32_000104040005
واثق علّال، تصوير علي بابا
ترفيه

نبذة تاريخية عن التزلج في الوطن العربي

على الرغم من الاختلافات الثقافية والمجتمعية بين مجتمعات التزلج العربية، إلا أن هناك روابط قوية تجمع بين المتزلجين العرب

رياضة التزلج لا تشبه غيرها من الرياضات وقد يختلف البعض في تسميتها "رياضة" أصلًا. تتقاطع عدة نواحٍ فيها، فهي رياضة فردية (مما يعني أن منافسك الوحيد هو أنت) لكنك جزء من مجتمع أخوي أكبر. علاوة على ذلك، علاقة الرياضة مع الفن والأفلام والموضة لا يمكن إنكارها. قد تكون كلمتي "ثقافة" أو "نمط حياة" أكثر ملاءمة للتزلج، لأنها تختبر صبرك وتصقل شخصيتك وتمنحك أصدقاء مدى الحياة. فإذا تعلقت بهذه رياضة مرة واحدة، يصبح من الصعب أن تتخلى عنها.

إعلان

تعود جذور رياضة التزلج على الألواح إلى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان الشباب يصنعون ألواحهم الخاصة من الخشب والعجلات. كانت هذه الرياضة تعبيرًا عن إبداعهم وشغفهم في إيجاد طرق جديدة للتنقل والترفيه. سرعان ما اكتسبت هذه الرياضة شعبية في الولايات المتحدة، وأقيمت أول مسابقة تزلج عام ١٩٦٣ في ولاية كاليفورنيا. وكونها رياضة جديدة، فقد كانت تحت التطوير والابتكار المستمرين، خاصة في السبعينيات، عندما تم تطوير عجلات وألواح جديدة، وابتكر المتزلجون حركات جديدة مثيرة، مثل حركة Ollie "أولي" التي اخترعها آلان جلفاند في عام ١٩٧٨، والتي غيرت قواعد اللعبة تمامًا.

في منتصف السبعينات، نشأت عدة محلات تتعلق بهذه الرياضة ووصلت إلى ألمانيا في أولى خطواتها خارج الولايات المتحدة. وفي الثمانينيات، ساهمت وسائل الإعلام المتعددة، مثل مجلة ثراشر وأشرطة VHS، في انتشار رياضة التزلج على الألواح. وحرص اللاعبون على تسجيل حركاتهم، مما ساعد على تطوير هذه الرياضة وتقديمها للعالم. لا يزال التوثيق جزءًا أساسيًا من رياضة التزلج اليوم.

شهدت رياضة التزلج على الألواح نموًا كبيرًا خلال ذلك الوقت، حيث زادت مسابقات التزلج وأطلقت عدة علامات تجارية مثل فانس وكونفرس ملابس وأحذية مصممة خصيصًا للمتزلجين. كما أصبحت ثقافة التزلج أكثر وضوحًا وتميزًا، حيث ظهرت حركات جديدة وملابس مميزة وحدائق تزلج متخصصة. واستطاعت هذه اللعبة أن تتوسع عالميًا في التسعينيات بفضل التكنولوجيا والأشرطة والأفلام وتأسيس مسابقات التزلج العالمية الضخمة.

دبي:

أواخر التسعينات - أوائل الألفينات:
تبدأ قصة التزلج في دبي في أواخر التسعينات، عندما كانت هذه اللعبة في ذروتها في الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وصلت هذه الموجة إلى دبي بشكل خفيف وبمحض الصدفة أحيانًا. يقول ميسم فرج، مؤسس متجر حبيبي سكيت، أن أول لوح تزلج اقتناه كان معروض في إحدى متاجر ملابس السباحة "هيت ويڤ" في جميرا بلازا، وكان اللوح معروضًا كغرض ديكور وليس مخصصًا للبيع. لكن من فضوله واهتمامه الشديد، قام ميسم بإقناع صاحبة المتجر وشراء لوح التزلج. أما بالنسبة لكريم نصار، المعروف باسم ناوستيك وأحد أعلام دبي في التزلج، فأول لوح له كان هدية من والديه بمناسبة عيد ميلاده وحددت هذه اللعبة مسار حياته. 

إعلان

لم يكن هناك مرجع يسهل الوصول إليه وكان على هؤلاء الشباب اليافعين التعلم بأنفسهم واسكتشاف إمكانياتهم. هناك علاقة وثيقة بين التزلج والمكان. التزلج يغير الطريقة التي يرى بها الناس المدينة. تتحول شوارعها إلى ملاعب، كما تصبح المقاعد أكثر من مجرد مكان للجلوس، بل أدوات للتمرين. وفي ظل عدم وجود مساحات مخصصة للتزلج في ذلك الوقت، كان الحل هو إيجاد مساحات عامة مناسبة للتزلج. أحد هذه الأماكن هي النافورة المجاورة لمحطة مترو الاتحاد، والتي مثلت نقلة نوعية في قصة التزلج في دبي وجمعت الشباب الذين كانوا يتزجلون بشكل منفصل، وأصبحت بمثابة بيئة حاضنة لمجتمع المتزلجين في المدينة.

ورغم افتتاح العديد من حدائق التزلج في دبي، إلا أن النافورة تحظى بمكانة خاصة في قلوب المتزلجين بسبب ارتباطهم القوي بها منذ بداياتهم. هذا بالإضافة إلى حديقة الممزر ووندرلاند والمساحة الداخلية في وافي مول، بالإضافة إلى الكورنيش في أبوظبي. لم تكن أي من هذه الأماكن مجهزًا بشكل كامل أو احترافي للتزلج.

2.jpg

صورة من ساحة نافورة ديرة التذكارية في دبي، تصوير غريغ شاربين

1.jpg

نافورة ديرة التذكارية في دبي، تصوير ميسم فرج

كانت أول مسابقة للتزلج في دبي عام ١٩٩٨ من تنظيم "هيت ويڤ" في منطقة المرر، ثم شهد عام ٢٠٠١ النسخة الأولى من Dubai Desert Extreme كجزء من فعاليات مهرجان دبي للتسوق. ضمت هذه المسابقة السنوية فئات عدة في ركوب الدراجات والسكووتر والتزلج.

مع ظهور الإنترنت في المنطقة العربية خلال ذلك الوقت، شهدت رياضة التزلج في الإمارات العربية المتحدة تحولًا كبيرًا. مع انتشار أشرطة الفيديو والمجلات إلى العديد من الناس، أصبح الوصول إلى معلومات عن التزلج أسهل بكثير. 

إعلان

٢٠١٠ - ٢٠٢٠:
شهد هذا العقد تطورات كبيرة لمجتمع التزلج في دبي منها مسابقة "ريد بول ماني مانيا" الذي شارك فيها نخبة من متزلجي دبي: جان هوفمان، عمر العبار، إيفان كوليسون، لورنس جوكون، مارتن جاوني، ماكس فيلميتسكي، جوستاف لارسون، مارك عيسى، وألكس ميدفيديف.

انتشرت حدائق التزلج في أرجاء دبي وغالبًا في مناطق ومجمعات سكنية مع ازدياد أعداد المتزلجين والدعم والتقبل المجتمعي. إحدى أوائل الداعمين لهذه الرياضة هي الشيخة لطيفة بنت مكتوم، مؤسسة مركز "تشكيل" للخدمات الاستشارية للأعمال وحاضنة للفنون البصرية والتصميم في دولة الإمارات العربية المتحدة. من أهداف المركز دعم الإنتاج والتجريب والحوار الفني. وفي عام ٢٠١٢، تم افتتاح حديقة الواحة في ند الشبا لدمج التزلج بالفن.

تم افتتاح عدة حدائق للتزلج بعد حديقة الوادي، منها:

Business Bay Skatepark 2014 (تم هدمها منذ بضعة أشهر)

XDubai Skatepark 2016 

Damac Hills Skatepark 2019

في تلك الفترة، تم إطلاق فيلم وثائقي بعنوان "وي آر بلود" في عام ٢٠١٥ للمخرج تاي إيڤانز، المعروف بأنه أحد أشهر مصوري رياضة التزلج. يتناول الفيلم رياضة التزلج في عدة بلدان حول العالم منها البرازيل وإسبانيا وأميركا والصين والإمارات. صور الفيلم الرابطة الأخوية التي توحد لاعبي التزلج، وتتجاوز حدود البلدان واللغات. شكل هذا الفيلم نقطة تحول لمجتمع التزلج في دبي، إذ قام بتسليط الضوء على هذه الرياضة في دبي وفي جميع أنحاء العالم.

إعلان

كورونا وبعدها:
كانت فترة الوباء والحجر الصحي فرصة لاكتشاف هوايات جديدة لقلة الانشغالات وكثرة أوقات الفراغ. شهدت سنة ٢٠٢٠ ارتفاعًا ملحوظًا بالمهتمين برياضة التزلج في أبوظبي ودبي، وتزايد الطلب على الألواح حتى نفذت كل المتاجر منها بسبب استحالة استيراد البضائع في تلك الفترة، خاصة القادمة من الصين.

شح المنتجات المتعلقة بالتزلج في ذلك الوقت عزز روح المبادرة لدى عشاق التزلج وقاموا بتأسيس متاجرهم الخاصة لتزويد المتزلجين بكل ما يحتاجون إليه بعيدًا عن المتاجر الرأسمالية التجارية التي تفتقر إلى الفهم العميق والتقدير الحقيقي لهذه الرياضة.

الأمر الذي زاد شهرة الرياضة عام ٢٠٢٠ كان إضافتها إلى برنامج دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو باليابان، وأصبحت رياضة أولمبية رسميًا مما زاد من شغف اللاعبين وأملهم بتمثيل بلدهم في الأولمبياد يومًا ما. 

GettyImages-1234528661.jpg

كوري جونو في دورة الألعاب الأولمبية 2020 في طوكيو، اليابان، في تاريخ 5 أغسطس 2021

ما يميز دبي هو خليطها الفريد من الثقافات المتنوعة، وهذا ينعكس أيضًا في التزلج. تتيح لك هذه الرياضة بناء علاقات وطيدة مع لاعبين شغوفين من مختلف أنحاء العالم. ومع ذلك، تعتبر دبي بلد "ترانزيت" أيضًا، مما يعني أن سكانها يأتون ويذهبون وللأسف غادر العديد من مؤسسي رواد هذه الرياضة في دبي إلى بلادهم.

أسماء بارزة في مشهد التزلج في الإمارات:
ميسم فرج، إيفان كوليسون، تانر لوستان، أحمد مسماري، تامر رمضان، كريم "نوستيك" نصار، مارك عيسى، ابراهيم وضحي، واثق علّال.

السعودية:
شهدت رياضة التزلج في المملكة العربية السعودية تحولات هامة في وقت قصير جدًا بالأخص بعد أن تم التعرف عليها كرياضة ناشئة من قبل الاتحاد السعودي للرياضة ودعم وزارة الرياضة بتنظيم منافسات سنوية. كما كانت الرياضة جزءًا من الألعاب السعودية لعام ٢٠٢٢. ورغم ندرة حدائق التزلج إلا أن مجتمع المتزلجين السعوديين مستمر بالنمو وتحظى الرياضة بشعبية متزايدة. 

إعلان

حاليًا، حديقة التزلج الوحيدة في المملكة العربية السعودية هي حديقة النخيل، لكن الخطط المستقبلية لبناء حدائق تزلج عامة تشير إلى مستقبل واعد للتزلج في المملكة العربية السعودية. وكما هو الحال في دبي، حيث ساهمت جائحة كورونا في زيادة الاهتمام بالرياضة وتجتمع المشاركات الجديدة في التزلج خلال فترات الحجر الصحي وبعدها.

84724ad9c69bb385ed0d93f67260705f.jpg

صورة من منافسات التزلج اللوحي ضمن دورة الألعاب السعودية، 2022

نشأت في الأعوام الأخيرة في السعودية العديد من المجموعات المعنية بالتزلج، منها مجموعة ساندلايف، التي تسعى لتسليط الضوء على الرياضة في السعودية، وتنظيم الفعاليات والمسابقات، وتعليم الأطفال، والتوثيق. كما افتتح المتزلج السعودي علي بن محفوظ متجر SiteenStreet للتزلج في الرياض وجدة في عام ٢٠٢٠، لتوفير جميع متطلبات التزلج في المملكة من الزلاجات والأحذية والملابس وغيرها من المعدات.

العالم العربي:
في فلسطين، توفر "سكيت بال" منذ أكثر من عشر سنوات مساحات للتزلج لمئات الشباب في جميع أنحاء الضفة الغربية وتدعم الشباب الفلسطيني من خلال التزلج.

وفي سوريا، قامت جمعية "سكيت آيد" بالتعاون مع جمعية قرى الأطفال ببناء حديقة قدسيا للتزلج عام ٢٠١٩، لتكون الأولى من نوعها في سوريا.

في لبنان، ينعكس حال البلد على مجتمع التزلج الحاضر فيها منذ أوائل الألفينات بين ازدهار وخمول، بدءًا بحرب تموز عام ٢٠٠٦ مرورًا بالأزمات المالية عبر السنين وحتى قيام الثورة وانفجار مرفأ بيروت ووباء كورونا والانهيار الاقتصادي الذي ما زال يعاني منه لبنان حتى اليوم. لم يحظى لبنان بمساحات مخصصة للتزلج حتى عام ٢٠٢١ مع حديقة الصنوبر. لطالما واجه المتزلجون في لبنان، وخاصة في بيروت، رقابة شديدة في الأماكن العامة (الحل بسيط: إنشاء مساحات خاصة بهم).

إعلان
3.jpg

صورة لـ Otto 'Laban' Nikunen، تصوير محمد زكريا، في بيروت، لبنان

أما في الأردن، يعد محمد زكريا من رائدي الرياضة لتأسيسه "فيلادفيا" عام ٢٠٠٩، لتكون أول علامة تجارية للتزلج في العالم العربي. لم يستورد محمد ألواح التزلج وحسب، بل كان يصنعها بتصميمات ورسومات مستوحاة من ثقافتنا العربية، ويصدرها إلى دبي والمغرب ولبنان، وحتى إلى أوروبا.

بعد إغلاق المتجر عام ٢٠١٤، استمر محمد في عالم التزلج وأسس منظمة التلال السبع تحت شعار "سكيت. مساحات. عامة."، التي تدعم الشباب وتنمي فيهم روح القيادة كما توفر حصص مجانية للعديد من فئات المجتمع الأردني.

بالانتقال إلى مصر والعودة إلى الثمانينات، كان محمد كمال، المعروف بـ "مو سكيت"، أول متزلج مصري، لكن لم يتشكل مجتمع واضح للتزلج في مصر حتى مطلع الألفينات. كانت الرياضة في ذلك الوقت محصورة فقط على الأفراد القادرين ماليًا، ومع الوقت انتشرت ثقافة الألواح المستعملة في مصر، مما أدى إلى توسع دائرة المتزلجين لتشمل هواة شغوفين من مختلف الطبقات الاجتماعية.

وهكذا، استمرت أعداد المتزلجين في مصر بالازدياد بالإضافة إلى نهضة جديدة خلال الكورونا. يوجد الآن في مصر العديد من متاجر وعلامات تجارية مؤسسة من قبل متزلجين، منها أوكسادا وأموليت وتمبل.

أما بالنسبة لأماكن التزلج، فتغلب الشوارع على الحدائق المخصصة للتزلج في القاهرة مثل سطح سوبر ماركت رويال هاوس، المجاور لميريلاند في مصر الجديدة، أو أمام مسجد عمر ابن الخطاب في الرحاب، لأنها متاحة للجميع على عكس حدائق التزلج التي تتطلب رسوم للدخول.

إعلان

أفلام من العالم العربي مرتبطة بعالم التزلج:

فلسطين:
Epicly Palestine'd: The Birth of Skateboarding in the West Bank (2015)

الأردن:
7 Hills (2020)

مصر:
Cairo’s Comeback (2010)

Slipping (2012)

دبي:
Skate Arabia (2008)

We Are Blood (2015)

على الرغم من الاختلافات الثقافية والمجتمعية بين مجتمعات التزلج العربية، إلا أن هناك روابط قوية تجمع بين المتزلجين العرب، وذلك بسبب التحديات المشتركة التي يواجهونها، مثل نظرة المجتمع السلبية إلى هذه الرياضة، وقلة الفرص والإمكانيات المتاحة. ففي حين أن التزلج يمثل مصدرًا للدخل في أوروبا وأمريكا، إلا أنه لا يزال نشاطًا باهظ الثمن وغير مربح في البلدان العربية. ومع ذلك، فإن الشغف بهذه الرياضة وروح الأخوة بين المتزلجين العرب هما ما يساعدان على استمرار هذه الرياضة في النمو والتطور في العالم العربي.