GettyImages-136266041

بدون كويتي خلال مظاهرة للمطالبة بالجنسية وحقوق أخرى في الجهراء، شمال غرب مدينة الكويت، في 30 ديسمبر 2011. 

YASSER AL-ZAYYAT/AFP via Getty Images

مجتمع

عن البدون والحياة كعديم جنسية في الكويت

"الانتحار بين البدون أعتبره اغتيالًا وقتلًا متعمداً"

ينتشر في تويتر هذه الأيام وسم أنقذوا براك حسين وهو طفل من البدون بحالة صحية حرجة بسبب صحة قلبه وأعلنت المستشفيات في الكويت عدم قدرتها على علاجه، في حين أعلنت مستشفى سعودية استعدادها لعلاج الطفل ولكن لا يمكنه السفر فقط لأنه بدون. قبل أيام كذلك، تم طرد طفلة بدون في الصف الأول الابتدائي من مدرسة حكومية في منطقة الفروانية بالكويت. وفي أغسطس، قام شاب من "البدون" في الكويت بحرق نفسه خلال تواجده في أحد المستشفيات، وفي مارس انتحر شاب من البدون، يعمل ببيع الخضار، وقد تم العثور عليه معلقاً على شجرة.

إعلان

هذه الحوادث المتكررة والمتشابهة، تشير إلى الظلم المستمر الذي يعاني منه البدون في الكويت. من بين معظم القضايا الحقوقية تظل قضية البدون واحدة من القضايا الشائكة التي لا تشغل اهتمام الحقوقيين في العالم العربي بالقدر الكافي، فغالبًا ما يحدث موقف ما سواء على الصعيد الدولي أو اليومي مع أحد المواطنين البدون، بالأخص في الكويت، وسرعان ما يتلاشى تدريجيًا الاهتمام الإعلامي بالأمر. 

يعتبر البدون/ الشخص عديم الجنسية هو الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً بموجب قانونها، وفي حين أن بعض الأشخاص عديمي الجنسية قانونيًا بمعنى أنهم غير معترف بهم كمواطنين بموجب قوانين دولة أو أكثر.  يمكن أن يحدث انعدام الجنسية لعدة أسباب من بينها التمييز ضد مجموعات عرقية أو دينية معينة، أو على أساس الجنس أو بسبب ظهور دول جديدة ونقل الأراضي بين الدول القائمة، القوانين التي تقيد حق المرأة في نقل جنسيتها إلى أطفالها، فقدان الجنسية أو التنازل عنها دون اكتساب جنسية أخرى، والولادة لأبوين عديمي الجنسية، وقيام دول بتجريد البعض من جنسيتهم لأسباب سياسية.

وتقدر الأمم المتحدة عدد البدون حسب إحصائيات نهاية 2019 بـ 4.2 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ولكنها قدرت أن العدد الفعلي قد يزيد عن 10 ملايين بسبب نقص الإبلاغ. في الكويت يقدر عدد البدون بـ  106 ألف من ما مجموع عدد السكان البالغ 5 مليون نسمة، فيما تقول الحكومة الكويتية إن 34 ألف شخص فقط هم بدون جنسية (ومؤهلون للتقدم بطلب للحصول على الجنسية) وإنّ البقية من مواطني دول أخرى.

إعلان

عن الهوية
يشبه عبد العزيز الدغيم، 27 عامًا، طالب سياسة وعلاقات دولية، عديم الجنسية من الكويت، ويعيش في اسكتلندا حاليًا، وضع البدون في الكويت بالسجن الكبير، ويقول: "يمتلك السجناء/ البدون بعض الحقوق البديهية يفسرها البعض على أنها امتياز مثل أن تأكل وتشرب وتملك قرار نومك، ولكن كل الحقوق الأساسية الأخرى يتم التحكم بها من قبل الدولة بدون أي إمكانية لرفضها كالسجناء تمامًا." 

فايز الفايز، 36 عامًا، طبيب الأورام السرطانية، عديم الجنسية ومقيم بالكويت، يقول أن البدون يتعرضون لضغوط ممنهجة تجعل من حياتهم شبه مستحيلة: "الكثير من الأطفال بلا تعليم لأن الدولة تمنعهم، ونساء بلا زواج لأن التوثيق يعيقهم، والكثير بلا عمل لأن الحكومة تمنعهم."

بعد استقلال الكويت عن الاحتلال البريطاني عام 1961، بدأت الكويت بفتح باب التجنيس لمن يريد من مواطنيها مقدمة معها بعض الامتيازات وفقًا لشروط محددة. فحسب تشريعات القانون الكويتي"يكون كويتيًا كل من وُلد في الكويت أو ولد في الخارج لأب كويتي." لم يقم بعض البدو بالتقديم على الجنسية، بسبب تنقلهم الدائم من مكان إلى آخر، كما لم تستمر فترة التجنيس طويلًا. بينما تشير بعض المصادر أن الامتيازات الموجودة فتحت فرصة أمام "غير كويتيين لترك بلادهم والتخلي عن جوازاتهم رغبة في الاستفادة من امتيازات المواطن الكويتي."

إعلان

وعلى الرغم من عدم حصولهم على جنسية كويتية، كانت تتم معاملة البدون كمواطنين كويتيين، وتلقى أغلبهم تعليماً مجانياً في المدارس الحكومية، وحصلوا على رعاية صحية مجانية، كما تم السماح لهم بالانخراط في السلك العسـكري. ولكن بداية من عام 1986، بدأت الحكومة في تقييد حصول البدون على جوازات السفر، وتجريدهم من الكثير من الامتيازات وتصنيفهم على أنهم "مقيمون غير قانونيين."

ارتبطت هذا التضييقات مع الثورة الإيرانية عام 1979 والحرب الإيرانية العراقية عام 1988 ومن بعدها الغزو العراقي للكويت عام 1990، حيث اعتبرت الحكومة الكويتية "البدون" تهديدًا أمنيًا. ولأن إعطاء وسحب الجنسية يعتبر حق سيادي من أمير الدولة، لا يوجد محاكم إدارية تتعامل مع هذه القضايا بشكل مستقل، وبالتالي لا يمكن للبدون اللجوء للقضاء. وتخشى الحكومة أن يتسبب تجنيس البدون في تغيير التركيبة السياسية في البلاد فيما يتعلق بنسب السكان من السُنة والشيعة.

يؤكد الفايز على أنه حتى منتصف الثمانينات، تمتع البدون بكافة الحقوق مثل السكن والعمل والدراسة والعلاج والسفر، وكانت الدولة تبتعثهم للخارج للدراسة، وكان البدون يشكلون غالبية أفراد الجيش والشرطة. ويضيف بأن البدون شاركوا في عدد من الحروب: "في حربي 1967 و1973 أرسلت الكويت جيشًا لمصر وسوريا، حوالي 80% من الجيش كانوا من البدون الذين استشهدوا في مصر وسوريا. كما استشهد من 100 شهيد وشهيدة من البدون دفاعاً عن الكويت خلال غزو العراق للكويت، وهم مسجلين بمكتب الشهداء. ولكن المأساة هي أن مكتب الشهداء أنكر ذلك، وسجلهم شهداء كوارث طبيعية كي لا يمنحهم الجنسية. وبعد التحرير عام ١٩٩٢، وقعت الكويت اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، وعليه، تم تسريح الآلاف من البدون من السلك العسكري."

إعلان

عن العنصرية
عبد العزيز يقول أن أن العنصرية التي واجهها كبدون لم تكن عنصرية مباشرة من المجتمع، لأنه في النهاية يتحدث نفس اللغة ومن نفس الثقافة، ولكن المشاكل تظهر في المعاملات الرسمية. ويضيف: "المشكلة الحقيقية للعنصرية ضد البدون تظهر في المعاملات الحكومية أو دخول مستوصف أو مستشفى، بالإضافة إلى أن الإعلام رسخ صورة أنهم متخلفون أو مجرمين، لهذا تأتي نظرة استعلائية عندما يعرف أحدهم أنني بدون."

الفايز يسترجع مشاهد العنصرية التي واجهها في طفولته: "لم يكن ليس مسموحًا للبدون التنافس مع الكويتين في مسابقات حفظ القرآن مثلاً، وكان اتحاد كرة القدم يضع كحد أقصى شخصين أجنبيين في الفريق، لذا مُنعت من اللعب أنا وصديقي الذي يلعب الكرة جيدًا لأننا بدون. عنصرية المجتمع موجودة في كل مكان، ولكن الكارثة في حالتنا هي وجودها في القوانين."

عدم حصولهم على جنسية يعني حرمان البدون من حق العلاج والتنقل والتوثيق كاستخراج عقود الزواج وشهادات الميلاد والطلاق والوفاة وما يترتب عليها من مشاكل وأزمات متعددة. كما لا يحظى كثير من البدون بفرص التعليم الجيد، أولًا لأن تعليم أبناء البدون منفصل عن التعليم الكويتي الحكومي، لهذا يدخلون في مدارس خاصة ذات جودة منخفضة، وبسبب ارتفاع التكاليف لا يلتحق كل أطفال البدون بالمدرسة. يقول عبد العزيز: "تمكني من استكمال دراستي كان حظًا كبيرًا لأنني الابن الأصغر، وجاء ذلك على حساب أخ آخر حُرم من التعليم. إكمال الدراسة هو امتياز لا يحظى به كثيرين من أبناء البدون."

الفايز كذلك كان لديه "امتياز" التعلم والسفر للخارج لاستكمال الدراسة، لأن والده كان عسكريًا وذلك أعطاه بعض التسهيلات في السفر بجانب المساعدات المادية. وبالرغم من أن فايز يعمل كطبيب في تخصص نادر إلا أنه لم يلق مقابل عادل لتخصصه، كما يقول: "‏كطبيب عملت قبل سنتين لمدة 9 شهور بلا راتب، لأن الجهاز المركزي رفض تجديد بطاقتي إلا بحصولي على جنسية أخرى، وعدم تجديد البطاقة يعني أن البنوك لن تصرف لك راتبك. قمت بنفسي بحملة على تويتر تواصل معي حينها رئيس مجلس الأمة رغبة منه في حل مشكلتي فقط، فرفضت مطالبًا بأن يكون الحل للجميع وهذا ما حدث."

ويضطر بعض البدون إلى شراء جوازات سفر أجنبية للاستمرار في عملهم أو الهجرة إلى دول غربية للحصول على جواز سفر. كما يحصل البدون على هويات مؤقتة من الجهاز المركزي الذي تأسس عام ٢٠١٠ بهدف حل قضية البدون، ولكن يشير حقوقيون أن "بعض ممن انتهت صلاحية هوياتهم طلب منهم الجهاز التوقيع على ورقة بيضاء ليكتشفوا أنهم وقعوا على وثائق تزعم أنهم يحملون جنسيات دول أخرى."

إعلان

بالنسبة للعمل في القطاع العام، يشير الفايز أن الحكومة تمنع "الوظائف عن البدون إلا في بعض المجالات التي تعاني نقصًا مثل التمريض والتعليم والطب، ولكنهم يمنحون رواتب متدنية بلا نهاية خدمة أو ضمان اجتماعي. أم العمل في القطاع الخاص فيتطلب ترخيصًا، وهذا الترخيص لا يُمنح للبدون "مما يضطرهم للبيع على الأرصفة أو الإتجار بالسيارات أو أية وظائف لا تتطلب رخصة."

عن العلاقات
كونك بدون يحدد كذلك شكل علاقتك العاطفية، حيث تتردد الكثيرات من الكويتيات بالارتباط بشخص بدون لأنها لا تريد أن تكون في وضع قانوني واجتماعي واقتصادي معقد بلا عقد زواج أو شهادة ميلاد أو صعوبة في تسجيل أطفالها في المدارس أو الحرمان من السفر. في المقابل، تشجع الحكومة الكويتي للزواج من الكويتية وتمنحه مساعدات اجتماعية، بينما يُحرم الكويتي من هذه المساعدة لو ارتبط بامرأة من البدون.

ويضيف عبد العزيز: "أن تكون بدونًا في الكويت يعني أن تكون تحت وطأة الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي ضمن منظومة أبوية، وخاصًة للنساء. هذا بالإضافة إلى نسبة الانتحار المخيفة بين البدون والذي أعتبره أنا اغتيالًا وقتلًا متعمداً." ويرى البعض إلى أن الانتحار يعتبر الملجأ الأخير للبدون في الكويت، حيث يصبح "الموت حلًا للمأساة من ناحية، ودعوة للفناء الجماعي" في ظل العجز عن رؤية أي نافذة للأمل بمستقبل أفضل.

إعلان

عن الهجرة
في ظل الوضع القاسي الذي يعيشه البدون في الكويت، قد تكون الهجرة هي الخيار المتبقي، لكن حتى هذا الخيار ليس سهلاً، بحسب الفايز: "الهجرة خيار صعب للغاية للبدون، الذين لا يملكون بالأساس جواز سفر وإنما وثيقة سفر، والوثيقة تجعل من الصعب الحصول على فيزا لأن غالبية الدول لا تعترف بوثائق السفر. في ظل هذا الوضع، يضطر البعض للسفر بطرق غير قانونية، وبعضهم غرق في رحلات الهجرة، وآخرين علقوا لسنوات في أوروبا بين رفض القبول والهرب من بلد لآخر."

عبد العزيز هاجر من الكويت في عمر الـ 17 لوحده بدون عائلته، وهو يقول أن الهجرة لم تكن خياراً "تم دفعي للخروج من الكويت" ويضيف: "لم تكن هجرتي وسيلة بحث مادي بقدر ما كانت فلسفة للبقاء، وإن كنت أصنف نفسي بأنني مُهجر ولست مهاجر."

بالرغم من هجرة عبد العزيز واستقراره في اسكتلندا حاليًا، إلا أنه يرى أن حياته مرتبطة بالكويت وبقضية البدون، وهو يدرس سياسة الآن لهذا الغرض، كما أنه يعمل مع أحد المنظمات الحقوقية لتحرير البدون: "في اسكتلندا شعرت بالمواطنة ووجدت ذاتي وكرامتي الإنسانية، ولكن علاقتي الروحانية مستمرة بالكويت وبقضية البدون. غادرت الكويت لكنها لم تغادرني، ووجداني وذاكرتي وإرثي التاريخي في كل الجغرافيا الكويتية."

عن المواطنة
أبرز مطالب البدون حاليًا، كما يقول الفايز هو المواطنة التي معها تأتي باقي الحقوق بالطبع مثل الحقوق المدنية والإنسانية والقانونية. ويضيف: "يسعى الناشطون لكسر الصورة النمطية للبدون كفقراء وغير متعلمين، وكسر العزل الإجتماعي الممنهج. نحتاج كذلك ‏لتشكيل جماعات ضغط لجعل قضية البدون أولوية، واستغلال كل السبل السلمية في التواصل مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتوثيق الانتهاكات وإدانة الحكومة بسبب طريقة تعاملها غير الإنسانية مع عديمي الجنسية."

في 11 نوفمبر العام الماضي، جدد مجلس الوزراء الكويتي صلاحية الجهاز المركزي "لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" لمدة عام، على الرغم من اعتراض مؤسسات حقوقية على دوره، وخاصة في ظل رفضه إصدار أي وثائق هوية – ضرورية لكل معاملة تجارية وإدارية - إلى أن يضطر البدون إلى القول بأنهم وعائلاتهم ليسوا من الكويت.

واعتبرت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، أن "هذا الجهاز مسؤول عن انتهاك حقوق فئة البدون من خلال حرمانهم من وثائق الهوية الضرورية، ما لم يوافقوا على القول إنهم وعائلاتهم ليسوا من الكويت. وبدون هذه الوثائق، يحرم عشرات البدون من الحصول على وظيفة أو الذهاب إلى المدرسة أو الحصول على الرعاية الصحية. ويُحكم عليهم بالعيش على هامش المجتمع في ظل الفقر والمشقة."

على الرغم من كل التضييقات والصعوبات، يُعبر الفايز عن انتماءه وحبه الكبير للكويت: "أنا كويتي بدون جنسية، ولكني كويتي. نحن أصحاب حق وتاريخ وننتمي لهذه الأرض والوطن. ونحن نميز بين الحكومة وبين الوطن، حنقنا على تصرفات الحكومة لا يعني نهائيًا كرهنا لوطننا الكويت، نحن أبناء هذا الوطن وإن جارت علينا حكومته."

أما عبد العزيز فقد أخذ قراره بأنه لن يعود إلى الكويت إلا بعد انتهاء هذه المنظومة. ويضيف: "قضية البدون هي جزء من النضال العربي ضد الاستبداد. عندما أطالب بالحرية لمجتمعي، فأنا أطالب بها لكل المجتمعات المقهورة."