unknown
مرأة

نساء يتحدثن عن تجاربهن مع عملية تجميد البويضات

وصم الراغبات بإجراء عملية تجميد البويضات هو جزء من الوصاية الذكورية للمجتمع على أجسادنا كنساء

"سِنك كِبر الحقي اتجوزي عشان تخلفي لك عيل." لا تستطيع نرمين عد المرات التي سعمت بها هذه الجملة بعد تخطيها سن الثلاثين: "أحد العرسان الذين تقدموا لي قال بكل وقاحة المفروض تكوني مستعجلة أكتر مني، إنتي ناسية عندك كم سنة، وكأنه يعطف عليَ بالزواج،" نرمين (اسم مستعار)، ٣٨ عاماً، تخبرني عن لحظة قرارها إجراء عملية تجميد البويضات: "أردت الحفاظ على حقي في الأمومة، دون التنازل بأي شكل عن حقي في اختيار شريك مناسب مهما كبرت في السن."

إعلان

ووفقا لموقع مايو كلينك الطبي يُعرف تجميد البويضات، بإنه طريقة تُستخدم للحفاظ على قدرة النساء على الحمل في المستقبل، حيث تُستخرج البويضات من مبيضي المرأة وتُجمّد غير مخصَّبة وتحفّظ للاستعمال لاحقًا. ويُمكن إذابة البويضة المجمدة وتلقيحها بالحيوان المنوي في المعمل ثم زرعها في رحم المرأة (التلقيح الصناعي).

ورغم أن العالم عرف عملية "تجميد البويضات" قبل ثلاثين عامًا، وشهدت جدالاً حولها قبل أن يتم البدء بتطبيقها في معظم بلدان العالم. في العالم العربي، لا يزال هناك اعتراض على إجراء العملية، حتى في الدول التي سمحت بها.

تقول نرمين أنها تعرضت للهجوم من رجال العائلة بعد قرارها اجراء العملية، فيما حصلت على الدعم الكامل من والدتها: "رجال العائلة رفضوا الأمر تماماً وتعللوا بأنه حرام إجراءها لغير المتزوجات. ولكن انتهى الرفض بعد اللجوء لدار الإفتاء المصرية التي أكدت جواز مشروعية إجراء العملية وفقًا للضوابط الشرعية."

يُذكر أن دار الإفتاء المصرية أعلنت في سبتمبر 2019 أن عملية تجميد البويضات جائزة، إذا ما تمت وفق ضوابط شرعية معينة: أولها أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن يتم استخراج البويضة واستدخالها بعد التخصيب في المرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينها وبين صاحب الحيوان المنوي. ولا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية بين الرجل والمرأة بوفاة أو طلاق أو غيرهما. وهذا يعني أن دار الافتاء سمحت لغير متزوجات بتجميد بويضاتهن، ولكن بشرط أن تحدث عملية التلقيح عندما تصبح الفتاة متزوجة، لضبط الانجاب خارج منظومة الزواج الرسمية.

إعلان

أما الضابط الثاني الذي حددته الدار لعملية تجميد البويضات فهو أن تحفظ اللقاحات المخصبة بشكل آمن تمامًا تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمدًا أو سهوًا بغيرها من اللقائح المحفوظة. والضابط الثالث تمثل في ألا يتم وضع البويضة في رَحِمٍ أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة، والضابط الرابع وهو ألا يكون لعملية تجميد البويضة لها أي آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوهات الخِلقية.

ويقول الدكتور حسام الشنوفي، الأستاذ المساعد بقسم النساء والتوليد بكلية طب القصر العيني، أن عملية تجميد البويضات هي جراحة يتم تطبيقها منذ سنوات في مصر، ضمن عمليات الحقن المجهري لمساعدة النساء المصابات بالسرطان للحفاظ فرصهن بالإنجاب، لأن العلاج الكيميائي والإشعاعي يؤثر سلبياً على صحة البويضات ويؤدي لضمور المبايض بعد فترة العلاج.

وترتبط عملية تجميد البويضات ببعض القيود الإجتماعية والدينية لأن الطريقة الجراحية الأمثل التي ينصح بها أطباء النساء والتوليد هي سحب البويضات عبر سونار مهبلي، وقد تفقد الفتيات غير المتزوجات ما اتفق على تسميته بـ"عُذريتهن." وعلى الرغم من إن العملية يمكن أن تتم بسحب البويضات عبر البطن، إلا أن سحب البويضات عن طريق المهبل يعتبر أفضل تقنيًا وطبياً. يقول الدكتور الشنوفي: "سحب البويضات ممكن من البطن بدلاً من المهبل، ولكنها لن تُعط نتائج إيجابية، حيث تظل القدرة على سحب كل البويضات من البطن أقل من المهبل."

ريم مهنا، 40 عامًا، أصبحت أول فتاة مصرية غير متزوجة تُجري عملية تجميد البويضات في إحدى المراكز الطبية المتخصصة في الإنجاب بمصر. تواصلت مع ريم للتعرف على تجربتها، وتقول أنها تعرفت أول مرة على تجميد البويضات عام 2001 خلال قراءتها بعض الدراسات الطبية: "لقد علمت في تلك اللحظة إن هذه العملية هي فرصتي للتصدي لسلسلة القهر التي تطحن النساء بعد وصولهن لسن معين."

إعلان

أجريت ريم العملية في عام 2017 وهي في عمر الـ 36 عامًا، وتقول أن الخوف من ردود فعل عائلتها كان السبب في تأجيلها إجراء العملية لعدة سنوات: "أنا مقتنعة تماماً برغبتي في الزواج واختيار شريك مناسب بعيدًا عن ضغط تقدم السن وقلة فرص الإنجاب. من حقي كفتاة اكتساب خبرات حياتية ومهنية وبناء career ناجح أكون فخورة به. نشعر دوماً أن علينا كنساء التنازل عن أمرين إما الأمومة أو الشريك. ولكن الآن أشعر أنني غير مضطرة للاختيار بينهما." 

ولكن خيار إجراء العملية دفعت ثمنه غاليًا كما تقول وخاصة بعد نشرها فيديو تتحدث فيه عن هذه التجربة: "لم أجنِ سوى الوصم المجتمعي، وصلتني تعليقات تصفني بالبجاحة وقلة الأدب، وأنني بنت مش كويسة. تحولت العملية لفضيحة، وليس لقرار شخصي يحفظ حقوق ملايين النساء اللواتي لا يرغبن بالزواج في وقت معين ويردن اتخاذ القرار لاحقًا في حياتهن. أرى أن وصم الراغبات بإجراء عملية تجميد البويضات هو جزء من الوصاية الذكورية للمجتمع على أجسادنا كنساء. لا يزال المجتمع يرفض فكرة حرية المرأة وحقها في تقرير مصيرها، ويخاف من كسر تابوه احتياج المرأة للرجل من أجل الإنجاب. قراري بتجميد بويضاتي لم يأت من منطلق خلق صراع بين الرجال والنساء، ولكن هو حقي المشروع في أن أصبح أماً يومًا ما."

العملية منحتني فرصة لإعادة الثقة بذاتي
"بعد قصة حب لعامين تعرفت فيها على شريكي، هاتفتني والدته بالخروج من حياته لإنني برأيها كبيرة فى السن، وكان عمري 37 عامًا،" تخبرني لينا، 39 عامًا، مُوظفة بنك من لبنان: "تحطم قلبي، وانفصلت عن حبيبي، ولكني أدركت أن حلمي في الأمومة سينهار أيضًا وعلي الحفاظ عليه، ولهذا قررت إجراء العملية."

إعلان

تقول لينا أن عائلتها وقفت ضدها، وتم لومها لأنها فضلت التركيز على عملها بدلاً من الزواج: "رفضوا دعمي بشكل قاطع، وكانت أكثر جملة قسوة سمعتها من أبي "حتى لو نجحت العملية في تأخير سن الإنجاب وحملت بطفل في الخمسين لن تعيشي لتربيته سيكون يتيمًا."

عمليات تجميد البويضات في لبنان مجازة طبيًا وقانونيًا للنساء غير المتزوجات، "الإ أنها مرفوضة لأصحاب الديانة المسيحية،" حسب تصريح سابق لمدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم لسبوتنيك عربي باعتبارها "تخالف إرادة الرب، لأن ربنا هو الذي يطعم، وهو الذي يعطي إرادة الخلق، وبالتالي أي عمل اصطناعي كتجميد بويضة أو تخصيب وتلقيح كل هذه الأمور لا تسمح بها الكنيسة لأن السبب الرئيسي أن الإنجاب هو ثمرة الحب بين الزوجين."

على الرغم من الرفض، قررت لينا إجراء العملية: "أكثر المراحل صعوبة كانت التحضير قبل إجراء العملية، قررت ترك المنزل بحجة السفر للعمل وانتقلت لمنزل صديقتي. كان علي حقن نفسي 3 مرات يوميًا تحت الجلد كمنشطات لتحفيز المبيض لإنتاج عدد كبير من البويضات، فضًلا عن اجراءات المتابعة الدورية التى تصل أحيانًا للفحص بالمركز أربع مرات اسبوعيًا وسحب عينات تحاليل الدم المختلفة." وتضيف لينا: "أشعر الآن بالاستقرار النفسي، العملية منحتني فرصة لإعادة الثقة بذاتي وبأنوثتي."

إعلان

تجميد البويضات هي بمثابة الأمل الذي أعيش وأحارب السرطان من أجله
"لم اسمع عن عملية تجميد البويضات الإ بعد اكتشاف إصابتي بسرطان الثدي. كنت مخطوبة واحضر نفسي للزفاف،" تقول زينة، 33 عامًا، من الأردن: "نصحتني الطبيبة بإجراء العملية قبل الخضوع للعلاج الكيماوي والإشعاعي، والذي يؤدي لضعف البويضات والتأثير على فرص في الإنجاب. كان الأمر مرعباً، بجانب اكتشاف اصابتي بالسرطان، كان عليَ أن أتعامل مع فكرة خسارة حلم الأمومة حال نجاتي من المرض."

تقول زينة أن الجميع دعم قرارها وخاصة خطيبها، بل واقنع عائلتها التي كانت تتخوف من نتائجها: "فكرة تجميد البويضات هي بمثابة الأمل الذي أعيش وأحارب السرطان من أجله. التفكير في المستقبل بعد شفائي واستمرار فرصي في الإنجاب مازالت قائمة، هي أحد المحفزات التي أعيش عليها حتى اليوم رغم لحظات الإحباط واليأس مع العلاج الكيميائي." 

يقول الدكتور أدهم زعزع، أستاذ طب وجراحة أمراض الذكورة والتناسل في جامعة القاهرة، أنه في حالة إصابة المرأة بسرطان الثدي أو غيرها من أنواع السرطان التي تتطلب العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، فإن ذلك يعرض خصوبة المرأة لخطر كبير. ويشرح: "هذه العلاجات غالبًا ما تؤدي إلى انقطاع الدورة الشهرية قبل الأوان، أو تقلل من احتياطي المبيض للمرأة، ويمكنها أن تؤدي إلى اختلالات جينية بالبويضات وتشوهات خلقية بالأجنة. لهذا، يتم اللجوء إلى تجميد البويضات قبل البدء بالعلاج. ويمكن أن تستخدم البويضات المجمدة للإنجاب في المستقبل بعد الشفاء من السرطان."

الأردن هي واحدة من البلاد التي أجازت دار افتاءها بجواز عمليات تجميد البويضات عام 2017، وجاء حكمها في ضوء الاعتماد على قاعدتين شرعيتين عامتين هما؛الأولى: أن الأصل في التطبب والعلاج هو الإباحة والسعة، والثانية: حفظ الأنساب من الاختلاط، ومراعاة حرمة عقد الزوجية في حال التزم أصحاب النطف المجمدة بعدم تلقيحها إلا بعقد زواج صحيح. وسواء سحبت هذه النطف وجمدت خلال العزوبة أو عقد زواج سابق، فليس ذلك بفرق مؤثر. "المهم أن حرمة التلقيح لا تُقتحم إلا في ظل عقد زواج صحيح عند التلقيح من قبل الزوجين."

ويمنح القانون التونسي حق تجميد البويضات فقط لمَن يعانينَ من أمراض سرطانية أو للمساعدة في الإنجاب للمتزوجين فقط. كذلك أقرت الإمارات قانونية تجميد البويضات للمتزوجين ومرضى السرطان فقط. القوانين نفسها موجودة في الجزائر والمغرب والسعودية التي أعلنت هيئة كبار العلماء للمملكة عام 2019 بجواز تجميد البويضات أو أنسجة المبيض لمرضى السرطان بضوابط معينة للنساء المتزوجات. وقال الدكتور طارق بغدادي، رئيس وحدة العقم بمستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض لصحيفة القبس السعودية "أنه يمكن سحب البويضات عن طريق البطن للنساء اللاتي لم يسبق لهن الزواج، ولكن من الناحية الشرعية لا يوجد حتى الآن فتوى بسماح هذا الإجراء إلا للنساء اللاتي يعانين الأمراض السرطانية."

عملية تجميد البويضات قد تخفف من الضغط النفسي، إلا أن هناك بعض الأمور التي يجب الانتباه لها، فلن تكون كل البويضات المجمدة قابلة للتخصيب فيما بعد – الأمر يعتمد مسألة تتوقف على الجودة وعدد البويضات. ويشرح الدكتور الشنوفي أن النساء اللواتي يرغبن باجراء العملية، يجب أن يكن على معرفة بالحقائق والمعلومات الطبية الدقيقة حول فرص نجاح العملية حسب عمر ومخزون المبيض لدى كل امرأة. ويضيف: "نسب نجاح الحمل الناتجة عن البويضات المُجمدة مستقبًلا تتراوح بين 3- 5% وفقًا لدراسة نشرتها الجمعية الأمريكية للخصوبة. كما أن قرار تجميد البويضات يجب أن يكون مبكرًا في العشرينات ومطلع الثلاثينات لاستخراج عدد كبير من البويضات بجودة عالية، ورفع فرص نجاح التلقيح لاحقاً."

عمليات تجميد البويضات هي مُكلفة كذلك، حيث يصل متوسط سعر العملية إلى  3،500 دولار، فيما تكلف عملية الحفظ السنوية بمراكز الاخصاب المخبري 1،000 دولار سنوياً في المتوسط. وتتراوح مدة تخزين البويضات من 5 الى 10 سنوات.

على الرغم من كل الصعوبات، تقول نرمين أنها بعد إجراء العملية أصبحت أكثر استقراراً: "أصبحت غير مضغوطة بسن معين للإنجاب، وهو ما يمنحني فرصة للوقت والتفكير ودراسة أي شريك مستقبلي. الزواج ليس مسابقة لسرعة إنجاب طفل. أنا بلا شك أرغب الإنجاب، ولكن ليس على حساب تكوين عائلة مستقرة يشعر فيها الطفل بمشاعر أبوة حقيقية وعلاقة طيبة بين الأب والأم، ليكبر كشخص سوي وسعيد."