image1 (1)
مقال رأي

لماذا "نكره" النساء المتباهيات بأنوثتهن؟

هناك تمجيد مجتمعي لفكرة "البهدلة" و"المرمطة" باعتبارها علامة على جَدية الشخص، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمرأة

عندما انتهيت من تسجيل أول سيناريوهاتي السينمائية رسميًّا، التقطتُ صورةً احتفالية وأرسلتها لصديقتي المقرَّبة، فنصحتني بعدم نشرها على السوشيال ميديا، لأنني أظهر فيها بشكلٍ مثير في صورة يفُترض أنها رسمية، وسألتني مستهجنة، هل تريدين أن يتعامل معك الجميع كما يتعاملون مع (فلانة)؟ كانت فلانة التي تتحدث عنها صديقتي كاتبة وإعلامية جميلة، وتحظى بعددٍ هائلٍ من المتابعين. ينظر كثيرون لهذه الفنانة مستنكرين كونها كاتبة، لأنها مشهورة بجمالها وإثارتها أكثر مما هي مشهورة بكتابتها، على اعتبار أن الكتابة والجمال يتعارضان برأيهم.

إعلان

ذكَّرني كلام صديقتي بحلقةٍ من المسلسل الكوميدي The Big Bang Theory، عندما عارضت آيمي صديقتها برناديت، لأنها وافقت على المشاركة في مقال عن ٥٠ عالمة مثيرة لصالح مجلةٍ شهيرة، قائلة: "أنتِ عالمة ناجحة ويجب أن تُكرَّمي لأجل إنجازاتك وليس مظهرك.. لا يجب على أي امرأة محترفة أن تستخدم إثارتها لتشق طريقها في مجالها، لأن هذه التصرفات تضر باقي النساء، وتُرسّخ فكرة أننا نتلقى التكريم بسبب جسدنا لا إنجازاتنا."

هذا الموقف عابر للثقافات، وصدامٌ يتكرر في حياتنا كنساء، في كل البلاد والمجتمعات، وفي المجالات العلمية والعملية التي ننخرط فيها. علينا ألا نتجاوز نطاقًا معينًا للتعبير عن أنوثتنا علنًا. ولكن لماذا؟ لماذا نُقيِّد أنوثتنا وجمالنا باستمرار؟ ولماذا "يكرهنا" الجميع، نساءً ورجالاً حين نخرج عن هذا العرف الاجتماعي؟ اخترت وصف هذا الشعور بالكره despise لأنه برأيي يجمع ما بين مشاعر الاستخفاف والإزدراء.

في ساحة العمل
هناك رفض مجتمعي عام للنساء اللاتي لا يجدن حرجًا في إظهار أنوثتهن والاستمتاع بها، ويُنظر إليهن عادةً باعتبارهن فارغات العقل، تافهات، أو حتى خطافات رجَّالة. يظهر ذلك مثلاً في العمل، هناك شكٌ يحوم حول النساء الناجحات طوال الوقت، ويتم اتهامهن بالعادة بأنهن حصدن هذا النجاح "بوسائل أخرى" غير الاجتهاد والكفاءة. وقد ينجرف آخرون في الأمر ويصل بهم لانتقاد "امتيازاتنا كنساء" التي تفوق الرجال لأن "المجتمع يطبّل للنسوان" ويحاولون وصم أي نجاح نسائي بأن سببه الوحيد هو امتلاكنا لـ"مهبل وثديين" في الوقت الذي تعمل ملايين من النساء يوميًّا حد الإنهاك، ويتقاضين رواتب أقل من زملائهن الرجال، ويخضن معارك ضارية لينتزعن حقهن في الخروج والعمل أصلاً.

إعلان

في المجال العام
هناك تمجيد مجتمعي لفكرة "البهدلة" و"المرمطة" باعتبارها علامة جَدية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمرأة. أتذكر أن جارتي حكت لي أن زوجها قرر خطبتها بعدما رآها في الشرفة تنشر الغسيل، وبدت غير مهندمة لانهماكها في أعمال المنزل، فتأكد أنها خير زوجة، وكان هذا من أغرب ما سمعت من أسبابٍ للزواج!

وفي أيَّام الجامعة كانت السخرية على أشدها من بنات كلية هندسة "اللي بشنب" واللاتي لا "يعرفن الأنوثة" كزميلاتهن في كليات الآداب والإعلام، لكن هذه السخرية كانت تداري في باطنها "احترامًا" لصاحبات هذا التخصص الصعب الذي "يشغلهن عن الاهتمام بمظهرهن" بعكس صاحبات التخصصات "البسيطة" ككليات الفنون والآداب. في الحالتين، لا أحد لديه الحق في وضعنا في قوالب جاهزة، وخيارات النساء لإزالة الشعر أو عدم إزالته مثلاً لا تخص أحداً على الإطلاق ولا تحدد قيمة الشخص.

ولكن من ناحية أخرى، تسبب ربط الجدية والاحترام بشكل المرأة الخارجي في تفاقم ظاهرة "خنق الأنوثة" في مجتمعنا، ولهذا تربينا على عبارات مثل "امشي في الشارع زي العسكري" لحثنا على عدم التغنج أو التمايل في مشيتنا ولو بغير قصدٍ، بجانب عبارات أخرى تنهرنا عن التجمل والتأنق ووضع المكياج "انتي عايزة طوب الأرض يعاكسك ولا ايه." ولكن هل أفلحت هذه الإستراتيجيات في منع تعرضنا للتحرش والأذى، سواء كنا نسير بشعرنا منسدلاً أو ملمومًا، أو بحجاب أو بنقاب؟ بالطبع لا، لأن المشكلة في المتحرش المجرم وليست في الضحية.

رغم هذا المنطق البسيط أصبح طبيعيًّا أن ننظر لمن تُظهر جمالها نظرة احتقار وضيق، وخروج عن كتالوج الأدب، وهكذا ولد الاعتقاد بأن "اللي تلبس حلو تبقى عايزة تتعاكس" ومنه جاء "التحرش العقابي" الذي يبدأ بالألفاظ الجارحة والمهينة، فالنظرات، فاللمس، وقد ينتهي برش ماء النار على غير المحجبات وتشويههن، وقص شعورهن قسرًا في المترو، والحجة هي "لو كنتِ محترمةً ما خرجتِ من بيتكِ هكذا" و"آدي شعرك اللي فرحانة بيه."

إعلان

ذوبي في الآخرين "يا ماما"
لقد تربينا على إنكار أنوثتنا وإخفائها بهدف "حمايتنا" وكأنها سبب الأذى، مع مئات الوعود المستقبلية بأننا سنفعل ما نريد حين نكبر، أو نتخرج، أو نتزوج، لكن الأمور لا تسير هكذا، لأن التعبير عن الأنوثة يظل غير مريح للمجتمع عمومًا. في الطفولة نُنهر عنه لأنه ظهر "قبل الأوان" وفي المراهقة ستُكبح مشاعرنا كي لا ننحرف، وعندما نكبر ونتصرف بحريتنا نصبح "متصابيات" و"عقلنا خفيف."

رغم القطيعة الممنهجة التي تحدث بيننا وبين أنوثتنا، وتترسخ فينا باعتبارها الصواب والطهر والبراءة، تتغير الأمور بشكلٍ دراميّ عندما نتزوج، وفجأة يطالبنا المجتمع بأن نستخرج هذه الأنوثة "لإسعاد الزوج" وتصبح الأناقة مطلوبة "لنشرفه" أمام عائلته ومعارفه، لأن هدف التربية المحزنة التي تلقيناها هي أن نكون جاهزات "لاستخدام" رجل واحد، ووحده يحق له "الاستمتاع" بكنز الأنوثة الذي بالغنا في دفنه حتى نسينا مكانه أصلاً. هل تستطيع المرأة التي قاطعت أنوثتها، وتأثرت نظرتها لنفسها وجسدها ضغط زر يحولها إلى كائن سكسي مفعم بالجمال والدلع في لحظة؟ مستحيل.. لكن أحدًا لن يتفهم هذا، وأولهم زوجها الذي قد يهجرها أو يتزوج عليها بحجة "إنتي مش محسساني بأنوثتك."

تتغير الأمور بشكلٍ درامي من جديد عندما تصبح الزوجة أمًّا، لأن الكثيرين ينظرون إلى الأم المتأنقة، والحريصة على تدليل نفسها، باعتبارها عابثة ومقصرة، ولا تفني كل دقيقة من حياتها لصالح بيتها وأطفالها، وإذا تعرض طفلها لأي خدش سيكون الرد التلقائي: "طبعا، ما انتي مش مركزة معاه." لكن ماذا لو استجابت الأم لهذا الضغط الاجتماعي وأهملت نفسها ومظهرها؟ بالضبط، سيلومها الجميع لأنها تُقصّر في حق زوجها المسكين الذي يريد شريكةً جميلة أنيقة سكسي.. جماعة، أنتم عايزين مننا ايه بجد!؟

إعلان

الذكورية أصل الأذّى كله
بعيدًا عن النظرة الذكورية للأنوثة، والتي تعتبرها "أداة" مخصصة لإمتاع رجل واحد، فهناك نظرية أنثوية شديدة الخصوصية، عن مشاعرنا كنساء تجاه النساء الأخريات المتباهيات بجمالهن وأنوثتهن.

مررت بتغير فكري كبير فيما يخص نظرتي لغيري من النساء، ففي مراهقتي عندما كنت محجبة ومتزمتة، وكنت أعتقد أنني وحدي من أتمتع "بالجاذبية الحقيقية" ولا أنسى شعوري بالصدمة حين اكتشفت أن الشباب ينظرون للنساء الأخريات غير المحجبات، حقدت عليهن لأنهن نلن ما اعتقدت أنه من حقي: تقدير جمالي وأخلاقي، وأن أكون الاختيار الأول.

وقتها ترجمت هذا الحقد في عبارات تحقر من جمالهن "الذي صنعه المكياج" ورددت أن "الروح هي الجمال الحقيقي" ويومًا ما سيذوى جمالهن ليكتشفن أنهم لا شيء دونه. كنت مقتنعة بكثير من الأمور الغبية والذكورية، وحتى بعدما نضجت وفهمت أن لكل منا تعبيرها الخاص عن نفسها وشخصيتها وجنسها، بقي لدي شعور بالانزعاج من النساء اللواتي يستعرضن أنوثتهن وجاذبيتهن في مجال العمل، لأنهن يصعبن الحياة عليّ بطريقتين، الأولى هي أنهن قد يحصدن النجاح بجاذبيتهن (يمكن أن يحدث ذلك، النساء لسن ملائكة) والثانية هي أن ترسيخ فكرة أن النساء ينجحن بجمالهن تجعلنا نعيش في حرب دائمة لإثبات عكس ذلك. لقد اعتنقت هذه المخاوف طويلاً ثم رفضتها في الأعوام الأخيرة، باعتبار رواسب اجتماعية ذكورية تسعى لتحويل الانتباه من نقد النظام السياسي والاجتماعي والسلطة الأبوية لوضع النساء في مواجهة ضد النساء.

السلطة الأبوية والذكورية السامة، أصل كل الأمراض المجتمعية التي حصرتنا في دور الكائن الجميل الذي "يتمتع" به أحدهم، وترفض إخراجنا من هذا الدور وتحترم إنسانيتنا، وتضع لنا معايير جمال تستهلكنا نفسيًّا وجسديًّا. معايير جنونية تناقض بعضها، دمرتنا كنساء، بداية من نبذ أنوثتنا ليقال عنّا "محترمات" و"جادات" وبنفس الوقت الحفاظ على مظهرنا بداية من المكياج والشعر وانتهاء بعمليات التجميل، كي لا نبدو أننا مهملات وكسولات. النقيض وعكسه، معادلة مستحيلة التحقيق.

المظهر أمر شديد الأهمية في حياتنا كبشر، لأنه يعبر عن شخصيتنا وأفكارنا واستقلاليتنا. عندما يتدخل المجتمع في حريتنا الشخصية هذه، نشعر بالظلم والضيق والإجبار، وعندما يفسر لنا المجتمع أن السبب في إجبارنا هذا هو الدين، العادات، التقاليد، الأصول، الأخلاق، الاحترام وغيرها من الكلمات الكبيرة (والتي لا يجب أن تُطبق بالإجبار والقهر مهما اقتنعنا بصحتها)، فالسؤال هو لماذا كل هذه المعايير موجه للنساء فقط؟ فالمجتمع يتقبل الرجل كما هو، لكنه ينكر علينا الحق نفسه، ويعاقبنا حسب تفسيره لمظهرنا.

نسمع دائمًا عبارات من نوعية "أكبر عدو للمرأة هي المرأة" و"بعض النساء ذكوريات أكثر من الرجال" وأن النساء يغرن من بعضهن، ولا تطيق واحدة منهن أن ترى أخرى أجمل منها، لكن مرة ثانيةً نسأل: من المسؤول عن هذا؟ من حرم النساء من حق اختيار أبسط تفاصيل حياتهن، وعلَّمهن أن يكرهن من تختلف عنهن؟ من صوَّر لنا العالم كسباق لا ينتهي لنيل رضا الرجال، فأصبحنا نركض ونقهر بعضنا ونكره من تتمرد على المنظومة كلها؟

السلطات الأبوية برمجت مجتمعنا لينظر إلى النساء بشكلٍ معين، وتجعلنا نقيم أنفسنا كنساء بشكل معين، ونخوض صراعات كثيرة مع أنفسنا. ليس الحل أن ننبذ جمالنا وجاذبيتنا، أو نرتدي ثياب ووجه ومشية "العسكري" ليعترف العالم بأننا جادات ومحترمات، بل أن نتقبل أن المظهر اختيار شخصي بحت، ولا نحاكم نساء مثلنا على اختيارتهن أياً كانت.

هل هناك نساء يحصدن نجاحًا غير مستحق بجمالهن؟ ربما، لكن هل هذه مشكلة باقي النساء؟ لا. هل من وضع قواعد اللعبة هن النساء؟ لا. المشكلة هي في السلطة الذكورية التي تحكم المجتمع والتي خلقت هذه الازدواجية، والآن يحاكموننا بسببها. ربما أبسط ما نستطيع فعله كنساء هو أن نحاول أن نتوقف عن قمع أنفسنا أولاً، وأن نحاول بنفس الوقت منع الأذى عن الأخريات وكسر القالب الذي يحدد قيمة الشخص بشكله الخارجي.