هوية

"لا مكان لك هنا" أن تكون بايسكشوال في دولة عربية

على المجتمع أن يتغير ويتقبل الإختلاف، نحن موجودون وإن كان البعض يختار أن لا يرانا
darran-shen-ZRxp2zcVU9c-unsplash

كان يوماً عادياً، وتمشية معتادة وثرثرة طبيعية مع صديقتي، عندما أخبرتني أن زميلتها بالعمل ستنفصل عن زوجها بعد زواج دام خمس سنوات، والسبب: "أنه بايسكشوال." حديث صديقتي جعلتني أفكر في من هو الملام في هذه العلاقة؟ إذا كنا سنلوم أحداً، وهل وقع الظلم على الزوجة أم الزوج؟ وما هي صعوبة العيش كـ بايسكشوال في العالم العربي؟ حاولت البحث عن إجابات لتلك الأسئلة.

في البداية، تُعرف جمعية علم النفس الأمريكية "مزدوجي الميول الجنسية" أو بايسكشوال على أنهم الأشخاص الذين يختبرون الانجذاب الجنسي والعاطفي للذكور والإناث على حد سواء بنفس المقدار أو أكثر أو أقل، ويفضل البعض تصنيف أنفسهم ضمن الـ pansexaul وهم الذين ينجذبون جنسيًا وعاطفيًا تجاه أشخاص بغض النظر عن هويتهم الجندرية أو جنسهم البيولوجي.

إعلان

بشكل عام يواجه المثليات والمثليون ومزدوجو الميول الجنسية والعابرين جنسيًا من جميع الأعمار ومن جميع أنحاء العالم من انتهاكات حقوقهم الأساسية، ويتعرضون للأذى والعنف الجسدي والنفسي، بما في ذلك السجن والابتزاز والخطف والاغتصاب والقتل. بالنسبة لمزدوجي الميول الجنسية، هناك مشكلة أخرى تضاف إلى ذلك، وهي النظرة إليهم بدونية من قبل مجتمع الميم نفسه، حيث يتم التعامل مع مزدوجي الميول الجنسية بشك بحسب هذا الكاتب: "يُنظَر إلينا كأشخاص إما يكذبون بشأن حياتنا الجنسية أو أننا لسنا قادرين على إقامة علاقات ملتزمة، أو أننا مشوشون وجشعون لممارسة الجنس. هذا أمر مؤلم لأن الجميع يريدون وضعنا في خانة معينة."

في الواقع، تم توثيق "وصمة مزدوجة" يعاني منها العديد من مزدوجي الجنس في الأدبيات الأكاديمية على مدى العقود القليلة الماضية. من جهة، يعاني ثنائيو الميول الجنسية من وصمة العار والتمييز من جانب الأغلبية لأنهم ليسوا مغايرين جنسيًا، لكنهم أيضًا منبوذون من قبل المثليين والمثليات لأنهم ليسوا مثليين "بما فيه الكفاية." بالإضافة إلى ذلك، يفترض الكثير من الناس أن مزدوجي الميول الجنسية الذين في علاقة جنسية مغايرة هم مغايرين جنسياً، وأن مزدوجي الميول الجنسية في علاقة مثلية هم مثليين. ولكن هذه الافتراضات تزيل هوية مزدوجي الميول الجنسية، أو ما يسمى bisexual erasure. وعليه، يتم تجاهل تجربة مزدوجي الجنسية في البحوث التي عادة ما تجمع هذه الفئة مع المثليين أو المغاييرن جنسيًا بدلاً من النظر إلى مزدوجي الميول الجنسية على أنهم فئة لوحدهم.

تؤكد ديالا، 22 عاماً، لبنانية، على وجود صورة نمطية عن مزدوجي الميول الجنسية، وتقول: "صحيح، هناك مشاكل كثيرة تواجه مزدوجي الميول الجنسية، فهم منبوذون من مجتمع الميم نفسه والكل يخاف من اقامة علاقات معهم أو حتى صداقتهم، ويبررون ذلك بأن البايسكشوال "ملهمش أمان، بياخدوا مصلحتهم ويمشوا. وهذا ظلم لنا."

إعلان

وتشير إميلي كازياك، عالمة الاجتماع في UNL، التي شاركت في تأليف دراسة عن مزدوجي الجنسية، إلى أن التصورات الثقافية والصور النمطية تجعل من الصعب على مزدوجي الجنسية الكشف عن ميولهم الجنسية للأصدقاء والعائلة. وتضيف كازياك: "لدينا بالفعل هذا الشعور بأن التوجه الجنسي هو إما أبيض أو أسود وأنك إما ستنجذب إلى أشخاص من الجنس الآخر أو تنجذب إلى أشخاص من نفس الجنس." ولكن هذه التصنيفات تترك هوية مزدوجي الميول الجنسية مفتوحة لسوء الفهم.

هذا "الرفض" المجتمعي يلقي بحمله على الصحة النفسية لمزدوجي الميول الجنسية، وفقًا لمؤسسة National LGBTQ، فإن 45% من النساء ذوات الميول الجنسية المزدوجة قد فكرن أو حاولن الانتحار، يليهن الرجال من ذوي الميول الجنسية المزدوجة بنسبة 35%. نوح، 24 عاماً، يخبرني عن مدى صعوبة الحياة كبايسكشوال في هذا العالم، الأمر الذي قد يدفع البعض لإنهاء حياتهم. يشير نوح إلى قصة صديقه خالد الذي قام بالانتحار العام الماضي، بسبب العنف الذي تعرض بعد معرفة أهله بميوله الجنسية. ويضيف:" والد خالد لم يهمه المعركة التي كانت تدور بداخل صديقي يومياً، وقام بالتعامل معه بعنف شديد، ما دفع صديقي للانتحار. أتمنى أن يكون خالد في مكان أفضل."

إن عرفوا أهلي بميولي الجنسية، سيكون مصيري الموت بالتأكيد

علياء، 24 عاماً، والتي ولدت في كندا لأبوين عراقيين، تتحدث عن صعوبة الاعتراف بميولها الجنسية: "المجتمع العراقي شديد التحفظ، يضع للفتاة شروطاً محددة وطرقاً يجب أن تسير عليها وإن خالفتها تُقتل أو تذبح، فما بالك بفتاة بايسكشوال؟" في بدايات عام 2010 عادت علياء إلى العراق برفقة والديها وهي تعيش هناك حالياً: "كنت خائفة جداً عندما اكتشفت ميولي الجنسية لأول مرة. عائلتي لا تعرف شيئاً عما يجري في حياتي ومن أنا، حتى وإن عاشوا فترة طويلة في كندا، فهم مازالوا محتفظين بالعادات والتقاليد العربية. إن عرفوا ذلك، سيكون مصيري الموت بالتأكيد."

إعلان

ماجد، 29 عاماً، من مصر، يخبرني حكايته شرط ألا يُذكر اسمه الحقيقي، لأنه يعمل مُحامياً، وميوله يعتبرها مُحيطه "وصماً له ولمهنته." ولد ماجد، في بيت متدين، وتربى على كلمات مثل "حرام" "هتدخل النار" حتى بات يستخدمها مقياساً لكل أفعاله: "كنت أشعر بالانجذاب للذكور، ولكنني أيضًا كنت أنجذب للنساء. لم أعرف من أنا، وكنت ألعن نفسي كثيراً، ولطالما دعوت الله أن يساعدني في التخلص من هذه المشاعر وأن يغفر لي."

أحب زوجتي وحبيبي بنفس القدر ولا استطيع ترك أحد منها

في محاولة للبحث عن ذاته، مع بعض البحث على الإنترنت تعرف ماجد على مصطلح "مزدوجي الميول الجنسية" وتيقن أنه ينتمي لهذه الفئة. في الجامعة، وقع في حب فتاة واتفقا على الزواج بعد الانتهاء من المرحلة الجامعية، ولكن بعد "اكتشافها" لميوله الجنسية تركته صديقته، وقامت عائلته بحبسه في المنزل لمدة طويلة، وأجبروه على الذهاب لطبيب نفسي. يعمل ماجد محامًيا بأحد المراكز الحقوقية المعروفة، ولكنه يخفي ميوله الجنسية عن الجميع: "الأمر معقد ومدمر نفسياً. لا أستطيع الزواج لأنني لن أستطيع إخبار زوجتي بميولي نحو الرجال، وبنفس الوقت لن استطيع التوقف عن مواعدتهم. ما يعني أنني سأبقى وحيداً."

"أحب زوجتي وحبيبي بنفس القدر ولا استطيع ترك أحد منها،" هكذا يبدأ عبد الرشيد، من العراق حديثه عن ازدواجية ميوله. ظل عبد الرشيد، 30 عاماً، يقاوم انجذابه للرجال طوال فترة مراهقته ولكن في فترة الجامعة، تعرف على شاب وأحبا بعضهما، ولكن بسبب إلحاج والدته تزوج من صديقة له وأنجب منها طفلين.

يحكي عبد الرشيد أن زوجته لا تعلم شيئاً عن ميوله، ويحاول اتخاذ كل التدابير اللازمة حتى لا ينكشف أمره. سألت عبد الرشيد إن كان يشعر بالذنب بسبب إخفاء ذلك عن زوجته وأجاب: "في البداية كنت أشعر بالذنب طوال الوقت، ولكن ساعدني طبيبي النفسي على تقبل من أنا. لن أترك أحد منهما أحب حبيبي، وأحب زوجتي وحبيبي وأطفالي. ولكني في الحقيقة، أرتاح أكثر مع حبيبي، وأعتقد أن السبب هو أنه يعرفني على حقيقتي، ولكن أمام زوجتي علي أن أكذب كثيراً."

عبد الرحمن، 28 عاماً، من سوريا، يتفق مع عبد الرشيد بأن لا حل أمام مزدوجي الميول الجنسية سوى إخفاء الحقيقة. عندما قرر عبد الرحمن الإعتراف وأخبر والدته وأبيه بميوله الجنسية، عائلته لم تتقبل ذلك، وتم تهديده وإجباره على الذهاب لشيخ ثم لطبيب نفسي. وعلى الرغم من أنه ضد الزواج لأنه لا "يريد ظلم زوجته معه" إلا أنه في النهاية امتثل لما يريده والديه، وارتبط بفتاة ويستعدان للزواج حالًيا: "لقد اكتشفت أن الصدق لا يؤدي إلى أي نتيجة، في كل مرة اخترت قول الحقيقة لم يتقبل أي طرف ذلك، وشعرت أنني أريد فقط الاختفاء. أشعر أن لا مكان لنا هنا، ولكن على المجتمع أن يتغير ويتقبل اختلاف الهويات الجنسية، نحن موجودون وإن كان البعض يختار أن لا يرانا."