صحة نفسية

كيف تتعامل مع مريض بايبولار من وجهة نظره

 أنا لا اتعاطى مخدرات أو حبوب هلوسة، أنا أتألم
whereslugo-Y_gSNVjlCuw-unsplash
Photo by whereslugo on Unsplash

منذ مدة ليست ببعيدة كان لدي صديقة أحبها وتحبني، ولكن كان هناك شيء غير واضح بطريقة تعاملها معي، في بعض الأوقات تكون في غاية اللطف وفي أخرى تحتد بدون سبب، انتهت علاقتنا بعد أن وجهت لي كلامًا جارحًا جداً. اكتشفت متأخرًا أن هذه الصديقة كانت مُصابة بثنائي القطب، وأن ما كانت تمر به أصعب من أن تتحكم فيه بسهولة، بمرور الوقت اتسعت دائرتي لأعرف صديقة أخرى بايبولار ولكني كنت أكثر قدرة على التفهم هذه المرة، وبدأت أكتشف أن هذا المرض ثقيل الوطأة أكثر مما يحتمل أصحابه.

إعلان

اضطراب ثنائي القطب BiPolar disorder هو مرض نفسي يتميز بعد اتزان المزاج، يتحول فيه المريض من القمة إلى الحضيض ومن نشوة الشغف والجنون إلى هاوية الاكتئاب.  سُمي بثنائي القطب لأن به قطبين أي حالتين، كل قطب هو حالة شديدة الاختلاف عن الأخرى، الحالة الأولى هي الهوس الذي يصاحبه فرط في الانفعالات والمشاعر والرغبات وتواتر الأفكار، والقطب الآخر وهو الاكتئاب الذي يصاحبه شعور بالذنب ويأس وحزن وقد يقدم فيه المريض على الانتحار.

لا يعتبر اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني شكلاً أخف من اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول، ولكن تشخيصه منفصل. في حين أنه يمكن لنوبات الهوس من الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول أن تكون حادة وخطيرة، يمكن أن يصاب الأفراد الذين يعانون اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني بالاكتئاب لفترات أطول. تحدثت مع أربعة من مرضى ثنائي القطب عن تجربتهم مع المرض، وأشير أن هذه المحادثات تمت على عدة مرات، بسبب نوبات الهوس Manic episodes التي عانوا منها أثناء المقابلات.

بعد ابتعاد الجميع عني أصبحت أحجز نفسي بنفسي في المستشفى، حينما تنتابني نوبات الهوس وأشعر بأني أشكل خطرًا على الآخرين.  -سيد، 36 عامًا، مدرب سباحة

إعلان

متى تم تشخصيك كمريض بايبولار؟
الأمر وراثي من والدي، ورثته منذ الطفولة ولم أكن أعرف ذلك، ولكن تم تشخيصي كمريض منذ 18 عاماً بعد رحلة طويلة ومرهقة مع الأطباء النفسيين. قبل ذلك كنت أمر بأشياء غريبة ولا أفهم مغزاها، خاصًة في بداية المرحلة الإعدادية. قبل أن أتحدث عن تجربتي أريد أن أشير إلى حالة أبي، فهو أيضًا بيبولار وكان دائمًا مثيرًا للدهشة/الاستغراب بتصرفاته الغريبة، فقد كان أحد المصابين بهذا المرض في وقت لم يكن فيه الطب متقدم أو حتى معرفة الناس بهذا المرض واضحة، ولهذا تألم كثيرًا وتسبب بالكثير من المشاكل. ولم يعرف أنه بيبولار سوى على كبر. 

كانت طفولتك صعبة؟
بلا شك، نشأت في طفولة وجدت فيها أب غريب الأطوار حاد المزاج، ولهذا كنت أضع أبي كمثال لا أريد أن أكون مثله. خلال رحلتي مع المرض حدثت مواقف كثيرة في حياتي نتيجة نوبات الهوس. أثناء فترة أدائي للخدمة العسكرية، كجندي، حدثت مشاجرات كثيرة انتهت بإلقائي في السجن، بعد أن ضربت الكثير من الضباط والزملاء وكنت أفعل تصرفات جنونية مع الجميع، في نوبات الهوس لا يمكنني السيطرة على أي شيء.  أذكر أن أحد المشاعر التي تنتابني بقوة أثناء الهوس هي رغبتي في الانتقام من كل من آذاني في حياتي. أعترف أني صدامي وأكره الظلم بشكل عام. في نوبات الاكتئاب، خصوصًا في فترات الجيش الأولى، كنت أبكي بكاءًا مرًا لساعات طويلة، وأذكر أنني ظللت مستيقظًا من 10 أيام لأسبوعين دون أن أنام ساعة واحدة عندما لم أفلح في إيجاد دوائي.

كيف أثر مرضك على علاقتك بأهلك وأصدقائك؟
أهلي لم يهتموا أبدًا بمرضي، وهذا يحزنني كثيرًا، خاصًة عندما اكتشفنا مؤخرًا بأن أختي بايبولار أيضًا فوجدت أنهم اهتموا بها أكثر من اهتمامهم بمرضي ولا أعرف لماذا، ربما لأني الولد المشاغب كثير المشاكل بالنسبة لهم. أعيش الآن بعيدًا عنهم ورغم كل شيء أنا متضرر لأنه لا أحد بجانبي.  

إعلان

أما بالنسبة لحياتي الاجتماعية فكلها تبوء بالفشل، تزوجت في نوبة هوس لمدة 5 أشهر ولم تكتمل علاقتنا وكان مرضي جزء كبير من فشل العلاقة. ليس لدي أصدقاء الآن، كل فترة كنت أكون فيها أصدقاء أخسرهم بعد فترة، والكثير ممن يعرفوني يحاولون تجنبي اعتقادًا أني "بتاع مشاكل." كما يقول البعض أنني "أتمَارض" وهذه الكلمة تُؤلمني جدًا. حتى في العمل، أطول مدة عملت بها كانت لـ 10 أشهر فقط، إذ أنني دائمًا ما أتشاجر أو أحيانًا أقوم بضرب صاحب العمل. ولهذا قررت في النهاية العمل بشكل حر كمدرب سباحة. 

كيف ترغب أن يتعامل معك الناس كمريض بايبولار؟
بَعد ابتعاد الجميع عني أصبحت أحجز نفسي بنفسي في المستشفى، حينما تنتابني نوبات الهوس الشديدة وأشعر بأنني أشكل خطرًا على الآخرين. هناك علاج لمرضى البيبولار ولكن حتى العلاج ليس حلًا متاحًا دائمًا أو أمرًا سهلًا. لا بد لمريض البيبولار من أخذ الدواء بانتظام، وحتى أفعل ذلك لابد أن يكون لديك المال لشراء الأدوية وهي باهظة الثمن. وحتى إن كان كل ذلك متاحًا فالإلتزام ليس سهلًا. أعتقد أن الأمر يحتاج إلى الحب في المقام الأول، إن أحبني أحد بصدق وعرف كيف يتحملني سيساعدني ذلك كثيرًا. وهنا بعض الأشياء التي أريد أن يعرفها من يتعاملون مع مرضى الـ بايبولار:

-لا تبالغ في التفكير بتصرفاتي، إن عرفت بمرضي أعذرني وحسب.
-أنا "مش بتاع مشاكل" أنا لا أفتعل أو أكذب، أنا فقط مريض. 
-أنا لا اتعاطى مخدرات أو حبوب هلوسة، أنا أتألم. 
-الكلام اللاذع الذي يخرج مني أثناء النوبات لا أتحكم به. 
-إذا قلت لك أني أحبك أعرف أنني أحبك ولكن تحملني في اكتئابي.
-من الأفضل الابتعاد عني أثناء نوبات الهوس.
-أنا أؤذي من يؤذيني فقط ولا أقترب لأي شخص آخر أثناء نوبات هوسي.
-أندم ندمًا شديدًا بعد نوبة الهوس، ومن الممكن أن أدخل في نوبة اكتئاب بسبب ما قلته لأحد.
-سأعتذر وأندم لاحقًا عندما أنفعل عليك، لهذا لا تبالغ في ردود أفعالك التلقائية. 

نحن لسنا سعداء أو متحمسين كما نبدو، كل ذلك من أوهام المرض، لا تنخدع بها. -سماء، 29 عامًا

كيف أثر عليك المرض وكيف تتعاملين معه؟
تشخصت بثنائي القطب منذ 10 سنوات، واستهلكني المرض أكثر مما أحتمل، بعد تاريخ من الشجار الأسري، ووسط أم لا حول لها ولا قوة بسبب ثنائي القطب أيضًا، وأب قاسي عنيف وأخ مُستغل، تركت البيت واستقليت بنفسي، بعد أن خسرت معظم صداقاتي أيضًا. كثيرًا ما أبكي بسبب قراري، ولكن أراه الأفضل لي لأتجنب أذى وإيذاء الآخرين. فحياتي مع أسرتي كانت جحيم.

الوحدة والمرض يقتلاني. ولكن بالرغم من أن هناك الكثير من عروض الزواج، لي إلا أنني لا أحتمل فكرة الثقة في شخص آخر لدرجة أن أتزوجه الأمر مرعب، وفوق احتمالي وقدرتي على الاستيعاب، بالإضافة إلى أن هذا المرض يجعلني أشك في قدرتي على الزواج. من يراني من الخارج سيرى كم أنا ناجحة؛ فأنا متفوقة دراسيًا وطالبة دراسات عليا، وفتحت مشروعًا جيدًا لفترة ما، ولكن من الداخل الأمر مختلف تمامًا. في نوبات الاكتئاب، أبكي طوال الوقت، وأفكر كثيرًا بالانتحار. وفي نوبات الهوس أصرف كل نقودي، وأتعصب من كل شيء، و أثرثر كثيرًا.. 

إعلان

كيف تودين أن يتعامل معك من حولك؟
أنصح كل من يتعامل مع مريض ثنائي قطب بالآتي: في فترة الاكتئاب المريض لا يحتاج شيء سوى وجودك، إنما تعليقاتك ونصائحك وفرها لنفسك لأني أعيش حرب داخلية كافية لتدميري، يكفي أن تشاركني الشعور وحسب. في حالات الهوس أتصل بالطبيب فورًا، فنحن لسنا سعداء أو متحمسين كما نبدو، كل ذلك من أوهام المرض، لا تنخدع بها.

أريد من الجميع أن يُدركوا أنني لا أسيطر على ساعات نومي، إن نمت 3 أيام هذا ليس برغبتي.  -سالم، 29 عامًا، خريج تجارة

كيف هي حياتك مع هذا المرض؟
تشخصت بثنائي القطب منذ 4 سنوات تقريبًا، ولكن حتى أصل إلى هذا التشخيص عشت الكثير من الآلام والصعاب مع الأهل والأطباء والأصدقاء ومع نفسي أيضًا. نصحني بعض الأصدقاء بالذهاب إلى الدجالين أو المشايخ وذهبت ولم يكن لهم أي فائدة بطبيعة الحال. تاريخي مع الصراعات العائلية طويل، وكان لدي صديقة واحدة، كانت تعتني بي جدًا، إلى أن بدأت بالشك بها وكنت أشعر بأن جزء من مؤامرة، ويجب أن أنتقم منها. وعندها بدأت أدرك أنني في خطر فعلًا، ذهبت إلى طبيب لم يقدم لي أي مساعدة، وشككت أنه تابع للمخابرات. بعد هذا الموقف دخلت في دوامة اكتئاب حاد وأقمت سنة في المنزل منهم 8 أشهر داخل غرفتي تمامًا، وكنت أبكي طوال الوقت.

بعد الذهاب لخمسة أطباء، أولهم شك أنني مدمن مخدرات، وطلب تحاليل كثيرة حتى يتأكد أني لا أتعاطى شيئًا، وفي النهاية ظهر أنني مصاب بثنائي قطب وأن ما يحدث لي هو بسبب نوبات الهوس والاكتئاب. أثر المرض على حياتي العملية كذلك، فتركت عدة أعمال بسبب مرضي، من الصعب السيطرة على مشاعري أو أفكاري أو تحمل المسؤولية، فكل ما يُقال لي يتردد في عقلي كثيرًا ولا اتحمل اللوم، ولا أسيطر على نومي، وهذا كله يتعارض مع إلتزامي في العمل، بجانب خساراتي المتكررة في الصفقات التي أدخل بها. 

إعلان

كيف تود أن يتعامل معك من حولك؟
أريد من الجميع أن يُدرك أني لا أسيطر على ساعات نومي، إن نمت 3 أيام هذا ليس برغبتي، لهذا تعاملوا مع ذلك. الحساسية والمزاجية والانطوائية في فترة الاكتئاب كلها أشياء خارجة عن الإرادة، عليك أن تدرك ذلك جيدًا. من المهم أن يُدرك الجميع أن الدعم الذي احتاجه يختلف حسب الحالة، في وقت الاكتئاب أرغب في أن أكون بمفردي، ولكن في نفس الوقت أحب أن أتلقى بعض الدعم لأشعر بأنني موجود، كأن يتصل بي صديقي بدلاً من أن يأتي لزيارتي. وفي نوبات الهوس على الجميع أن يدرك أن ما يخرج من فمي لا إرادي وأنا غير قادر على التحكم به، لهذا تجنبني أو تحمل كلماتي التي قد تكون ثقيلة عليك، أنا لا أتحكم في ما أقول.

يجب أن تكون مرحلة العلاج رحلة يسير فيها  الطبيب والمريض سويًا، لا علاقة تعالي.  -مينا، 33 عامًا، يعمل في التسويق

متى تم تشخيصك كـبايبولار؟
لم يتم تشخيصي بثنائي القطب إلا منذ عام ونصف، ولكن المرض لدي منذ الطفولة لأنه وراثي، ولم أكن أفهم ماذا يحدث لي. بدايةً أنا ثنائي قطب من النوع الثاني، وخلال حياتي كنت أتعرض لمواقف كثيرة لم أفهم خلالها ماذا يجري بالتحديد. كنت أعمل في مجال التسويق والمبيعات ومُحاط بمهام ومسؤوليات ضخمة، ولكن فجأة أشعر بفقدان الطاقة التام لكل شيء، ولكن في نفس الوقت لدي مسؤوليات كبيرة لا يمكنني تركها، كنت أُكافح جاهدًا لأنهض من السرير.

عرفت بعد قراءات كثيرة ورحلة مع الأطباء أنني مصاب بثنائي القطب. قرأت كثيرًا عن المرض وبدأت أتعامل مع أطباء ومرضى حتى أفهم أكثر عما أمر به، وكان ذلك يضيف لي كثيرًا، وتدريجيًا تمكنت من السيطرة والتوازن، وأصبحت أهون على نفسي، وأترك لها العنان لترتاح أثناء الاكتئاب والتعب. 

ماذا عن من حولك؟
والدتي تعرف أني مصاب بنوبة اكتئاب وتتركني لأرتاح، أما الأصدقاء فلا يفهمون شيئًا عن المرض أيضًا، وبصراحة أنا لا أحكي من الأساس؛ إذ أشعر بالإجهاد من التفكير في شرح الأمر لهم، ولكنهم بشكل عام دعموني كثيرًا حتى وهم غير مدركين لما يجري، وأنا ممتن وأقدر ذلك كثيرًا. 

كيف تود أن يتعامل معك من حولك؟
المشكلة الأساسية هي في مؤسسات الصحة النفسية؛ هناك ضرورة لتغيير طريقة تعامل الأطباء مع المريض، إذ أنها طريقة مليئة بالتعالي وطلب الانصياع للأوامر لا أكثر. يجب أن تكون مرحلة العلاج رحلة يسير فيها الطبيب والمريض سويًا، لا علاقة تعالي. هذا بالإضافة إلى وجود الكثير من الأطباء الغير مؤهلين، فكثير من الأطباء النفسيين أنفسهم ينظرون للمرض النفسي كوصم.

الأمر الثاني الذي يضايقني هو انعدام الوعي العام بالثقافة والصحة النفسية، والأمر الأخطر هي تلك الرسائل السلبية التي تربط المرض النفسي بالضعف أو البعد عن الله. بجانب ذلك يحبطني الدعم النفسي الذي يقدمه مرضى البيبولار أنفسهم، على مجموعات فيسبوك أو غيرها، كله مُحبط ومليء بالطاقة السلبية، حتى أنني أشعر أنهم يتنافسون في إظهار الأكثر ألمًا ودمارًا بينهم. فحتى المرضى لا يعرفون كيف يدعمون أنفسهم، وأنا لا ألومهم كثيرًا، فثقافتهم في النهاية هي نتاج المجتمع الذي نعيش فيه. 

-جميع الأسماء مستعارة