رياضة

التشكك في جنس لاعبة إيرانية: أو ماذا يحدُث عندما تختلف النساء عن السائد؟

زهرة كواديى، ليست حالة نادرة وليست موضوعًا للدراسة والتحليل
Friendly_match_between_Iran's_women_national_football_team_and_Germany's_Al-Dersimspor_at_Tehran's_Ararat_stadium,_29_April_2006_03

طالب الاتحاد الأردني لكرة القدم نظيره الآسيوي بفتح تحقيق وتشكيل لجنة طبيّة لفحص جنس حارسة مرمى المُنتخب الإيراني لكرة القدم النسائية: زهرة كواديى. أتى المطلب على خلفية هزيمة المُنتخب الأردني أمام الإيراني في التصفيات وتأهُّل الأخير لنهائيات بطولة كأس آسيا لأول مرة في تاريخه. شكّل المطلب حَفنَة من الذكوريّة والتحيّز الجنسيّ ضد النساء الرياضيّات، لم يخلُ منه أبدًا المجال الرياضي حول العالم. فهذا المجال –كغيره- عبارة عن بؤرة تمييزيّة تطفح على السطح كلما كان التركيز الإعلامي كبيرًا على واقعة بعينها.

إعلان

لماذا كل هذه الضجة حول مظاهر الأنوثة؟ 
شارك الاتحاد الأردني عدد من المتابعين والمواقع الإخبارية الذين تناولوا الخبر بسخرية وتساؤل عن جنس اللاعبة ونوعها الاجتماعي وارفاق تفسيرات "طبيّة" لمظهرها، قبل أن يُعلن الاتحاد الآسيوي نتيجة تحقيقاته بتأكيد "أنوثتها." شَرعوا جميعًا في التساؤل وأعطوا لأنفسهم الحق في تحديد الهوية الاجتماعية للاعبة زهرة كواديى بناءً على مظهرها، وكأن للنساء جميعًا نمط جسديّ واحد وشكل واحد ومظهر واحد وملبس واحد. اعتمدوا على شعرها القصير الذي ظهر مرّة من تحت الحجاب، وتكوينها الجسدي وملامح وجهها. وغرد أحدهم بالقول: "حارس(ة) مرمى منتخب إيران للسيدات خَرج دعاية لـ Gillette. لشو بدا تحقيق ما واضحة الخبرية! (اوعى يفلتو عليي النسويات عم امزح)."

لم تسلم اللاعبة من التعليقات والسخرية على وسائل التواصل، بل كانت معظم العناوين الإخبارية التي غطت القضية تمييزية ضدها. واستغلت الحادثة لزيادة "الجدل."

عربي بوست: هل حارسة منتخب إيران للسيدات ذكر أم أنثى؟ هذا ما تخبرنا به صورها وفيديوهاتها وتفسيرات طبية
هذا الموقع ارفق تحليلًا طبيًا "لحالة زهرة كواديى". نعم؟! بدلًا من تقديم اللاعبة كنموذج نسائي عادي ومُتكرر، خلقوا منها "مُتلازمة" ووصفوها بأنها حالة طبيّة لزيادة الهرمونات الذكريّة عن الأنثويّة. جماعة! أجسامنا تختلف وتكويناتنا الجسديّة ومظهرنا العام لا يجب أن يتوافقوا مع صورتكم المشوَهة عن النساء.

زهرة كواديى، ليست حالة نادرة، هي امرأة عاديّة تُمارس حياتها باعتياديّة تامة، وليس هناك أي داعي لتفسير اختلاف النساء عن بعضهن بأنه موضوع يستحق الدراسة والتحليل. إطلاقًا.

نحن النساء لدينا شوارب وشعر وجه، ولدينا عضلات (عادي جدًا)، والشعر القصير ليس حِكرًا على الرجال، كشعر الجسم والعضلات تمامًا. هناك كثيرات مثل زهرة قد يختلف بناء أجسامهن عن "العادي" وبأجسامهن شعر غزير لأنها طبيعتهن، وشعرهن قصير لأسباب تخصهن وحدهن. أعرفهن وتعرفوهن وما تفعلونه مع زهرة ينعكس عليهن ويُشعرهن أنهن لسن نساء. النساء مختلفات ولا يوجد نمط وحيد لأي شيء يخصهن، سواء كان خارجي أم داخلي.

عرب ٤٨: فضيحة في مباراة للسيدات: هل تنكر شخص بزي لاعبة؟
للفضيحة الوحيدة هي في العنوان. المقال نفسه اختار أن ينتقد إيران من خلال لاعبته، بالقول أن 8 لاعبين ذكور مثلوا منتخب بلادهم للسيدات خلال الأعوام الماضية. وكأن استخدام حادثة أخرى تبرر الانتقاص من هذه اللاعبة، واستخدامها لتوجيه انتقاد لبلد بأخرى. في الواقع، قصة وجود رجال في الفريق غير صحيحة تماماً، "اللاعبين الذكور" كانوا ينتظرون جراحة "تغيير الجنس" والتي تعتبر قانونية في إيران منذ عام 1979، وإن كان بموجب قواعد اللجنة الأولمبية الدولية الجديدة يمكنهم اللعب كنساء بدون إجراء أي عمليات. النساء الرياضيات العابرات جنسياً، يجب أن يوضحن هويتهن الاجتماعية فقط، بدون الحاجة لتأكيد ذلك عبر عملية جراحية أو شهادة ميلاد. 

إعلان

ما واجهته اللاعبة الإيرانية "زهرة كواديى" من تشكك في جنسها لم يكُن فقط "وليد الهزيمة" كما صرّحت مدربّة المنتخب الإيراني للنساء، إنما رفضًا ذكوريًا لاختلاف اللاعبة عن الصورة النمطيّة الجسديّة للنساء. فهناك اختلاف في الكتلة العضليّة بين الرجال والنساء (والأشخاص غير الملتزمين بهذه الثنائيّة)، لسبب بيولوجي كالكروموسومات والهرمونات، ولسبب جسدي كاعتياد الأفراد الذين نشأوا كرجال ممارسة أنشطة لا تُمارسها النساء. الصورة النمطيّة عن أجسام النساء والمُرتبطة في الاعتقاد الذكوري الأبوي بما يُسمّى "الأنوثة" لا تتشكّل بفعل الهرمونات الأنثويّة والذكريّة وحدها، إنما بممارسة أنشطة بسيطة ويوميّة تُبرز الاختلافات في الكتلة العضليّة وشكل الجسم.

لماذا تم التشكك في جنس زهرة كواديى؟
برغم أن الهزيمة من مُنتخب نسائي إلى مُنتخب نسائي، فللرجال والأبويّة رأيّ آخر. بسبب قومنّة أجسام النساء ومرادفتها لسُمعة الدول واعتبار أجسامهن شأن عام يجلب النصر والعار للمجتمع الأبويّ، فالهزيمة لم تكُن للمُنتخب النسائي الأردني لكرة القدم، بل للأردن نفسه. فأصبحت الهزيمة شخصيّة. لا يُمكن تصوّر النساء خارج النمط الانهزامي والمُنكسر، فعندما أتت الهزيمة على يد امرأة – لأنها حارسة المرمى- رفض الاتحاد الأردني لكرة القدم الهزيمة، وطالب رئيسه: الأمير عليّ بن الحسين بفحص جنس حارسة المرمى. لأنه من المستحيل طبعًا أن تكون امرأة، لابد أن ذلك رجُلا متنكراً، فهيا بنا نفحص أعضاءها الجنسيّة، لنُرضيّ "رجولتنا."

زهرة كواديى ليست الوحيدة، قبل عدّة أعوام انهالت التعليقات المُسيئة على ناشئات كرة السلّة المصريّة أثناء مشاركتهن في بطولة أفريقيا بسبب شعر الإبطيّن. اعتقد الجمهور أن إزالة الشعر أمر هام طالما أن اللاعبة امرأة أو فتاة بسبب الصورة النمطيّة عن أجسام النساء في الوعي الجمعيّ الأبويّ. وتحوّل محمد صلاح من "فخر العرب" إلى "عار العرب" بعدما نشر صورة يظهر فيها إزالته لشعر صدره - وهو أمر مُتعارف عليه لإبراز عضلات البطن بين الرياضيين وحتى الرجال العاديين. اُتهمّ محمد صلاح بالتشبّه بالنساء. تهمة جاهزة للإلقاء في وجه أي رجُل يُمارس حقه في جسده، سواء بحلق شعر جسمه أو ارتداء قرط أو سلسلة أو ألوان ملابس بعينها كالأحمر والورديّ. رغم ذلك، لم يُشكك أحدٌ في جنسه. اكتفوا بالوصم واستخدام النساء والأفعال التي يُعتقد أنها نسائية، كشتائم وسُباب. 

مرّة أخرى، هذا التمييز بين الرجال والنساء تاريخيّ وجندريّ. فالربط بين الجنس البيولوجي والهوية الاجتماعية وتصوّر أن كليهما ثنائي محدود (ذكر/أنثى) (رجل/امرأة)، هو جهل عابر للحدود الجغرافيّة. فالفحص الذي طالب به الاتحاد الأردني لكرة القدم لـزهرة كواديى سيكون غالبًا فحصًا للأعضاء الجنسيّة الخارجيّة؛ مُهملًا لكل العوامل التي ذكرناها توًا كالهرمونات والنشاط البدني والتمييز ضد النساء في المجال الرياضي. هذا الفحص نفسه إهانة وانتهاك جنسيّ بحق اللاعبة.