مجتمع

شباب عراقيين يتحدثون عن تعرضهم للتنمر عند زيارتهم لمؤسسات حكومية "بسبب مظهرهم الخارجي"

"ممنوع دخول أي شاب وهو يرتدي ملابس قصيرة أو شورت" 
العراق

خالد الركابي. تصوير: أزهر الربيعي.

"أخي، هذه تعليمات علينا الإلتزام بها، ممنوع دخول أي شاب وهو يرتدي ملابس قصيرة أو شورت" هذا ما أجاب به الشرطي عزيز سعيد، 24 عامًا، يسكن قضاء سنجار (التابع إلى محافظة نينوى) عندما حاول ادخال أخيه المريض للطوارئ حيث رفض الشرطي على بوابة مستشفى سنجار العام السماح له بتلقي العلاج وذلك بسبب ارتدائه الـ"شورت."

 يروي سعيد الموقف الذي حصل مع أخيه: "قبل عدة أسابيع، في الساعة 12:30 أيقظتني زوجة أخي الكبير حسين وقالت لي أن أخي يشكو من ألم غير محتمل في بطنه ومن الضروري الإسراع به إلى طوارئ المستشفى للعلاج. شغلت سيارتي سريعًا وذهبنا أنا وأخي، ولسوء حظنا كنا نرتدي "الشورت" ولم يخطر على بالنا أنه غير مسموح به بداخل المستشفى. منعنا الشرطي من الدخول على الرغم من أنه كان يرى حالة أخي الصحية متدهورة لم يستطع الوقوف على قدميه، لكنه أصرّ على عدم إدخالنا."

إعلان

اضطر سعيد أن يعود للبيت مع أخيه بدون تلقي العلاج، وأخذه صباحًا إلى طبيب خاص الذي كتب لأخيه بعض الأدوية لتناولها، وتحسنت حالته تدريجيًا.

لا يعتقد سعيد أن الشرطي منعه من دخول المستشفى إجتهادًا منه، بل يقول أنه شاهد عدة مواقف في نفس المستشفى مع أشخاص آخرين تم منعهم من الدخول من قبل رجال الأمن. "للأسف، هناك تمييز وتنمر ضد الرجال حسب الملابس أو المظهر الخارجي. معظم المواطنين الذين يزورون قسم الطوارئ في المستشفى هم يعانون من حالات مرضية صعبة، لا يمكن أن تتوقع منهم ارتداء ملابس طويلة أو رسمية، فالأمر طارئ."

تخرج سعيد من جامعة الموصل بتخصص اللغة الإنجليزية، لكنه يمارس عدة نشاطات إنسانية، خصوصًا بعد تحرير منطقته من تنظيم داعش عام 2017، ويخطط الآن إكمال الماجستير في اللغة الإنجليزية العام المقبل. ويضيف سعيد: "للأسف، هذه نفسها أفكار داعش التي كان يطبقها إبان احتلاله للموصل، لم يختلف الكثير بعد التحرير. نحن بلد متعدد الأديان والقوميات، هناك المسيحي والايزيدي والكردي والصابئي وغيرهم. لا نريد تطبيع هذه الأفكار الغريبة، ولا ترغب بتطبيقها."

عزيز سعيد في قضاء سنجار (الصورة مزودة منه).jpeg

عزيز سعيد، قضاء سنجار (الصورة مقدمة منه).

"الشورت" أو كما يطلق عليه العراقيون بـ"البرمودا" الشعر الطويل والكيرلي والتاتو وأقراط الوجه والجسد هي ضمن قائمة من الأمور المفروضة والمنتقدة من قبل المجتمع العراقي. النساء والرجال الذين يختلفون عن "الشكل المقبول" يتعرضون للتنمر والرفض والعنف في الشارع وخلال زيارتهم لمؤسسات الدولة، حيث يمكن أن يقوم الموظف على اختلاف رتبته الوظيفية، بفرض رأيه الشخصي على نظام العمل داخل المؤسسة التي يعمل بها لمنعهم من دخول تلك المؤسسة بسبب مظهرهم. عدد من الشباب الذين تحدثت معهم تعرضوا لمواقف شبيهة خلال زيارتهم لمستشفى أو وزارة على الرغم من عدم وجود أي سبب قانوني يمنعهم من الدخول.

إعلان

عساف الدقو، 31 عامًا، محام، اعتاد الدقو هو ورفاقه على لعب كرة القدم بشكل شبه يومي، في ساحة مُسيجة معروفة بـ"الخماسي" وقبل أن تبدأ المباراة، انقطع التيار الكهربائي وأصبحت الساحة سوداء دون إنارة، دعس الدقو فوق عقرب وقام بلسعه في كاحل قدمه شعر بألم رهيب وأخذه أصدقائه للمستشفى.

كلّما شتموا شعري كلّما أحببته أكثر

يقول الدقو: "شعرت وقتها بألم شديد جدًا ولم استطع الحركة. ركض صديقي إلى سيارته ونقلني إلى المستشفى، لسوء الحظ كنت ارتدي شورت الرياضة، وصلنا إلى باب المستشفى، لكن تفاجئنا بمنعنا من الدخول بسبب لبسنا الشورت."

ويكمل: "لا أنت ولا صديقك يمكنكم دخول المستشفى، تحديدًا بهذه الطريقة تحدث معنا موظف الاستعلامات. قلنا له أن الحالة طارئة، لكنه رفض وطلب منا العودة إلى البيت لتغيير ملابسنا والعودة للمستشفى من جديد. توجهت إلى عيادة خاصة أخذت مسكنات الألم ومضاد حيوي، وعدت المستشفى في اليوم التالي لكي أفهم أكثر عن أسباب منعنا وأخبرني موظف الاستعلامات بأن لديه أوامر من مدير المستشفى."

أخبر موظف الاستعلامات الدقو بأنه تم فرض هذه التعليمات للحد من دخول المراهقين إلى المستشفى، هؤلاء الذين يحاولون التحرش بالفتيات العاملات بداخل المستشفى، أو الذين لديهم مواعيد غرامية مع النساء، لكن هذه الأسباب غير مقنعة تمامًا بالنسبة للدقو، فما علاقة ذلك بالشورت أو غيره، مؤكداً إلى أن مثل هذه المواقف تتكرر بشكل مستمر في مؤسسات أخرى.

التمييز على أساس المظهر هو إنتهاك لحقوق الفرد ويأتي ضمن التمييز العنصري وهو التعبير غير القانوني للعنصرية، والذي يتضمن أي عمل سواء كان بقصد أو بغيره والذي ينتج عن إستبعاد أشخاص على أساس العنصر أو حجب أو تحديد حصولهم على الإمتيازات المتاحة لبقية أفراد المجتمع، في مجالات يغطيها القانون.

إعلان

شعرك طويل لا يسمح لك بالدخول.

"كثيراً ما يتم إيقافي في نقاط التفتيش ويطلب مني إبراز هويتي والتدقيق أكثر، أعتقد ذلك بسبب شعري، لا أفهم ما علاقة شعري بذلك؟"، يقول الشاب خالد الركابي، 28 عامًا، مدينة البصرة، الذي يعمل طبيبًا بيطريًا في مدينة البصرة، جنوب العراق.

يقول الركابي لـVICE عربية: "تعرضت للكثير من المواقف منذ أن فكرت بتطويل شعري. أشعر عند زيارتي إلى مؤسسات الدولة، بأنه لا يتم التعامل معي بالمثل كما يُعامل بقية المواطنين."

في كلية الطب البيطري، بجامعة البصرة، التي تخرج منها الركابي عام 2021، يتذكر حادثة مرّ بها مع استاذة في الكلية عندما طلبت منه أن يقص شعره، ناهيك عن كلمات التجريح والتنمر التي يسمعها من بقية المدرسين والسخرية منه "باعتباره يتشبه بالنساء."

ويضيف: "واحدة من المواقف التي حصلت معي هي عندما كنت في زيارة إلى أحد الدوائر الأمنية في البصرة بهدف استحصال كتاب عدم محكومية لأختي التي تحضر أوراق دراستها في كندا. منعني رجل الأمن من الدخول بسبب طول شعري، طلبت منه التحدث مع مسؤولة الأعلى، لكنه رفض وقال لي: شعرك طويل لا يسمح لك بدخول المبنى." ويضيف: "الأمر يتكرر في كل مرة أزور مؤسسة عامة يتم منعي من الدخول بسبب شعري."

خالد الركابي وهو جالس في منزله في مدينة البصرة (تصوير أزهر الربيعي.JPG

خالد الركابي في منزله في مدينة البصرة. تصوير أزهر الربيعي.

محمد قاسم، 27 عامًا، البصرة صحافي يسكن في مدينة البصرة يتعرض للرفض كذلك عند زيارته إلى الدوائر الرسمية، بسبب شعره المجعد، الذي لا يروق لبعض الموظفين النظر إليه.

يقول في مقابلة لـ VICE عربية: "انا خُلقت وشعري مجعد، لم أذهب إلى صالون الحلاقة يومًا ما لأطلب منه يقصه بهذا الشكل، لكن من لا يعرفني عن قرب، يبدأ بسيل من التعليقات التي لا فائدة منها حول شعري، ليش شعرك بهالشكل، وليش وليش."

إعلان

ويكمل: "قبل عامين، زرت دائرة الماء في البصرة لعمل تقرير من هناك عن الوضع المائي في البصرة، وحينها كنت اخطط لمقابلة أحد الموظفين داخل هذه المؤسسة، وعند وصولي استوقفني موظف الاستعلامات وقال لي أنه لا يسمح لي بالدخول بشعري المجعد، كانت صدمة تامة بالنسبة لي. طلبت من الموظف أن يوضح لي هل هناك حقًا تعليمات تنص على تحديد دخول المواطنين أو الصحفيين "على حسب شكل شعرهم"، ردّ علي بشكل وقح وقال: لا تجادل، قلت لك ما تدخل وخلاص." يقول قاسم.

صورة الشاب محمد قاسم من مدينة البصرة (الصورة مزودة منه).jpg

محمد قاسم، مدينة البصرة (الصورة مقدمة منه).

يشير قاسم أن الموظف لم يتوقف عن طرح الأسئلة عليه، لماذا شعرك بهذا الشكل، ولماذا لم تقوم بلبس طاقية أو قبعة cap أو تقوم بحلاقته؟ "هنا انزعجت بشدة، أصبح يقدم لي نصائح ويخترق خصوصيتي بشكل غير مقبول، والمؤسف جدًا أن المحيط والمجتمع يمنحه الـ credit في أن يتدخل هذا الموظف بحياة الآخرين، طالما الأمر يتعلق بالمظهر. للأسف، كل المحاولات من أجل الدخول لم تنجح، وبالنهاية اضطررت أن أجري المقابلة أونلاين. تتكرر هذه المواقف كل فترة."

الأفضل هو اللجوء إلى المحاكم العراقية من أجل ردع حصول هكذا تصرفات مع الآخرين.

"لا توجد أي قوانين أو تعليمات تلزم الزائرين بلباس معين عند زيارتهم لمؤسسات الدولة،" تؤكد المحامية علياء عبود الحسني في مقابلة مع VICE عربية وتضيف: "لكن هناك بعض مؤسسات الدولة تجتهد من ذاتها وتلزم الزائرين بارتداء ملابس رسمية مثل الأحذية المغلقة والبنطلون أو منع الزائر الذي يرتدي بيجاما من دخول مؤسسات الدولة."

وتشير الحسني إلى أن من حق المواطن اللجوء إلى الشكوى لدى المحاكم العراقية في حال تعرضه للمنع أو الرفض من دخول المؤسسة بسبب ارتداء ملابس غير الرسمية، وتقول: "غالبًا ما تنتهي هذه القضايا إلى التسوية العشائرية ويدفع الشرطي أو موظف الإستعلامات الذي قام بمنع الزائر من الدخول، بدفع دية مالية معينة، والتي تسمى بالفصل العشائري. ولكن الأفضل هو اللجوء إلى المحاكم العراقية من أجل ردع حصول هكذا تصرفات مع الآخرين."