اكتئاب
صحة نفسية

شباب عرب يخبروننا عن معاناتهم مع الاكتئاب

لا أعتقد أن شعور الكآبة يزول تماماً، لكننا نتعايش معه ويغير جوهرنا وشخصيتنا للأبد، ولكن التحدث عن مشاعرنا يساعد كثيراً

يتوقف العالم فجأة. تفتقد كل أحاسيس الإستمتاع وكأن امبراطوراً شريراً قرر أن يسحب منك هورمون السيروتونين. السعادة شبه غائبة. لقد فقدت كل الاهتمام بعملك والأشخاص حواليك و نشاطاتك المفضلة. الكثير من الدموع. أو لا شيء فعلياً ما عدى التفكير والقلق وتغير الشهية و نظام نومك. مشاعرك أصبحت سلبية وأنت غير قادر على الإنتاج أو ممارسة أعمالك وهواياتك كالسابق. مزاجك متعكر بشكل دائم وكأن غيمة سوداء حطت على رأسك ولن تقبل أن تزول في أي وقتٍ قريب. هو حزن مزمن مليء بالإحباط وعدم الثقة بالنفس.

إعلان

بحسب منظمة الصحة العالمية، يؤثر الاكتئاب على أكثر من 300 مليون شخص في العالم، وهو يختلف عن التقلبات المزاجية العادية والانفعالات العاطفية التي لا تستمر طويلاً، وتكون استجابة لتحديات الحياة اليومية. وهو ليس كالحزن الذي نحزن على فراق الحبيب وعلى خسارة ما بل هو حالة تتعدى ذلك ومن الممكن أن تكون مزمنة لأسباب عديدة منها نفسية أو جينية ويمكن أن يؤدي في أسوأ حالاته إلى الانتحار.

نتحدث كثيراً عن الإكتئاب والقلق عبر السوشيال ميديا لدرجة أن كل العالم الآن يشعر بالاكتئاب وأن الأمر أصبح نوع من الترند حيث نرى المميمز والصور التي تعالج الموضوع وصفحات الإنترنت التي تخولنا جميعاً أن نكون مكتئبين ومكتئبات. في اليوم العالمي للصحة النفسية، قررنا مقابلة شباب عرب تعايشوا مع الاكتئاب.

عبارات "أنا لا أعرف" و "لا أستطيع"تصبح عناوين الحياة اليومية
"يتم بالعادة ربط الاكتئاب بالحزن الشديد. ولكن بالنسبة لي، الشخص الأكثر حيوياً وطاقة هو الشخص الأكثر اكتئاباً. اكتئابي ممتد من تراكم خيبات الأمل والإخفاقات. هذه الخيبات تقوم ببناء حالة الاكتئاب يوماً بعد يوم، وخيبة بعد أخرى، إلى أن تصل لمرحلة تقوم بتحطيم الشخص المكتئب قطعة تلو الأخرى. كيف أصف الاكتئاب؟ تشعر أنك عالق في دوامة لا تستطيع الخروج منها، وكأنك مكبل وغير قادر على تغيير أبسط الأمور في حياتك، إلى أن يصبح كل شيء حولك بدون معنى أو هدف. عبارات "أنا لا أعرف" و "لا أستطيع" تصبح عناوين في حياتك اليومية. هناك خوف كبير من فعل أو تغيير أي شيء بسبب الخوف من التعرض للمزيد من خيبات الأمل والفشل. اللامبالاة تصبح آلية دفاعية، نتصرف كمرضى اكتئاب على أساسها. كثير من الناس يتراجعون إلى زواياهم ويبتعدون عن كل شيء. أما أنا، ومن مثلي، فنستمر بعيش حياتنا مع ثقل كبير على أكتافنا. أنا أعتبر أن كل شيء عبثي وزائل، وهو ما يطلق عليه إسم الإكتئاب العدمي. المتفائل يسعى إلى التغيير، والمتشائم يخاف منه، أما أنا فغير مهتم أبداً." -صائب، 30 عاماً ، أخصائي اعلانات

إعلان

الاكتئاب هو مشاعر سلبية مكبوتة من الطفولة
"كنت أعاني من الاكتئاب في مرحلة المراهقة، وهذا أثّر على شخصيتي وأفكاري، حتى أنّني حاولت الانتحار. بعد أن دخلت إلى الجامعة، أصبح الوضع أفضل، فقد كنت مجبرة على الخروج والتعرف إلى الناس والتكلم معهم، حتى أنّني وقعت في الحب، وكان شخصاً إيجابياً وجيّداً استطاع أن "يخدّر" الاكتئاب أو دفنه بطريقة ما. بعد الانفصال وتحديداً في أول 2018 عاد الشعور السيء، واستمر لحوالي سنة. في تلك الفترة، عشت أياماً مظلمة، كنت أكره المنزل، أبتعد عنه، أرفض أن أكون وحدي. كنت أذهب بعد ساعات العمل لأتناول الكحول وأبقى حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وأعود للمنزل لأنام فقط. استمريت على هذا النحو لعام كامل، حتى نصحني صديق لي أن أتواصل مع طبيبة نفسية. بدأت بالجلسات في أول يوليو هذا العام. لا يمكن أن أقول أنّني أصبحت أفضل، لكن دائماً أشعر أنّه مهما ساء الأمر، هناك من سيشرحه لي ويوضح لي كل ما أمر به. الجلسات ساعدتني بفهم الكثير من الأمور، وهو أمر أنصح من يعاني من الاكتئاب بأن يجعله خياراً. لكن العلاج النفسي لا يقتل الاكتئاب، بل يساعدك على اختيار أمور تجعلك سعيداً. الاكتئاب يبقى جزء منك ومن شخصيتك وهذا الشعور السيء سيعود بين فترة واخرى، وهنا أنت من يقرر إن كنت تريد أن تستسلم له أو لا. طبعاً الأمر صعب جداً، فلتصل لهذه المرحلة، عليك أن تتعلم كيف تحب نفسك، ولكن من الصعب أن تقنعني أن هناك مريض اكتئاب بحب نفسه." -غاية، 22 عاماً، صانعة محتوى

أكثر ما ساعدني هو الحديث مع أشخاص قريبين مني
"تم تشخيص اكتئابي عام 2011 عندما كنت في الـ 22 من عمري. وقد أتى هذا الاكتئاب جراء الصدمات النفسية والعنف اللفظي الذي تعرضت له. انفصل أهلي عندما كنت في الخامسة عشر من عمري وقرر والدي أن يتخلى عن مسؤوليته اتجاهنا، فتركت المدرسة واضطررت للعمل. في عمر الـ22 من عمري عاد والدي إلى أمي ثم انفصلا مرة أخرى ما جعلني أترك المنزل وأعيش وحدي وأتحمل مسؤوليات كثيرة. في تلك الفترة، بدأت أشعر بأنني أتغير ولم أعد أحب الخروج مع أصدقائي. انخفضت انتاجيتي في العمل وكنت أستيقظ في بعض الأيام وأشعر أنني لا أريد سوى البقاء في المنزل. للأسف حاولت أن أداوي نفسي بنفسي فلجأت إلى المسكنات دون استشارة طبيب. كنت ألجأ أيضاً إلى الحشيش بين الوقت والآخر، لكن هذه الأمور كانت تزيد من شعوري بالاكتئاب بطريقة غير مباشرة. بعد فترة، اضطررت أن أترك عملي، فقد كنت أتجنب اجتماعات العمل مع العملاء أو أي اختلاط مع زملائي. خسرت من وزني بشكل حاد وقد قطع عدد من الأصدقاء علاقتهم بي بسبب تجاهلي لهم. الأمر تفاقم عندما تعرضت لنوبات هلع وكان أسوأ ما حدث لي..حسيت حالي عم موت. في هذه اللحظة قررت أن أتحدث مع معالج نفسي. المعالجة النفسية لم تساعدني على التوقف عن تعاطي المهدئات، ما أدى لاحقاً إلى نوبات هلع متسلسلة وإلى انهيار جسمي بالكامل. في هذه اللحظة قررت أن أدخل المستشفى وأجري الفحوصات اللازمة وأن أتحدث مع دكتور نفسي آخر وصف لي دواءاً لمعالجة حالتي. الدواء كان له سلبياته وايجابياته، ولكن الأهم أنني توقفت عن الشعور بالخوف والرعب وتخلصت من الأفكار الانتحارية. بعيداً عن العلاج النفسي، أكثر ما ساعدني هو الحديث مع أشخاص قريبين مني، اكتشفت أنني لست وحدي، لذلك أصبحت منفتحاً حول الموضوع مع عملي وأهلي وأصدقائي والأشخاص الذين أتعرف عليهم، وإخترت مكان عمل يتقبل من أنا. لا أعتقد أن الشعور بالاكتئاب يزول تماماً، لكننا نتعايش معه ويغير جوهرنا وشخصيتنا للأبد والتحدث عنه يساعد كثيراً لنشعر أننا لسنا وحدنا. كما أنني أستخدم عملي وفني لتغيير الصورة النمطية التي لدى البعض عن الاكتئاب." - نادر، 30 عاماً، مصمم جرافيك

احباطي الشديد دفعني للعودة إلى طليقي الذي كان يتجسس علي بإستمرار ويتلاعب فيّ
"بدأت حالة اكتئابي بعدما خرجت من علاقة سامة مع زوجي. تطلقت منه بعد قرار أخذ مني وقتاً طويلاً لكن ما واجهته بعدها كان صعباً جداً. حالتي ساءت وشعرت بإحباط جديد بعد انتهاء العلاقة فكنت أفكر أن نهايتي وسعادتي عليها أن تكون مع هذا الشخص لا غير. احباطي الشديد دفعني للعودة إلى طليقي الذي كان يتجسس علي بإستمرار ويتلاعب فيّ. ولكني رحلت مرة أخرى. منذ ثلاثة أشهر حاولت الإنتحار. لم أمت لحسن الحظ ولكنني قررت في هذه اللحظة اللجوء إلى معالج نفسي وبدأت أعرف مصدر مشاكلي الأساسية، ولماذا أنا مصابة بالكآبة ولماذا كنت جزءاً من علاقة كادت أن تدمرني. وصف لي الطبيب دواء اكتئاب منذ ثلاثة أشهر تقريباً، وأشعر الآن أنني أفضل، وقد بدأت أفسر كل المشاكل التي أمر بها وأتعرف على عقلي الباطني وعلى أسباب حزني وقراراتي." -راند، 28 عاماً، فنانة تشكيلية

أفضل أن أقضي نهار الأحد في بقعة بعيدة مع أشخاص أحبهم بدل من أن أقضيه أنا وعم ابكي
"منذ عام تقريباً تغيرت مشاعري بالكامل بسبب ظروف قاسية لم أستطع السيطرة عليها. خسرت علاقتي العاطفية طويلة الأمد وخسرت وظيفتي. الأمر بدأ بمشاعر الحزن وشعور بالندم لكنه تطور فيما بعد ليصبح اكتئاب. ولكن بدلاً من أن أنطوي تغيرت شخصيتي بالكامل، صوتي أصبح أعلى وصرت أضحك بطريقة هستيرية أمام الناس. لم أرد أن يعرف أحد عن الحزن الذي أمر به. المشكلة أنني كنت أصاب بحالات هلع وحالات بكاء شديد عند العودة إلى المنزل. كنت أخرج مع أصدقائي ثم أختفي فجأة. أذهب إلى الحمام للبكاء دون أن أعرف السبب أو آخذ سيارتي إلى مكان بعيد كي أبكي. لجأت للكحول وعادات غذائية سيئة، فزاد وزني وكرهت نفسي أكثر. كنت أفكر بطرق سهلة للإنتحار لكنني لم أتجرأ على فعل ذلك. تمنيت أن أموت دائماً، كنت ألجأ للنوم بكثرة خلال النهار فلا أفعل شيئاً أبداً وانتاجيتي أصبحت شبه معدومة، وتوقفت عن البحث عن عمل. أفضل ما حدث لي، كان قراري أخذ دورة مسرح، كان المسرح أكثر الأمور التي ساعدتني على تخطي هذا الحزن وتقبله. بعدها حصلت على مكان عمل جديد، ما غير نفسيتي وغيرت نظامي الغذائي وخسرت الوزن الزائد، زادت ثقتي بنفسي وبدأت نفسيتي تتحسن. الحزن لم يغب بشكل كامل لكنني في هذه الفترة تعرفت على الوجه المظلم مني الذي لا أحب أن أٌريه لأحد وتعلمت كيفية التعامل معه. تعلمت أيضاً أن انتقاء الأشخاص حولي ساعدني كثيراً، وإن الدنيا مليئة بالأمور التي يجب أن نعيشها بحلاوتها وبشاعتها. ما زلت أشعر بالحزن، لكن الفارق أنني أعي ذلك وأتعلم ما يمكن أن يُسعدني وما يمكن أن يدمرني. الآن أفضل أن أقضي نهار الأحد في بقعة بعيدة مع أشخاص أحبهم بدل من أن أقضيه أنا وعم ابكي." -ساميا، 25 عاماً، كاتبة

استيقظت من هذا الإكتئاب وقررت أن أتقبل أنني موجود في هذا العالم
"في بداية عام 2018، تغيرت عقليتي بسبب ظروف الحياة. علاقاتي العاطفية فشلت وكنت غير سعيداً في عملي وأشعر بالوحدة. كنت أستيقظ في كل صباح وأفكر "ليش أنا عايش" وما الهدف من هذه الحياة وكل تلك الأسئلة الوجودية التي ضاعفت إحساس الكآبة. كنت أفكر بالانتحار دائماً مع أنني لم أقدم على المحاولة. تمنيت الموت بشكل دائم فقد كنت أعتبره السبيل للراحة الأبدية. أصبحت منعزلاً تماماً عن المجتمع وانزويت في غرفتي وتوقفت عن الخروج مع أصدقائي وتهربت من أي لقاء اجتماعي. هذا الأمر أثر على عَملي، فلم أتواصل بشكل كبير أو صحي مع زملائي في العمل الذي لاحظوا أني "مش منيح" وكأن غيمة سوداء حطت فوق رأسي. وصلت إلى أسؤا فترة في حياتي وهذا ما دفعني لتغيير نظرتي للحياة ولنفسي، وقررت أن أتقبل أنني موجود في هذا العالم وإن الإنتحار ليس حلاً منطقياً، لأنه قرار أناني وسيؤذي الأشخاص الذين أحبهم. ما زلت مؤمناً أن الحياة ليس لها معنى، كنني أحاول خلق معنى أحياناً." -جو، 27 عاماً، كاتب