mandela artwork
حياة

تأثير مانديلا: حينما تخونك الذاكرة

تحدث هذه الظاهرة عندما يعتقد البعض أن شيئًا ما حدث في حين أنه في الواقع لم يحدث أبدًا

هل سبق وفوجئت بوقوع حدث معين مؤخرًا بينما أنت متأكد تمامًا أنه تحقق في وقت سابق؟ أو هل اعتقدت أن حدثًا قد وقع بينما لم يحدث بالفعل. هل تتذكر كافة التفاصيل بدقة لدرجة لا تستطيع تصديق أي خبر يتناقض مع ذكرياتك؟! إن كان كذلك، فلا تقلق فهذا لا يحدث معك حصرًا لوحدك، يوجد العديد ممن لا تعرفهم يتشاركون معك ذات الذكريات. 

نحن نتحدث عن ما يسمى بظاهرة تأثير مانديلا.

تعود هذه الظاهرة إلى عام 2009، حينما كانت المتخصصة في الماورائيات "فيونا بروم" تتحدث في مؤتمر حول كيفية تأثرها بمأساة وفاة رئيس جنوب أفريقيا السابق نيلسون مانديلا في سجن بجنوب أفريقيا بالثمانينات، وإذا بها تتفاجأ أن عددًا كبيرًا من الناس يتذكرون الحدث نفسه بذات التفاصيل بينما هو في الواقع لم يحدث البتة، حيث تم إطلاق سراح مانديلا عام 1990، ليحصل بعدها على جائزة نوبل للسلام عام 1993، ثم تم انتخابه رئيسًا لعام 1994، إلى أن توفي في منزله عام 2013. لهذا السبب سميت هذه الظاهرة بـ "تأثير مانديلا."

إعلان

تحدث هذه الظاهرة عندما يعتقد البعض أن شيئًا ما حدث في حين أنه في الواقع لم يحدث أبدًا، وتصر هذه المجموعات على أنه يمكنها تذكر حادثة أو تجربة معينة رغم وضوح انعدام صحتها. ويستخدم هذا المصطلح الآن لوصف الذاكرة الجماعية الزائفة، فعلى الرغم من كونها خاطئة إلا أنها قد أصبحت حقيقة في أذهان الكثيرين.

لماذا يمكن لأشخاص لم يلتقوا قط أن يتشاركوا في ذات الذكريات الزائفة؟
وفقًا لتيم هولينز، أستاذ علم النفس التجريبي في جامعة بليموث في المملكة المتحدة، فإن "تأثير مانديلا" مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعدد من ظواهر الذاكرة المعروفة، وأشار إلى ثلاثة أنواع متشابهة من الظواهر المتعلقة بالذاكرة ألا وهي الذاكرة الزائفة والتي تعني خلق ذكريات لم تحدث، وأخطاء ذاكرة المصدر التي تحدث حينما ينسى شخص ما المصدر الحقيقي لذكرياته، وتضخم الخيال "وهو الميل إلى الاعتقاد بأن الخيال أكثر حقيقية ووضوحاً في كثير من الأحيان.

يذكر هولينز أيضًا العديد من العناصر الاجتماعية التي تساهم في ترسيخ هذه الظاهرة كأمثلة على مدى قابلية ذاكرتنا للوقع بالخطأ، مثل "تجارب آش للامتثال" وهو عندما يتفق الناس مع وجهة نظر معينة من أجل التوافق مع مجموعة أو الامتثنال للأغلبية، بالإضافة إلى تأثير المعلومات المضللة.

يُعتقد أن الظاهرة الأكثر ارتباطًا بتأثير مانديلا هي "الذاكرة الجوهرية" وهي عندما يكون لدى شخص ما فكرة عامة عن شيء ما ولكن لا يمكنه بالضرورة تذكر التفاصيل. وقد فسر هولينز اعتقاده باستشهاده بإحدى الأمثلة الشائعة على تأثير مانديلا ألا وهو شخصية "جورج الفضولي" وهي شخصية كتاب للأطفال ظهرت لأول مرة في الأربعينات، فعلى الرغم من أنه لا يملك ذيلًا، إلا أن الأغلبية يظنون العكس، وهذا لكونهم يتذكرون جوهر الشخصية أنها تعود لقرد، فمن البديهي اعتقادهم أن له ذيل أيضًا.

إعلان

الذكريات الزائفة 
هل تتذكر أنك قد قمت بشتغيل الغسالة قبل مغادرتك العمل، لتكتشف العكس حين عودتك؟ أو تأكدك من إغلاق سيارتك وأنت لم تفعل؟ هذا بالضبط ما يسمى بالذكرى الكاذبة، والتي تعني امتلاك ذكريات تبدو حقيقية في ذهنك ولكنها ملفقة جزئيًا أو كليًا. معظم هذه الذكريات الخاطئة أو الكاذبة ليست خبيثة أو مؤذية عمدًا، بل إنها تحولات أو إعادة بناء للذاكرة لا تتماشى مع الأحداث الحقيقية. يتم نقل الأحداث من الذاكرة المؤقتة إلى الدائمة أثناء النوم، ومع ذلك، فإن الانتقال ليس مطلقًا، أي أنك قد تفقد عناصر من الذاكرة، وهذه بالضبط هي اللحظة التي يمكن أن تتشكل حينها الذكريات الخاطئة.

في ذاكرتك، يمكنك دمج عناصر من أحداث مختلفة في حدث واحد، فمثلًا عندما تتذكر ذكرى معينة، فأنت تتذكر الأحداث التي حدثت، لكن الجدول الزمني قد يكون مشوشًا ومختلطًا مع مجموعة متنوعة من الأحداث التي تلعب دورًا في تشكيل ذاكرة فريدة في عقلك. مثلاً، عندما زار الرئيس الفرنسي ماكرون الفنانة اللبنانية فيروز عام ٢٠٢٠ لتكريمها اعتقد الكثير أنها كانت قد توفيت منذ زمن بعيد.

كما لا ينبغي الاستهانة بدور الانترنت في التأثير على ذكريات العامة. يعد الإنترنت وسيلة قوية لنشر المعلومات، مما يزيد من احتمالية نشر مفاهيم خاطئة وأكاذيب والتي بدورها قد تكتسب زخمًا ليس بعاديًا بين الناس، وعليه يبدأون في تكوين مجتمعات قائمة على هذه التضليلات، وما كان في المخيلة يبدأ في الظهور وكأنه واقعي. في دراسة كبيرة لأكثر من مئة ألف قصة إخبارية تمت مناقشتها عبر تويتر، والتي أجريت على مدى عشر سنوات، أظهرت أن الخدع والشائعات قد تغلبت على الحقيقة في كل مرة بنسبة 70%. 

إعلان

العمر والعوامل النفسية
قد يكون لعواطف اللحظة تأثير كبير على كيفية تخزين الذاكرة وما يتم تخزينه، حيث تشير الأبحاث إلى أن المشاعر السلبية تؤدي إلى ذكريات خاطئة أكثر من المشاعر الإيجابية أو المحايدة، كما أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو التوتر قد يكونون أكثر عرضة لإنتاج ذكريات خاطئة. الأفراد المصابون باضطراب الوسواس القهري قد يعانون كذلك من عجز في الذاكرة أو ضعف الثقة بها. 

مع التقدم بالعمر، فإن الذاكرة قد تفقد بعض التفاصيل، حيث يصبح جوهر الذاكرة أقوى بينما تتلاشى التفاصيل. على سبيل المثال، قد تتذكر أنك ذهبت إلى الشاطئ في شهر العسل، لكنك قد لا تتذكر اسم الفندق أو كيف كان الطقس أو حتى المدينة التي أقمت بها.

وقد تشكل "تجربة الضياع في المركز التجاري" التي ابتكرتها الباحثة النفسية والمتخصصة في الذاكرة إليزابيث لوفتس وتلميذها جيم كوان حول زراعة الذاكرة دليلاً مهماً على كيفية نشوء الذاكرة الزائفة، فقد أثبتا بالتجربة أنه عند سرد قصة مختلقة عن ضياع شخص ما في مول، بمرور الوقت قد يصدق الشخص نفسه هذه القصة، بل يشرع في زيادة التفاصيل عليها.

أكوان بديلة أو موازية
نشأت إحدى النظريات حول تأثير مانديلا من فيزياء الكم وتتعلق بفكرة أنه بدلًا من جدول زمني واحد للأحداث، فمن الممكن وجود حقائق أو أكوان بديلة تختلط مع جدولنا الزمني. وعليه نظريًا، سينتج ذلك في مجموعات من الأشخاص لديهم نفس الذكريات لأن الجدول الزمني قد طرأت عليه بعض التغيرات أثناء تنقلنا بين هذه الحقائق المختلفة. في الواقع، قد يرى الكثيرون أن هذا التفسير بعيد تمامًا عن الواقع، لكن بالمقابل لا نملك برهانًا لدحض حقيقة أن هذه الأكوان الأخرى غير موجودة، وعليه فإن هذا التفسير قد لاقى قبولًا قويًا بين مجتمعات تأثير مانديلا. وهناك فرضيات أخرى مثل عبث المسافرين عبر الزمن بالأحداث.

إعلان

عام 2019 انتشرت تغريدة على موقع تويتر يتحدث فيها شخص يدعى Nick Hinton عن أن العالم انتهى عام 2012 وأننا نعيش في واقع بديل منذ ذلك الحين. ويعتقد البعض أننا انطلقنا إلى واقع بديل عندما وجد العلماء في CERN جسيم بوزون هيغز، حيث تم رصد إشارات لهذا الجسيم في عام 2011 فيما يعرف بـ مصادم الهادرونات الكبير، وأعلن مختبر سيرن في 4 يوليو 2012 أنه متأكد بنسبة 99.999% من وجود بوزون هيغز فعليًا.

وجسيم بوزون هو جسيم أولي يُظن أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. ويُعتقد أن هذا الجسيم (بوزون هيغز)، دليلٌ علميٌّ على وجود مجال طاقةٍ غير مرئي. وأن كتلة الجسيم هي بالضبط تلك اللازمة للحفاظ على استقرار الكون، وهذا سبب تحذير ستيفن هوكينغ الذي كان قد حذّر من أن العبث في مثل هذه الجسيمات يمكن أن يتسبب في تعرّض الكون لانحلالٍ فراغيّ كارثي.

وفقًا لمنظري المؤامرة، أدى اكتشاف هذا الجسيم إلى إحداث فراغ في الثقب الأسود في كون موازٍ. بينما يقول البعض الآخر إن تأثير مانديلا هو الدليل على أن العالم كما عرفناه انتهى في عام 2012 وتحولنا إلى واقع بديل. باختصار، ما تقوله هذه النظرية، هي أن تداخل عالمنا مع عالم مواز، سبب باختلاط ذاكرة الأشخاص في العالم الموازي بذاكرة نفس الأشخاص في هذا العالم. وأن مانديلا في العالم الموازي قد مات في السجن فعلاً وعرضت جنازته على التلفاز.

إعلان

هل يمكنك فعل أي شيء لمحاربة الذكريات الزائفة؟
من الصعب معرفة ما إذا كان استرجاع ذاكرتك يمكن الاعتماد عليه أم لا. مبدئيًا، هناك العديد من الحالات التي تؤثر على نمو الذاكرة وفقدانها، حيث أنه في كثير من الحالات قد تتضمن الاقتراحات لتحسين وظائف المخ منها اتباع نظام غذائي صحي، وتحسين جدول نومك وممارسة الرياضة بانتظام. ولكن عندما يتعلق الأمر بالتحقيق في الحقيقة وراء الذكريات التي يُفترض أنها خاطئة، يقترح الدكتور بونر جاكسون أن الأمر متروك لك للتفرقة بين ما يندرج تحت إطار الحقيقة والزيف.

إليكم/ن بعض الأمثلة الشائعة من تأثير مانديلا.

 Looney Tunes  مقابل Looney Toons
يعتقد الكثير أن شعار رسوم وارنر برذرز الكرتوني مكتوب بعبارة Looney Toons في حين أنه في الواقع Looney Tunes.

Jif مقابل Jiffy
Jif هي علامة تجارية شهيرة لزبدة الفول السوداني، ولكن يتذكر الأغلبية تسمية العلامة التجارية بشكل مختلف قليلًا وعلى وجه التحديد Jiffy.

Mr. Monopoly
يعتقد الكثير أنه يرتدي عدسة أحادية، بينما إنه على العكس تمامًا. قد يكون قد خلط الكثير بينه وبينMr. Peanut فهو الذي يرتدي هذه العدسة.

برنامج "Sex in the City"
الاسم الصحيح للمسلسل الشهير هو "Sex and the City" ولكن يصر الكثير من المشاهدين على أن الاسم الصحيح هو Sex in the City ويدعون أنهم شاهدوا سلعًا تحمل اسم المسلسل مكتوبًا بهذه الطريقة.

ابتسامة الموناليزا
على الرغم من الخلافات العديدة المحيطة بلوحة ليوناردو ديفينشي الشهيرة، إلا أن واحدة من هذه الخلافات تبرز من بين البقية. يقسم بعض هواة تاريخ الفن أن لوحة الموناليزا كان لديها ابتسامة أكثر وضوحًا على وجهها من تلك الموجودة في اللوحة الآن، وأن تعبيرها تغير مع مرور الوقت. مؤامرة؟

تيانانمن سكوير
كثير من الناس الذين كانوا على قيد الحياة في أواخر الثمانينيات، يتذكرون احتجاجات ميدان تيانانمين في الصين في عام 1989. كانت هناك حادثة محددة لرجل يقف أمام دبابة تقترب ويتم دهسه. هذا ما يتذكره الجميع، ويصرون على صحته وكأنهم شاهدوا ذلك بأعينهم. ولكن الحقيقة هي أن الرجل اقترب من الدبابة بشكل خطير، لكن تم إبعاده بالقوة عن مسار الدبابة.

إعلان

Mirror, Mirror on the Wall
إذا شاهدت بياض الثلج والأقزام السبعة، فلابد أنك تتذكر "Mirror, mirror on the wall, who's the fairest of them all" مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل نساء الأرض؟" قد تشعر بالصدمة عندما تكتشف أن الجملة الأصلية هي في الواقع Magic mirror on the wall.

KitKat
لا توجد مساحة بين كلمتا "كيت" و"كات" في اسم الشوكولاتة المشهورة كيتكات، لكن الكثير من محبي هذه الشوكولاتة يصرون على أن الكلمتان ليستا ملتصقتان.

ايموجي السارق
ربما يتذكر البعض ايموجي السارق، بل قد يقسموا أنه كان موجودًا في لوحة مفاتيح هواتفهم ولكن الحقيقة ان هذا الأيموجي لم تتم اضافته أبداً الى القائمة. ولكن الكثيرين يتذكرونه.

البقرة الضاحكة
إن سألتك عن البقرة الضاحكة على علبة لافشكري، هل كانت البقرة ترتدي قرطاً بأنفها؟ كثيرون يعتقدون ذلك، مع أن الحقيقة ليست كذلك، فهي ترتدي فقط قرطين بأذنيها.

وفاة المشير طنطاوي
يعتبر "محمد حسين طنطاوي" أحدث مثال على تأثير مانديلا، ففور إعلان وفاته في سبتمبر 2021 كتب كثير من المصريين عن اعتقادهم أنه كان متوفيًا بالفعل.

إعلان

بيكاتشو
شخصية "بيكاتشو" من سلسلة "بوكيمون" فرغم اعتقاد كثيرين أن للشخصية ذيلاً أصفر له طرف أسود، فإنه في الحقيقة يملك ذيلاً أصفر بالكامل إلا من بعض اللون البني في بدايته.

ألكسندر هاملتون
يعلم معظم الأمريكيين في المدرسة أن هاملتون كان الأب المؤسس للولايات المتحدة الأمريكية، لكنه لم يكن رئيسًا. ومع ذلك، عند سؤالهم عن رؤساء الولايات المتحدة، يصر الكثير منهم على أن هاملتون كان رئيسًا.

Berenstain Bears
سلسلة كتب الأطفال الشهيرة "Berenstain Bears" ليست بمنأى عن تأثير مانديلا. أفاد العديد من الأشخاص أنهم قد كانوا يهجئون اسمها تمامًا مثل Berenstein Bear أي أنهم يتذكرون وجود حرف e بدلًا من a.

لديكم أمثلة أخرى، شاركوها معنا.