FYI.

This story is over 5 years old.

كأس العالم 2018

لماذا انتظر الروس بفارغ الصبر استضافة “أعدائهم” في كأس العالم

سافرت في جميع أنحاء روسيا لأعرف كيف هو شعور شعبها نحو الترحيب بالمشجعين القادمين من دول وصفت بأنها "العدو"

هذه المقالة ظهرت في الأصل على VICE Germany

لا يخفى على أحد أن روسيا لديها علاقات مضطربة مع الغرب، فعلى ما يبدو كل شهر هناك قصة جديدة عن خرق دولي حول شيء ما، سواء كان ذلك متعلق بالتدخل في انتخابات بعضهم البعض، أو شائعات عن أشرطة تظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع عاملات جنس روسيات، أو مزاعم بأن روسيا قامت بتسميم جاسوس سابق وابنته في مطعم إيطالي ببريطانيا.

لكن عام 2018 يوفر لروسيا فرصة لإعادة تقديم نفسها ولو قليلا للعالم، حيث تستضيف البلاد كأس العالم FIFA 2018 ، من 14 يونيو إلى 15 يوليو ، وترحب بالناس من جميع القارات، والذي يقدرون بحوالي مليون شخصًا، ومشاهدات بالمليارات عبر التلفزيون والانترنت.

إعلان

قبل بضعة أسابيع من انطلاق البطولة سافرت إلى روسيا من بيتي الجديد في ألمانيا لمحاولة فهم الحالة المزاجية في روسيا الآن قبل استضافة الدول المشاركة في كأس العالم.

في أهدأ الأوقات وأكثرها سلما، هناك القليل من الأشياء التي تلغي النزعات القبلية ضد الآخر مثل الرياضة، ولكن تفشي النزعة القومية في كأس العالم يمكن أن يتسبب في حدوث أي شيء.

فتاة روسية تحمل صورا لأقارب لها قضوا في الحرب العالمية الثانية

كانت محطتي الأولى هي موسكو، حيث يعمل فلاديمير بوتين بجد لإثارة العداء مع العديد من القادة الغربيين بقدر استطاعته، قبل بضعة أشهر فقط، تم انتخاب الرئيس الروسي بنسبة 77 في المائة من الأصوات في سباق كان يضم رجل واحد، حيث لم يسمح لأبرز مرشح للمعارضة وهو أليكسي نافالني بالوقوف أمامه. كما أن معظم وسائل الإعلام مملوكة للدولة، وحسب مراسلون بلا حدود ، فإن روسيا تحتل الآن المرتبة 148 في العالم لحرية الصحافة.

مثل كل مدينة مضيفة في الماضي ، تقوم موسكو بكل ما في وسعها لإخفاء عيوبها بشكل مؤقت قبل نهائيات كأس العالم، مما يقضي على الأشياء التي تعطي المدينة طبعها الخاص.

تم تنظيف المناطق التي تم تحديدها كأماكن مخصصة للمشجعين، وتم حظر الـ "marshrutkas" في المدينة - وهي حافلات صغيرة غير رسمية ملونة - حتى بعد انتهاء البطولة.

لم يكن باستطاعة حافلات marshrutkas أن تسير في شوارع موسكو في اليوم الذي كنت فيه هناك، كان ذلك في 9 مايو ، وتم تعليق العمل المعتاد في احتفالات يوم النصر السنوي في روسيا، والذي يتم فيه الاحتفال باستسلام النازيين في "الحرب الوطنية العظمى" - أو الحرب العالمية الثانية ، إذا كنت تفضل ذلك.

شاهدت بوتين في الكرملين بينما كان الجنود والدبابات يسيرون نحو الميدان الأحمر، في حين أن الطائرات الحربية التابعة للقوات الجوية رسمت ألوان العلم الروسي في سماء الصباح. وقال بوتين في خطابه للبلاد "هناك أشخاص يحاولون التقليل من أهمية دور وطننا المجيد في هزيمة الفاشية، لن ندع ذلك يحدث!" وعادةً ما تكون نبرة خطابات يوم النصر أكثر تصالحية، مع التركيز على النضال الجماعي الذي يخوضه المجتمع الدولي ضد النازيين، لكن ليس في هذا العام.

إعلان

طفلان روسيان يعزفان الموسيقى باللباس العسكري الروسي في ساحة النصر

كان واضحًا من حديثه أن بوتين يشعر بالأمان والثقة على عرشه أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من ذلك ، فقد انضم إليه في أحد المسيرات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الصربي ألكسندر فويتش هذا العام.

خلال الأشهر القليلة الماضية، كان بوتين حريصاً على التأكيد على أنه ليس معزولاً دولياً، وأن استضافة كأس العالم سوف تساعد بلا شك على تعزيز هذه الصورة. في ذلك اليوم، بدت موسكو تروج للفكرة الحكومية عن الصيف المثالي فيها، وعدم وجود كحوليات، والكثير من الشباب يعملون هنا كمتطوعين، ويوزعون المياه على المشاة.

بالقرب من المكان الذي أقف فيه، مجموعة من المحاربين القدامى المسنين الذين يرتدون الميداليات المصقولة يمشون أمام بعض اللافتات المنعزلة التي تروج لستالين، لكن مشاهد مثل هذه قليلة وتحدث على فترات متباعدة، وهذا في الأساس حدث عائلي ، حيث يركض الأطفال الذين يرتدون الزي العسكري مع بعضهم البعض ويقومون بإطلاق النار على بعضهم البعض بواسطة مسدسات وهمية.

وبين هذه الحشود، رجل واحد يبرز بشكل خاص، إنه يرتدي قبعة بيسبول حمراء وقميصا رمادي اللون، الرجل يحمل صورة لوالده بالزي الرسمي، يُعرف نفسه باسم "ريجيس تريمبلاي" من ولاية ماين، في الولايات المتحدة.

قال لي تريمبلاي، الذي عرّف نفسه بأنه مخرج مستقل وناشط سلام، يبلغ من العمر 73 عامًا: "أنا هنا من أجل البحث عن الحقيقة"، حيث يقوم بتوثيق رحلته إلى موسكو لإظهار الناس في وطنهم بأن روسيا ليست سيئة كما كانوا يعرفون.

ريجيس تريمبلاي

ويضيف تريمبلاي: "إنهم يعتقدون أن كل شيء هنا لا يزال يبدو كما كان في عهد ستالين.. في الواقع، تبدو موسكو أكثر تنظيما بكثير من غالبية المدن الأمريكية الكبرى".

إعلان

وبعد ثوان، يسير أحد الرجال المسنين في روسيا، بمساعدة ابنته، وبلطف ليرحب بترمبلاي في موسكو، قائلا: "أنا سعيد لأنك هنا"، وبينما يقوم الرجلان بمصافحة بعضهما البعض، كان هناك الكثير من الناس يبتسمون ويلوحون بأيديهم أمام المخرج، إن الأمر يبدو كما لو أن روسيا والولايات المتحدة حققا تحسن أفضل في علاقتهما.

وذكرني طبيب بيطري آخر بالعلاقة بين روسيا والولايات المتحدة قائلا: لقد اعتدنا على القتال جنبا إلى جنب.. لماذا ينسى الجميع ذلك دائمًا؟

إن قوة الرياضة - وخاصة كرة القدم – لرأب الصدع بين دول العالم هي قصة معروفة غالباً ما يروج لها الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA، ومن المرجح أن هذا الأمر يتسبب في بيع أكثر للتذاكر، لكن أغلبية الروس الذين تحدثت إليهم هنا يبدون متحمسين حقا تجاه الترحيب بالزائرين من جميع أنحاء العالم.

إنه لأمر مدهش بعض الشيء بالنسبة لي ، مع الأخذ في الاعتبار أن التلفزيون الرسمي الروسي يُذكّر باستمرار جمهوره بأن العديد من هذه الدول خرجت لإسقاط روسيا، ولكن الناس يقولون لي هنا إنهم يعتقدون أن الترحيب الحار يمكن أن يغير النظرة السلبية للعالم عن وطنهم.

أقترب من نقاط التفتيش الأمنية المؤدية إلى الساحة الحمراء، وهي النقطة المحورية لأحداث اليوم، مع التدابير الأمنية المضافة التي أصبحت قائمة الآن في جميع أنحاء المدينة كرد فعل على الهجمات الإرهابية الأخيرة وكإجراء احترازي قبل البطولة، والسكان المحليون أيضا يتعرضون لمزيد من المشقة، ويصطفون في طابور.

في الساحة الحمراء، يوجد جيش أكبر من المتطوعين المتحمسين بشكل جدي لتحية الحشود، والحفاظ على الروح المعنوية، وتقديم يد المساعدة لكبار السن لعبور الشارع، وشرح للسائحين بالتفصيل الدقيق كيفية عمل شبكة المترو.

إعلان

ووفقاً للحكومة الروسية، فإن عدداً كبيراً من الطلاب من جميع أنحاء البلاد قاموا بالتسجيل كمتطوعين، وهو ما يعتبره البعض علامة على أن الشباب الروس هم وطنيون تماماً مثل الأجيال السابقة.

بعد أيام قليلة، أريد أن أرى كيف تؤثر البطولة على أجزاء أخرى من البلاد، استقليت القطار من موسكو إلى مدينة ﺑﻴﻴﻜﺎﺗﻴﻨﺒﺮغ، المدينة المضيفة في أقصى الشرق، في منطقة الأورال ، حيث ولدت أنا، الرحلة من العاصمة الروسية إلى ايكاترينبرج هي مثل رحلة العودة تماما.

لقد ضربت العقوبات الاقتصادية العالمية الأخيرة المناطق الريفية الأكثر ضررا، ولم تعمل إلا على توسيع الفجوة بين أغنى وأفقر أغنياء روسيا.

ووفقاً لإدارة الإحصاءات الروسية، فإن 20 مليون شخص في البلاد يعتبرون فقراء (15 مليون في عام 2012)، ويعيشون على أقل من 9.452 روبل (113 جنيهاً إسترلينياً) في الشهر 15 مليون في عام 2012.

في حوالي منتصف الطريق من ركوبي القطار - أكثر من 15 ساعة - قابلت ساشا في عربة الطعام، شاهدته يتسلل بعيدا كل 20 دقيقة للوقوف وشرب السجائر في الفجوة الخطيرة التي تتواجد بين العربات بشكل لا يصدق.

قال لي ساشا: لم أتحدث إلى شخص يعيش في الغرب من قبل، وذلك قبل أن يطرح بشكل مباشر السؤال المشتعل في ذهنه: هل صحيح أن أوروبا قد دمرها اللاجئون؟

لسنوات، كان التلفزيون الرسمي الروسي يصور أوروبا الغربية وكأنها مجتمع للسقوط الحر من قبل المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط.

كان دائما رد ساشا الوحيد علي عندما أشرح له أنه يوجد تكامل مجتمعي في الغرب بين أصحاب البلد والمهاجرين هو أن ذلك أمر "مثير للاهتمام".

لا يعتقد ساشا أنه سيحصل على فرصة ليكتشف بنفسه ذلك، ويقول: "بصفتي جنديًا ، أشك في أن الجيش سيعطيني إذنًا بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي.. وعلى أية حال ، فإن العطلة الأوروبية ستكون مكلفة للغاية بالنسبة إلى راتبي.

إعلان

وبعد أن قام بشرب سيجارة أخرى، انتقل الحديث بيننا إلى كأس العالم، وعلى الرغم من التكلفة المتزايدة لاستضافة كأس العالم، فإن ساشا يسعده أن يستخدم المال على الأقل لشيء يمكنه الاستمتاع به.

ويقول ساشا: "أنا أعلم أن تكلفة استضافة كأس العالم باهظة الثمن، ولكن إذا لم تكن قد أنفقت هذه الأموال في كأس العالم، لكانت قد سرقت على أي حال، على الأقل نحصل على شيء منه، مثل الاستاد الجديد في ﺑﻴﻴﻜﺎﺗﻴﻨﺒﺮغ".

لدى ساشا وجهة نظر حول النخبة الروسية، وهي التي سمعتها مراراً في الأيام القليلة الماضية، حيث يقول: "نحن نعلم أن هناك أشخاص في الأعلى جعلوا أنفسهم أثرياء. لكنهم جعلوا بلادنا قوة عظمى حقيقية مرة أخرى".

عندما وصلت إلى ﺑﻴﻴﻜﺎﺗﻴﻨﺒﺮغ، توجهت مباشرة إلى الاستاد، ومن عن قرب ، تبدو الساحة مزيجًا غير متناسق من واجهتين، فهناك واجهة من العصر السوفييتي، وهناك واجهة أخرى تمثل مرافق الاستاد الحديثة.

في وسط كل هذا الحديث عن النزعة القومية، فإن رأب الصداع السياسي وإعادة الصياغة الثقافية يتواجد في مسابقة رياضية رئيسية من المحتمل أن تفوز بها ألمانيا، هذا الاحتمال الأخير لم يجد طريقه إلى مجموعة شباب كانوا يشقون طريقهم نحوي من بعيد، وهناك عدد قليل يرتدي قميص المنتخب الوطني الروسي وجميعهم يغنون أغاني عن فوز روسيا بالكأس، ويستندون إلى العروض الأخيرة للفريق الروسي من خلال هذه الأغاني، وهذه الأغاني تغذيها بوضوح التفاؤل الأعمى الذي يملأ كل مشجعي كرة القدم قبل كأس العالم.

فعندما أسأل هؤلاء المشجعين إذا كانوا يعتقدون أن ميزة لعبهم على أرضهم ستكون كافية لفوزهم بكأس العالم، فإنهم يفتقدون بعض من ثقتهم ويقولون: روسيا كبيرة ، لكن فريقنا لكرة القدم ……

إعلان

تأخذني المحطة الأخيرة إلى مدينة سانت بطرسبرغ، ثاني أكبر مدينة في روسيا، حيث كلف الاستاد وحده أكثر من 800 مليون جنيه إسترليني، المدينة نفسها، مع قصورها، والجسور والقنوات الموجودة بها، يمكن أن تبدو مثل أمستردام أو فلورنسا في بعض الأحيان، وهناك بالفعل علامات معلقة في كل مكان، تشير إلى أماكن معينة خاص بالمشجعين القادمين إلى روسيا.

في الساحة المركزية التاريخية بالمدينة، قابلت الدكتور بيتر ووسكرنسكي، طبيب وناشط حقوقي، قال لي إنه طُرد من المستشفى مؤخرا لمشاركته في مظاهرة غير قانونية لحقوق المثليين في الشيشان.

بيتر ووسكرنسكي

لكن الدكتور وسكرنسكي يعتقد أن الناشطين أمثاله سيكونون قادرين على التحدث علنا دون خوف من العقاب طوال مدة البطولة، حيث أن الحكومة الروسية لن ترغب في الظهور بمظهر قاسي أمام وسائل الإعلام العالمية، وسوف يقوم بدوره خلال كأس العالم من خلال تقديم جولات سياحية بديلة باللغة الإنجليزية، لكي يظهر للسياح بأن سان بطرسبرج مليئة بالكاتدرائيات الذهبية والتماثيل.

ويقول وسكرنسكي: نحن نعيش في دولة تتعرض فيها جماعات مناهضة للفاشية للتمييز، لكن اليمين المتطرف يتمتعون بحرية التظاهر كما يحلو لهم.

ويضيف: لا أحد يتكلم لأن الطريقة التي نتعامل بها مع المشاكل هنا هي التظاهر بأن لا شيء يحدث، على سبيل المثال، هناك أزمة فيروس نقص المناعة البشري "الإيدز" في روسيا التي تحاول الحكومة إخفاءها، وقد عرفت أن الأطباء مضطهدين لعدم الحديث عن هذه الأزمة.

من الصعب أن تكون في روسيا دون أن ترى تناقضات في كل مكان، الروس يتطلعون إلى لقاء أناس من البلدان التي يعتقدون أنها تريد تدميرهم، ويقولون إنهم سئموا الفساد والوسيلة التي يتم بها استخدام موارد البلاد لجعل الأغنياء أكثر ثراء، ولكن يبدو أنهم سعداء لأنه يتم إنفاق المليارات على متعة رياضية لمدة أربعة أسابيع دون أن يكون هناك مساءلة كبيرة.

يبدو لي أن روسيا تواجه صعوبة في تقرير ما تريد أن تكون أو الوجهة التي تريد الذهاب إليها، وسواء كانوا سيكتشفون ذلك أم لا ، فإن تركيزهم الأول يجب أن يكون على ما سيحدث في المستقبل القريب جداً: منتخب السعودية سيكون هو أول منافس لها.