mateus-campos-felipe-9KngV0Hk3AU-unsplash
Photo by Mateus Campos Felipe on Unsplash


مقال رأي

عن حق النساء في أن يقلن لا بدون تقديم مبررات

القدرة على قول "لا" تهدف لأن تتمكن النساء في النهاية من قول "نعم" بدون خوف أو تردد

"مرة واحدة قالت لأ اتقتلت" قصة قصيرة مفجعة، ولكنها للأسف ليست خيالية، وللأسف أيضاً أنها ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. بطلة القصة الأولى هي نيرة أشرف، فتاة مصرية قتلت طعناً بالسكين الأسبوع الماضي قبل دخولها إلى بوابة جامعتها في مدينة المنصورة، على يد شاب كان قد حاول التقرب منها ولكنها -وكأي فتاة لها الحق في الرفض- رفضته. ولكن القصة لم تتوقف هناك، فعادت القصة لتتكرر مع امرأة أخرى في الأسبوع عينه، حيث قتلت الطالبة الجامعية إيمان أرشيد في الأردن داخل  أسوار جامعتها بعد أن قام أحدهم بإطلاق خمس عيارات نارية في رأسها قبل أن يلوذ بالفرار. نفس الأمر تكرر مع لبنى منصور، التي قتلت على يد زوجها بسبب رفعها قضية طلاق عليه بسبب تعنيفه المستمر لها. وقبل أيام، عثرت السلطات المصرية على جثة مشوهة للمذيعة شيماء جمال بعد اختفائها لأسابيع، ليتبين أن زوجها الذي يعمل في السلك القضائي المصري هو من قتلها.

إعلان

مؤخراً، انتشر هاشتاغ فين_امال_ماهر زوجة مُستشار الديوان الملكي السعودي تركي آل الشيخ السابقة ليثير علامات الاستفهام حول الاختفاء الغامض للفنانة المصرية الشهيرة بعد عام على إعلانها الاعتزال بشكل مفاجىء وحذف أغنياتها من على الإنترنت. وتحت الضغط الشعبي والمئات من التغريدات التي طالبت نقابة الفنانين المصريين بتوضيح حول حالة الفنانة، قامت صفحة آمال ماهر على انستغرام قبل عدة أيام بنشر صور لها على شاطىء البحر، ولكن هذا لم يكن كافياً لوقف تساؤلات الجمهور. قبل عدة ساعات، خرجت أمال ماهر للمرة الأولى في فيديو لـ "تطمئن" جمهورها عليها، بينما بدت عليها علامات الإعياء وخسارة الوزن بشكل ملحوظ، لتقول أن سبب غيابها هو إصابتها بفيروس كورونا. الفيديو أكد أن الصورة التي انتشرت قبل عدة أيام لأمال وهي تستجم على شاطئ البحر هي صورة قديمة بسبب الفرق الكبير بين حالتها الجسدية في الصورة والفيديو. 

على الرغم من أن جرائم قتل النساء في العالم العربي لا تتوقف، إلا أن هذه الجرائم أعادت فتح النقاش في ما يفترض أن يكون بديهياً، وأن نعيد "الحكي في المحكي" وهو أن رفض النساء للرجال لا يزال يشكل تهديداً مباشراً على حياتهن، كنتاج لثقافة مجتمعية ذكورية جعلت الكثير من الرجال يرى أن "أنا ما بينقالي لأ" وأنهن "يتمنعن وهن الراغبات" وأن "لا تعني نعم بلغة النساء" وغيرها من العبارات التي أنشأت رجالاً يرون في كلمة لا التي تأتي من النساء هو انتقاص من "رجولتهم." لم لا؟ فالرجل الذي نشأ في منزل يجعل كل طلباته مجابة، وأن شقيقاته ملزمون بتوفير الراحة والرعاية له، وأن والدته ستختار "أجمل عروس" له، هو نفسه هذا الرجل الذي لا يستطيع أن يتفهم البديهية التي تقول أن للمرأة حق الرفض دون إبداء الأسباب.

إعلان

إن هذه الثقافة ذاتها هي التي جعلت أحد هؤلاء الرجال قبل أكثر من عام يهدد المرأة التي ترفضه علانيةً بأشد أنواع العقاب، وذلك عن طريق كلمات مغناة تحت عنوان "عشان تبقي تقولي لأ." وفي كلمات الأغنية، يعبر هذا الرجل -لا أريد أن أسميه كي لا أعطيه أي قيمة إعلامية- عن أنه سيلحق أنواع مختلفة من العقاب بالمرأة التي يغني لها إذا قالت لأ. وعلى الرغم من أن صاحب الأغنية اضطر إلى حذفها بسبب الهجوم الشديد عليه، لما تحمله الأغنية من تبرير للعنف ضد المرأة التي ترفض الرجل، كان هناك العشرات ممن اختاروا أن يقوموا بدور محامي الدفاع عن الأغنية وما جاء فيها، بوصفها أغنية "غير جدّية" و"مسلية" وأن الهجوم عليها يندرج تحت "تعقيد الأمور أكثر من اللازم"أو "نسوية متطرفة" وغيرها من المبررات التافهة لتهديد علني للنساء. هذه واحدة من الكثير من الأمثلة في الأغاني والأفلام التي تشجع على العنف ضد النساء عند التعبير عن رفضهن أو التعامل معهن كملكية خاصة، كنتاج ثقافة ذكورية تعطي الرجال الكثير من الامتيازات فوق جثث النساء.  

أنا أرى أن جميع المؤسسات شريكة في هذا الواقع السام الذي نعيشه نحن النساء، بما في ذلك المؤسسات الاجتماعية، التعليمية، التربوية والدينية. فلا عجب أن يقوم الشيخ مبروك عطية بإلقاء اللوم على نيرة أشرف وتحميلها مسؤولية قتلها بسبب عدم ارتدائها الحجاب، وأن الحل لوقف مثل هذه الجرائم أن تقوم الفتيات بالإحتشام عند الخروج إلى الشارع. وعلى الرغم من أنني أشعر بالأسف لإعادة نشر هذه الأفكار البغيضة في هذا النص، ولكن هذا فقط لتأكيد أن هذه الجرائم ليست فردية، وأن جميع من يروّج لهذه الأفكار الذكورية والمحرّضة على المرأة هو جزء لا يتجزأ من جرائم العنف والقتل ضد النساء. لم يكن عطية الوحيد الذي حاول إيجاد مبررات لقتل نيّرة وإيمان، بل إن هناك الكثير من الأشخاص وجدوا أن "تكبر" الفتيات على الرجال الذين يحبونهم هو السبب في هذه الجرائم، وأن نيرة مثلاً لو اختارت أن تعطي هذا الشاب "فرصة" فلم تكن لتقتل.

لا يقتصر استنكار حق رفض المرأة أي علاقة لا تناسبها على المبادرين بهذه العلاقات فحسب، فكم من فتاة أجبرتها عائلتها على الزواج من شاب لا ترغبه فقط لأنه يحمل "جميع المواصفات المناسبة" بغض النظر عن مناسبة هذه المواصفات لصاحبة الشأن؟ ولا داعي لتوضيح أن هذه "المواصفات المناسبة" غالباً ما تتعلق بالوضع المادي والمهني للمتقدم، دون النظر لأي اعتبارات أخرى. فالحقيقة أن الكثير من النساء لا تملك حق رفض شاب تقدم لخطبتها إذا كانت أسباب الرفض هذه غير مقنعة للعائلة، وكل هذا يندرج تحت بند قهر النساء وسلب حرياتهن.

مع مرور الوقت، أصبحت عبارة "لا تعني لا" تستخدم من قبل  الأفراد بل والمؤسسات للتعبير أو حتى لإطلاق حملات تدعو لوقف العنف ضد المرأة، وتحمل هذه الحملات في فحواها ضرورة احترام خيارات المرأة المتعلقة بعلاقاتها العاطفية والجسدية، حتى وإن قالت المرأة لا بعد أن كانت وقالت نعم في البداية. وعلى الرغم من هذه الحملات تحمل الكثير من الإيجابية، إلا أن الحاجة لتفسير معنى كلمة لا عندما تنطق بها النساء هو مؤشر خطير على الوضع الحقوقي الذي تعاني منه المرأة، فهي مطالبة بتفسير ما تقصد من وراء كلمة لا، بل وأن تقوم بتقديم المبررات. إن الحاجة اليوم للتأكيد مرة بعد أخرى على حق النساء في أن يقلن لا في أي زمان ومكان ومناسبة هو جزء من مسؤوليتنا جميعاً في وقف هذا الظلم الواقع علينا كنساء.

ولكن المشكلة ليست فقط في تبربر الـ لا، ولكن كذلك بالحاجة لقول نعم صريحة. لقد ناضلت النسويات من أجل التأكيد على قرار المرأة بالموافقة على العلاقة وليس فقط الإذعان السلبي. بمعنى أن القدرة على قول "لا" تهدف لأن تتمكن النساء في النهاية من قول "نعم" بدون خوف أو تردد.