GettyImages-1233628847

صور متظاهرين فلسطينين يحملون صورة الناشط نزار بنات. ABBAS MOMANI/AFP/ Getty Images

سياسة

نزار بنات ومسلسل قمع الحريات من السلطة الفلسطينية

هل يطيح مقتل نزار بنات بحكم الرئيس محمود عباس؟

في الـ 24 من شهر يونيو الماضي، هاجمت قوة من عناصر الأمن الفلسطيني منزل الناشط السياسي المعارض للسلطة الفلسطينية، نزار بنات، في منزله بمدينة الخليل. اعتدت القوة الأمنية عليه بالضرب فجرًا داخل منزله قبل اعتقاله بحسب شهود عيان من عائلته. بعد ساعات من الاعتقال، أعلنت الأجهزة الأمنية عن وفاة بنات، مدعية أن وفاته طبيعية نتيجة تدهور في حالته الصحية، فيما أكدت العائلة أنه تعرض للتعذيب، قبل نقله للمستشفى وإعلان وفاته. 

إعلان

في ذات اليوم، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني ووزير الداخلية الدكتور محمد اشتيه عن تشكيل لجنة تحقيق وتشريح الجثمان. شارك في عملية التشريح طبيب عن العائلة، وعمار الدويك رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، والذي كشف "وجود إصابات تتمثل في كدمات وتسحجات في مناطق عديدة من الجسم، بما في ذلك الرأس والعنق والكتفين والصدر والظهر والأطراف العلوية والسفلية، مع وجود آثار تربيط على المعصمين، وكسور في الأضلاع."

لجنة للتحقيق في مقتل نزار
عُرف الناشط السياسي بنات، بمعارضته لسياسات الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح، مركزًا انتقاداته اللاذعة للسلطة الفلسطينية ورموزها لسنوات، وكان أحد أبرز مرشحي قائمة الحرية والعدالة خلال الانتخابات التشريعية التي دعا لها الرئيس عباس في يناير الماضي، ومن ثم قرر تأجيلها نهاية أبريل الماضي لأجلٍ غير مسمى.

مؤخرًا، وقبل وفاته -قتله- بيوم، خرج بنات بفيديو على فيسبوك، انتقد فيه ما أسماه "فضيحة اللقاحات" التي كانت الحكومة الفلسطينية برام الله قد عقدتها مع شركة فايزر للحصول على مليون لقاح كورونا من إسرائيل، مقابل إعادتها بعد وصول لقاحات تم شرائها خلال العام الحالي، لكن تبين أن اللقاحات تنتهي صلاحيتها بعد أيام فقط من استلامها. الصفقة أثارت غضب الفلسطينيين، وتم إلغاءها لاحقاً.  

إعلان

إعلان رئيس الوزراء محمد اشتيه فتح لجنة تحقيق بمقتل الناشط بنات لم يخفف الانتقادات والاتهامات بأن الأجهزة الأمنية كانت السبب وراء وفاة نزار، وأعلن عدد من إعضاء اللجنة انسحابهم، منهم طبيب العائلة الدكتور حازم الأشهب، الذي حضر التشريح وانسحب في اليوم الثالث للتحقيقات بطلب من العائلة، بعد شكوكها من عدم نزاهة التحقيق. كما اعتذر الدويك عن المشاركة في التحقيقات التابعة للحكومة، واستمرار عضوين فقط محمد الشلالدة وزير العدل، وماهر الفارس نائب رئيس الاستخبارات. وتطالب عائلة بنات بمساندة المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية، لإعداد مذكرة قضائية ترفعها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتطالب بإقالة المسؤولين عن قتل ابنهم، ومحاسبتهم، حتى لا تلجأ إلى ما أسمته "الدم والنار والبارود."

وكانت قررت محكمة الجنائية الدولية في 3 مارس 2021، أعلنت عن فتح تحقيقات في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلال العقود الماضية، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويشمل التحقيق كذلك في ممارسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وحركة حماس في قطاع غزة ضد معارضينهم.

إعلان

قمع الحريات
لم يكن يعلم نزار، ٤٣ عاماً وأب لأربعة أطفال، أن إثارته لـ "فضيحة اللقاحات" والتطرق لفساد السلطة سيؤدي لمقتله. كما لم يكن يعلم أن مظاهرات شعبية ستنطلق في المدن الفلسطينية وتحديدًا بالخليل ورام الله هاتفين "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل ارحل يا عباس" بالإضافة المطالبة بمحاسبة كل من اتخذ القرار وشارك بقتله.

وخرجت يوم السبت ٣ يوليو مظاهرات شعبية احتجاجية حاشدة على دوار المنارة في رام الله مع هتافات "يا للعار ويا للعار السلطة تحت البسطار"، "يا سلطة الكلاشينات بكفيكي خيانات" في مطالبة شعبية واضحة برحيل الرئيس عباس عن الحكم، الذي يعتليه منذ 2005 حتى اليوم.

المظاهرة التي خرجت يوم السبت لم يتعرض لها أي من الأجهزة الأمنية، على عكس المظاهرة السابقة التي خرجت في رام الله عقب مقتل نزار، حيث تم مهاجمة المتظاهرين، وتصدت الأجهزة الأمنية للمتظاهرين والصحفيين في رام الله بقنابل الغاز والصوت، والهروات والاعتقال، وسرقة الهواتف على أيدي أفراد بلباس مدني يتبعون للأمن.

يقول الصحفي إبراهيم الرنتيسي مراسل TRT عربي، من رام الله لـ VICE عربية الذي كان متواجدًا لتغطية المظاهرة في رام الله يوم السبت 26 يونيو: "كنت أستعد للخروج في بث مباشر أمام الكاميرا، عندما هاجمني رجال أمن بلباس مدني وأمرنا بعدم استخدام الكاميرات، وهددوا بتكسيرها، كما هددوا ومنعوا زملائي في البث المباشر من الخروج بأي صورة من المكان."

الصحفية نجلاء زيتون، مراسلة شبكة قدس الإخبارية وأحد الصحفيات المشاركات في تغطية المظاهرة التي انطلقت يوم 26 يونيو، ما بين دوار المنارة ومقر المقاطعة -مقر الرئيس- تقول أنها تفاجأت بشخص بلباس مدني من خلفها حاول سرقة هاتفها، وشخص آخر من أمامها هاجمها بشكلٍ مباشر، ضربها بيده ثم حاول ضربها بآله حادة على رأسها وتضيف: "لولا تدخل المحيطين لحمايتها لكان قد أصابني بشكلٍ مباشر. كان هناك شخص ثالث هاجمني وسرق هاتفي وهرب نحو رجال الأمن والشرطة، وسلمه الهاتف. وعندما طلبت إعادة الهاتف من رجال الأمن استهزأوا بي، وخرجت من بين رجال الأمن سيدة بلباس مدني، وهاجمتني. حاولت سؤالها من تكون؟ وأخبرتني أنها ابنة الأجهزة الأمنية، وطلبت من الشباب الذين حولها بالحرف قائلة "جبولي إيها وافضحولي عرضها."

إعلان

تشير نجلاء أنها كانت ترتدي سترة الصحافة بشكل واضح، وحاولت الانسحاب لمنطقة كانت تعتقد أنها أكثر أمان بين زملائها، إلا أنه تم ملاحقتها وملاحقة صحفيات أخريات من رجال بلباس مدني: "كانوا يحاولون ترهيبنا بعائلاتنا ليمنعونا من النزول للعمل وتغطية الأحداث والتظاهرات، وقمعهم للمتظاهرين." 

وفي مؤتمر صحفي عقدته مؤسسة الحق، لتسليط الضوء على الاعتداءات التي مورست بحق الصحفيات خلال تغطية المظاهرات، روت صحفيات تفاصيل ما حدث معهنّ، وتعرضنّ له من سرقة هواتفهنّ ونشر لصورهنّ ولمحادثاتهنّ على العام، بطريقة تنتهك خصوصيتهنّ بشكلٍ واضح من قبل الأجهزة الأمنية في رام الله.

ووثقت مؤسسة هيومن رايتس ووتش، في تقريرها للأعوام 2018 و 2019 و 2020، عشرات الانتهاكات التي قامت بها السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، لحريات الرأي والتعبير واعتقالات لمواطنين وصحفيين على خلفية حرية الرأي والعمل الصحفي. واستمرت الانتهاكات على الرغم من تعهد رئيس الوزراء محمد اشتية بإنهاء الاعتقالات التعسفية في ٢٠١٩، واصدار عباس في 20 فبراير 2021، مرسومًا يؤكد على الحريات العامة واحترامها.

حركة حماس في قطاع غزة من جهتها استغلت حادثة مقتل بنات لمهاجمة السلطة الفلسطينية وكأنها لم تقمع الحريات في قطاع غزة، وتعتقل مواطنين على خلفية ممارسة حرياتهم، منها على سبيل المثال قضية مقتل عصام السعافين في سجونها خلال العام الماضي 2020.

الجميع خاسر
ربما قتل الناشط بنات على أيدي الأجهزة الأمنية ورد فعلهم على العنيف على المتظاهرين خلال الأسبوع الأخير، يدفعنا للتساؤل "هل يطيح نزار بنات بالرئيس عباس والسلطة الفلسطينية عقب مقتله؟" عصمت منصور، الخبير السياسي الفلسطيني يرى أن ما حدث لنزار أحدث صدمة للجمهور الفلسطيني، كونه معارض سياسي سلمي ومرشح سابق للانتخابات التشريعية، وهو ما دفع النشطاء للتساؤل حول إذا ما كان ذلك سيصبح نهجًا لدى الأجهزة الأمنية في تعاملها مع معارضيها.

ويضيف: "الناس في حالة غليان شعبي وسخط على السلطة بعد انتشار الفساد السياسي وغياب المجلس التشريعي ودوره الرقابي على أداء السلطة على مدار الأعوام الماضية، وكانت حادثة نزار، عبارة عن الشرارة التي فجرت ردة الفعل هذه ضد السلطة وأفعالها. أعتقد أن استمرار السلطة في تجاهلها لكل المطالبات الشعبية واستمرار حالة الغليان في يعيشها الشارع الفلسطيني، ستوسع الهوة بين السلطة والناس في الشارع. الجميع خاسر في هذه الحالة."

وكان قد أثار الرئيس عباس جدلاً في الشارع الفلسطيني عقب إعلانه في 30 أبريل الماضي، إلغاء انتخابات رئاسية وتشريعية طال انتظارها، منذ 15 عامًا، وكانت مقررة في 22 مايو الماضي، مبررًا إلغائها بعدم سماح إسرائيل إجرائها في شرق القدس. ويقول منصور، أن احتواء السلطة لغليان الشارع، يجب أن يكون بإدخال إصلاحات وإعطاء أمل بالانتخابات، ويضيف: "أعتقد هو الضامن الوحيد ألا نصل إلى حالة اقتتال في الشارع الفلسطيني، والتي قد تدفعنا للمجهول."