رأي

ملاحظات على مقابلة صهيب حسن يوسف على التلفزيون الإسرائيلي

صهيب ليس مجرد ابن لقيادي في حركة حماس، بل البعض يعتبره من أحد قياداتها المستقبليين
حماس

صهيب حسن يوسف

في الثالث من يوليو الحالي، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين بحملات دعم للشيخ حسن يوسف أحد قيادات حركة حماس في الضفة الغربية، وأحد المؤسسين الـ 6 لحركة حماس في فلسطين، والمعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي حاليًا، بعد انتشار مقابلة مع إبنه صهيب على القناة الـ 12 الإسرائيلية. وكان مُصعب، الأخ الأكبر لصهيب، قد كشف قبل بضع سنوات، عن ارتباطه مع جهاز الشاباك طيلة 10 سنوات دون أن يتم اكتشافه وفضح أمره. صهيب 38 عامًا، ليس مجرد ابن لقيادي في حركة حماس في الضفة الغربية، بل البعض يعتبره من أحد قياداتها المستقبليين، كما أن مكانة والده سمحت له أن يكون على اطلاع واسع على الكثير من المعلومات السرية حول عمل الحركة وخططها.

إعلان

المقابلة
انتشرت المقابلة التي أجراها الصحفي الإسرائيلي "أوهاد حيمو" مع صهيب يوسف مساء الرابع من يوليو. تمت المقابلة في دولة تقع جنوب شرق آسيا، هرب إليها صهيب بعد استقالته من الحركة وتلقيه تهديدات من قبل حماس بحسب ما قال. استمرت المقابلة لقرابة 14 دقيقة ونصف الدقيقة، تابعتها وأعدت مشاهدتها مرارًا وتكرارًا، علني أجد معلومة خطيرة قد أفصح عنها هنا أو هناك، لكنني تقريبًا لم أجد. فما الذي تحدث عنه صهيب؟ وما الهدف من المقابلة؟

خلال المقابلة إعترف صهيب أنه كان يعمل ضمن فريق جمع المعلومات بالحركة في مؤسسات تابعة لها ومقرها على الأراضي التركية، وقال بأن هذه المؤسسات، ليست مؤسسات مجتمع مدني بل هي مؤسسات أمنية عسكرية تعمل على التنصت وجمع المعلومات من أفراد وقيادات فلسطينيين من الضفة الغربية، وعندما سأله المذيع إذا ما كانت تتنصت على إسرائيليين، لم ينفي ذلك، لكنه قال "أنا مش حابب أحكي عن هاي الجزئية" حيث فضل التركيز على تنصت الحركة على القادة الفلسطينيين.

تطرق صهيب للحديث عن الحياة المترفة التي يعيشها أبناء وقيادات حركة حماس المتواجدين في تركيا

ثم عاد للتأكيد، بأن هدفه من المقابلة، والشيء الذي سيكشف عنه، أن مؤسسات حماس التي تحدث عنها والمتواجدة في تركيا، لا تعمل من أجل تحرير الأسرى أو قضية القدس، أو حتى من أجل فلسطين، بل الهدف منها إرسال تلك المعلومات والمتنصت عليها إلى إيران مقابل الحصول على دعم مالي للحركة، بمعنى أنها تبيع المعلومات مقابل مصالحها الشخصية. تحدث صهيب أيضًا، عن تجنيد حماس لشباب وأطفال فلسطينيون في الضفة الغربية لتنفيذ أعمال "مشبوهة" بحد وصفه، والمقصود هنا، تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي، أو حتى عمليات ضد السلطة الفلسطينية بهدف تصدير أزمتها في قطاع غزة إلى الضفة الغربية التي تحكمها السلطة.

إعلان

وتطرق صهيب للحديث عن الحياة المترفة التي يعيشها أبناء وقيادات حركة حماس المتواجدين في تركيا، وعن البذخ الذي يعيشونه من الأموال الممنوحة لهم من إيران، لكن الأهم المقارنة التي عقدها بين تكلفة الوجبة الواحدة التي يتناولها قيادات الحركة هناك في أحد المطاعم الفخمة والتي تقارب الـ 200 دولار، في الوقت الذي تعيش الغالبية العظمى من الأسر بـ 100 دولار طوال الشهر في قطاع غزة الواقع تحت حكم حركة حماس منذ قرابة 12 عاماً.

خلال المقابلة، بدا الحديث بين صهيب والمذيع الإسرائيلي منسجمًا ومتحابين وكأنه لا عداوة بينهم، وكأنهم لا ينتمي كل واحدًا منهم لأحد طرفي الصراع في أطول قضية احتلال عرفها التاريخ، وانطلق صهيب في دفاعه عن والده الشيخ يوسف، الذي أمضى قرابة 22 عامًا من حياته في السجون الإسرائيلية على قضايا سياسية، وقال "والدي مخدوع في حماس، والحركة استغلت والدي" مرددًا هذه الجملة عدة مرات خلال المقابلة، داعيًا والده وكل القيادات "المخدوعة" بالحركة، كما وصفهم إلى الاستقالة من حماس.

على ما يبدو أن صهيب نسي أن المشكلة ليست بين اليهود والمسلمين، والقضية ليست قضية دينية

وتحدى صهيب حركة حماس، وتحديدًا، رئيس المكتب السياسي الحالي إسماعيل هنية، وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، أن يأتوا له بآية قرآنية واحدة تحث على قتل اليهود، مؤكدًا للمذيع بأن اليهود أهل كتاب سماوي وهو من المسلمين، ولا يوجد أي مشكلة فيما بينهم. وعلى ما يبدو أن صهيب نسي أن المشكلة ليست بين اليهود والمسلمين، والقضية ليست قضية دينية، بل المشكلة هي في احتلال الأراضي الفلسطينية وتهجير أهلها وارتكاب المجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ منذ أكثر من سبعون عامًا، كما تدل آخر الوثائق التاريخية.

إعلان

الهدف من المقابلة
بعد أن سردت أبرز ما جاء في المقابلة، نعود للسؤال، ما الهدف من المقابلة؟ هل فعلاً الهدف هو كشف أسرار وفساد حركة حماس؟ في اعتقادي أن هذا الهدف المعلن كان ترويجيًا أعلنت عنه القناة الـ 12 الإسرائيلية حتى تلفت انتباه ومتابعة أكبر عدد ممكن من المشاهدات وخاصة من الفلسطينيين، والحقيقة أن المقابلة ليست وليدة الصدفة في هذا التوقيت والحديث عن صفقة القرن، بل إنها حملت رسائل إسرائيلية موجهة لحركة حماس، ولتأليب الرأي العام الفلسطيني ضدها.

وللحقيقة، ما تحدث به صهيب، وكما ذكرت سابقًا ليست بالأسرار، بل الغالبية من الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة على وجه الخصوص، يعلمون بما تحدث به، بل هم يعلمون أكثر من ذلك في اعتقادي، وبالطبع هم لا يقبلون بما تفعله حماس، والدليل على ذلك المحاولات المتكررة للخروج في مظاهرات واحتجاجات في قطاع غزة في الفترة الأخيرة واجهتها حركة حماس بالقمع والسجن والتعذيب.

في تقديري أنه تم استغلال خلاف صهيب مع حماس لبث رسائل إسرائيلية ضد الحركة الإسلامية على لسان أحد أبرز أبناء قادتها

لكن الأهم والأبرز من ذلك، صهيب لم يظهر على أنه عميل لجهاز الشاباك الإسرائيلي بشكل علني، كما ظهر أخيه البكر مصعب من قبله، وهذا ما أكد عليه مُعد المقابلة في قوله "صهيب أكد عدة مرات خلال المقابلة، أنه لا يعمل مع جهاز الشاباك الإسرائيلي" لكن في تقديري أن صهيب إن كان بالفعل لا يتعاون أو يعمل مع الشاباك، فإنه تم استغلال خلافه مع حماس، وإظهاره على هيئة بطل يقف في وجه الظلم والفساد واستغلال الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، لبث رسائل إسرائيلية وردت سابقًا على لسان ناطقين باسم الجيش والدولة الإسرائيلية، ضد حماس. ولكن هذه المرة يرد ذلك على لسان أحد أبرز أبناء قادتها ومؤسسيها "صهيب حسن يوسف" وباللغة العربية.

أما بشأن تركيز جزء كبير من المقابلة للحديث عما يجري على الأراضي التركية، وعلى الرغم من العلاقات التركية الإسرائيلية الجيدة، إلا أن إسرائيل في الغالب لم يرق لها التقارب الأمريكي التركي الأخير، ويبدو أنها تحاول زعزعة هذا التقارب، أو ربما هي خطوة استباقية لتبرير عمليات اغتيال قد تنفذها لاحقًا على الأراضي التركية وأرادت إعلان الأسباب الآن كـ خطوة سابقة. أو ربما هي محاولة لتبرير عمليات التعذيب والقتل خلال التحقيقات والمطاردة التي تعرض لها فلسطينيون على الأراضي التركية من قبل الشرطة التركية في الأشهر الأخيرة، كان أبرزها مقتل الشاب الفلسطيني زكي مبارك هدفت إسرائيل لتبييض وجه تركيا وترسيخ التطبيع فيما بينهم. وتبقى الأهداف الحقيقية للمقابلة مع صهيب قيد التكهن حتى تكشفها الأيام والأحداث القادمة.