أن واحدة من كل أربع أسر يمنية نازحة تعولها امرأة أو فتاة؛ 20% منهم تقل أعمارهم عن 18 عامًا

وتقول المفوضية السامية للاجئين، إن محافظة مأرب تستضيف 70% من اللاجئين الذين فروا من مناطق الصراع، منذ اندلاع الحرب في اليمن حيث أُجبر أكثر من ثلاثة ملايين شخص على مغادرة منازلهم، فيما لا يزال أكثر من مليونين منهم في عِداد النازحين داخل البلاد.

الخبير في القانون الدولي الإنساني، إياد دماج، يؤكد لـ VICE عربية، أن النازحين داخلياً لا تسقط عنهم، صفة السكان المدنيين بأي حال من الأحوال، وهم يتمتعون بالحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني لجميع الأشخاص الذين لا يشاركون أو كفوا عن المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية بحسب (اتفاقية جنيف الرابعة، تحديدًا المادتان 4 و27).

ويضيف: "لا يجوز أن يكون النازحين داخليًا كما هو الحال بالنسبة للمدنيين كافة عرضةً لأي هجوم مباشر ما لم يضطلعوا بدور مباشر في الأعمال العدائية.  وبالمثل، ينبغي حماية الأماكن التي يأوي إليها النازحون داخلياً، إذ تعتبر هذه الاماكن أعيانًا مدنية مكفولة الحماية وفقاً للقانون الدولي الانساني، طالما لا يتم استخدامها لأغراض عسكرية بحسب (البروتوكول الإضافي الأول المادة 51، والبروتوكول الإضافي الثاني المادة 13، والقواعد 1 و7 و14 و15و22 من القانون الدولي الإنساني العرفي)، كما ينبغي احترام حياة النازحين داخليًا وصون كرامتهم، كما يجب حمايتهم ومعاملتهم معاملة انسانية وفقًا لاتفاقيات جنيف الرابعة، المادة ٣ و٢٧ و٣٢."

إعلان
مخيم النازحين.. مأرب (1).jpeg

مخيم السويداء في محافظة مأرب، يحتضن حوالي 13 ألف نازح. التقطت في 1 أبريل 2021. تصوير: عبدالله الجرادي.

ويرى الناشط الحقوقي ومدير وحدة الرصد في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان أيمن الكناني، أن "الاستهداف المباشر أو العشوائي لمخيمات النازحين، يدل على وجود قصدية واضحة، حيث قد يستغل أحد أطراف الصراع لمخيمات النازحين كحائط صد لمنع الطرف الآخر من التقدم باتجاه المناطق التي يسيطر عليها، مشيرًا "إلى أطراف الصراع أصبحت لا تفرق بين ما هو مدني وما هو عسكري، لأن ما يعنيها هو تحقيق مكاسب ميدانية فقط."

ويشدد القانون الدولي الإنساني على حماية النازحين داخليًا من أنواع العقاب الجماعي، بما في ذلك استخدامهم كرهائن أو إخضاعها للاغتصاب، والعنف الجنسي، أو أيًا من الممارسات التي تحط من كرامتهم.

لا تقتصر عمليات استهداف مخيمات النازحين على الهجمات العسكرية فحسب، بل أن جميع أطراف الصراع في اليمن تقوم بانتهاكات أخرى تستهدف النازحين، تتمثل في منع وصول المساعدات الإنسانية ونهبها وتوزيعها بحسب رغبات نافذين وقيادات في أطراف الحرب، وهذا ما يؤكده الكناني لـ VICE عربية، ويقول: "هناك أنواع أخرى من استهداف مخيمات النازحين من قبل أطراف الصراع في اليمن، مثل منع وصول المساعدات الإنسانية، وهذا يحدث بكثرة حينما يتدخل الطرف المسيطر في توزيع المساعدات الإنسانية، وتحديد نسبتها أو الأشخاص المستفيدين منها، واستبدالهم بأشخاص آخرين، أو ارغام النازحين في المخيمات على عدم الإفصاح عن هذه المعلومات، وتهديدهم بخفض مستحقاتهم من المساعدات الانسانية الى أكبر قدر."

بموجب القانون الإنساني الدولي، يجوز للأطراف المتحاربة استهداف الأهداف العسكرية فقط وعليهم اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر اللاحق بالمدنيين، بما يشمل التحذير المسبق الفعال من الهجمات. وتعتبر الهجمات المتعمدة على المدنيين والأعيان المدنية محظورة، كما أن الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات لقوانين الحرب بقصد إجرامي - عمداً أو بتهور - مسؤولون عن جرائم حرب.

لا توجد هيئة تحقيق دولية حاليًا توثق انتهاكات حقوق الإنسان والهجمات غير القانونية من قبل أطراف النزاع في اليمن. في أكتوبر 2021، وتحت ضغط من السعودية والإمارات، صوّت "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" بفارق ضئيل لصالح إنهاء ولاية "فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن." ما أدى إلى إنهاء الهيئة الدولية المستقلة الوحيدة التي تحقق في الانتهاكات التي ترتكبها جميع أطراف النزاع في اليمن.