IMG_8266
صحة نفسية

كيف يتصرف النرجسيون في العلاقات العاطفية؟

الشخصيات النرجسية لديهم نمط ثابت تجاه الشعور بالعظمة والمبالغة في الشعور بالأهمية

نرجسية أم ثقة زائدة بالنفس؟ هناك الملايين في العالم الذين يبحثون عن إجابة لهذا السؤال. في الواقع، اضطراب الشخصية النرجسية شائع بين عدد كبير من الناس، ولا يقتصر على العلاقات العاطفية. فقد يكون هؤلاء آباء وأمهات، أخوات أو إخوان، مدراء أو زملاء عمل أو أصدقاء مقربون. في هذا المقال، نستعرض معكم/نّ أبرز سمات الشخصيات النرجسية، وكيف نخرج من علاقات عاطفية مع أشخاص لديهم اضطراب الشخصية النرجسية.

ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟

إعلان

وفقًا لقاموس الرابطة الأمريكية لعلم النفس، فإن هناك خمس سمات رئيسية للشخصيات النرجسية هي:

  • الأولى: لدى هؤلاء نمطًا ثابتًا تجاه الشعور بالعظمة والمبالغة في الشعور بالأهمية، ومنها الاحتفاء الدائم بإنجازاتهم/نّ الشخصية. 
  • الثانية: يميل هؤلاء إلى خلق فانتازيا بالحصول على أكبر قدر من القوة، الجمال، الذكاء، والقدرة الجنسية. 
  • الثالثة: الحاجة الدائمة لانتباه وإعجاب الآخرين والأخريات. 
  • الرابعة: يقابلون/يقابلنّ النقد بالغضب العارم، أو الشعور بالإهانة، أو التجاهل التام. 
  • الخامسة: سلوكيات مضطربة في العلاقات الشخصية، مثل الشعور الدائم بالاستحقاق، استغلال الآخرين والأخريات، وعدم القدرة على التعاطف.

تقول راماني دورفصولا، أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا بولاية لوس أنجلوس، أن الشخصيات النرجسية غالبًا ما تبدو ساحرة، ذكية، ناجحة عمليًا وجذّابة اجتماعيًا، نظرًا لقدرتهم/نّ على جذب الانتباه ومركزة الحديث حول أنفسهم/نّ وحول إنجازاتهم/نّ. بمرور الوقت، وكلما كانت العلاقة الشخصية قريبة معهم/نّ، فإن هذا السحر وتلك الجاذبية يكشفان وراءهما قدرًا هائلًا من الفراغ الداخلي والأنانية وخللًا في التواصل العاطفي الحقيقي. إضافة إلى ميل مرضي للتحكم في الآخرين والأخريات والسيطرة على مشاعر ووقت وانتباه القريبين منهم.

الشخصية النرجسية لديها أكثر من مجرد أزمة في تقدير الذات (Self-Esteem)، فهي تعتمد بشكل رئيسي على العوامل الخارجية كالاستعراض أو جذب الانتباه للشعور بالثقة بالنفس، لاعتقادها أنها غير جيدة اجتماعيًا. تعتمد في ذلك على التلاعب بمشاعر وأفكار القريبين منها، وتحوّلهّم إلى إمدادًا (Supply) لتغذية ثقتها بنفسها. فالشخصيات النرجسية لا ترى البشر إلا بمدى نفعهم لها والفائدة التي ستتحقق من وجودهم/نّ، وتبذل قصارى جهودها للحصول على تلك المنفعة.

إعلان

بعض النرجسيين والنرجسيات يتقربنّ منّا لأننا بالنسبة لهم/نّ نحقق هدفًا اجتماعيًا ما، قد يكون المال، قد يكون الشهرة، وقد يكون وجاهة اجتماعية أو تباهي أمام الناس وإثبات براعتهم/نّ في الإيقاع بنا. غالبًا ما يحدث ذلك بشكل سريع عن المُعتاد، بالأخص في العلاقات العاطفية، وهو ما تُفسره دورفصولا بعدم القدرة على تكوين علاقات إنسانية حميمية بشكل حقيقي. 

كيف نعرف أن شركائنا نرجسيين؟
للوهلة الأولى، ستبدو الشخصية النرجسية شريك مثالي وشريكة مثالية. فهؤلاء لا يختارون الشركاء والشريكات بناء على الحب أو التفاهم. إنما يدرسون جيدًا كل شخص حولهم/نّ ويختارون الأصلح لتحقيق الهدف. قبل الدخول في علاقة مع شخصية نرجسية، تأكدوا أنه تم دراستكم بتأنٍ، عرفوا تفضيلاتكم، تخوفاتكم، نقاط ضعفكم، وتم تقييمكم ووضع خطة مُحكمة لتسير العلاقة وفقًا لما يُريدونه. للشخصيات النرجسية نمط شائع في العلاقات العاطفية، وينقسم إلى ثلاثة مراحل أساسية: المثالية، التقليل من الشركاء، التخلي.

المثالية (Idealization): في هذه المرحلة يبدأ ما يُسمي بقنبلة الحب أو (Love Bombing) وهي مرحلة يهدف فيها الشخص النرجسي للسيطرة على تفكيركم، ويصبح محور حياتكم، يتغلغلون في حياتكم الشخصية، ولا يحترم أي حواجز أو حدود بينكما. ويستحوذ الشخص النرجسي عليكم، وقتكم، مشاعركم، تفكيركم. ويجعلكم تفكرون بطريقة تخدمه هو فقط، حتى لو لم يكن معكم حينها.

التقليل من الشأن (Devaluation): ما أن يستحوذ عليكم الشخص النرجسي، حتى تبدأ صفاته الشخصية في الانكشاف وتبدأ معها المعاناة الحقيقية. الآن أنتم أسرى. أفكاركم متمحورة حول إرضاءه. وقتكم مشغول به. معزولون اجتماعيًا بعد أن أغلقتكم حياتكم عليه/عليها. يصبح لديه/ها سيطرة كاملة على أفعالكم، وأفكاركم، وعلاقاتكم الاجتماعية، بما في ذلك وجودكم على الإنترنت، وإن حاولتم وضع حدود شخصية لكم، سيقلبون الطاولة عليكم ويصفونكم بالتطلب والاحتياج الدائم وفجأة يتحول المديح إلى نقد متكرر، وقد يصحبه استخدام أسماء وصفات للتحقير منكم.

إعلان

التخلي  (Discarding): في هذه المرحلة، يتخلى النرجسيون عن علاقتهم، وهذا يعني أنهم وجدوا إمدادًا آخر، وغالبًا ما يكون هناك أشخاص آخرين يحاولون استمالاتهم كضحايا جديدة، ويقدمونكم كبش فداء لنرجسيّتهم. مثلًا: (شريكي أهملني، شريكتي ضمنت وجودي، أنا ضحية في هذه العلاقة وأبحث عن علاقة جديدة أشعر فيها بالتقدير). تتحولون إلى جناة، ويتم تجاهلكم تمامًا. يرفضون اتصالاتكم، ويحظرونكم على وسائل التواصل.

ماذا أتوقّع عند إنهاء علاقة عاطفية مع شخصية نرجسية؟
النرجسيون لديهم أساليبهم التلاعبية في إبقاءكم داخل العلاقة حتى يقررون همّ الانفصال. لذلك، إن قررتم الانفصال عليكم/نّ توقّع الآتي:

  • ألعاب ذهنية والتلاعب العقلي والأذى النفسي حيث يفرض فيها المُتلاعب روايته الخيالية عمّا حدث. يجعلكم تتشككون في رواياتكم للأحداث والذكريات وفي صحتكم/نّ العقلية.
  • قلب الموازين وإقناعكم/نّ أنكم السبب في سلوكياتهم الهوسيّة (Guilt-Tripping).
  • الاعتذار ثم تبدأ مرحلة جديدة من قنبلة الحب والمثالية لإيهامكم/نّ أن الحظات السعيدة عادت.
  • يفرقون بينكم وبين الأشخاص الذين يعتقدون أنهم السبب في تغييركم (Triangulation).
  • استخدام الماضي ضدكم وضدكنّ. سيقولون أنكم تتصرفون بهذا الشكل لأنكم اعتدتم فعل ذلك مع شركاء وشريكات سابقين. أو أنكم تعانون من صدمة نفسية تجعلكم تسقطون مخاوفكم عليهم.
  • إثارة غضبكم أو مشاعركم السلبية عمدًا لاستخدامها ضدكم/نّ.
  • الحديث بشكل سيء عنكم/نّ مع الأصدقاء والعائلة خوفًا من تشويه صورتهم الاجتماعية.
  • بعضهم يلجأ للتهديد بالعنف أو بأذيتكم في حياتكم الشخصية والعملية والاجتماعية.
  • محاولة التواصل معكم من حين لآخر بعد الإنفصال لضمانكم كإمداد لهم وقت الحاجة.
  • الحرص على إعلامكم/نّ أنهم تجاوزوا العلاقة وأصبحوا مع أشخاص آخرين وأخريات وهم الآن أكثر سعادة.

إعلان

كيف أخرج من علاقة مع شخص نرجسي؟
الخروج من علاقة مع شخص ذو اضطراب شخصية نرجسية ليس أمرًا سهلاً، نظرًا للتلاعب الذي تعرّضنا له نفسيًا وعقليًا. في مرحلة متقدمة، نكون قد أدمنّا وجود الشخص في حياتنا ولا نتخيل العيش بدونه أو بدونها. نُعطي لأنفسنا آمال زائفة أنهم سيتغيرون للأفضل أو أن لحظات السعادة ستعود. يقول علماء النفس والأطباء النفسيون أن أغلب الشخصيات النرجسية لا تتغيّر، وأنه ليس مسؤوليتنا أن نُغيرهم أو نُصلحهم. لكن مسؤوليتنا أن نمضي قدمًا في حياتنا ونبدأ علاقات صحيّة يتم فيها احترامنا وتقديرنا بما نستحق. الخبر الجيد هو أن الخروج من تلك العلاقات ليس مستحيلًا.

الشخصيات النرجسية تبني حياتها على تفاعلكم العاطفي معهم/نّ. وسواء كان ذلك التفاعل سلبياً، كشعوركم بالقلق والتوتر والغضب من تصرفاتهم/نّ، أو إيجابي، كإظهار التعاطف معهم عند حديثهم عن أحزانهم التي لا تنتهي، فهم يحققون الغرض من وجودكم كإمداد لهم لتحقيق رغباتهم وتقديم صورة اجتماعية لأنفسهم باستخدامكم. يتغذّون عليكم حرفيًا.

تبدأ رحلة التعافي من أذى الأشخاص النرجسيين في لحظة إدراكنا أنهم نرجسيون في أي من المراح الثلاثة، وأن ما اختبرناه لم يكُن حبًا صادقًا، إنما فخًا مقصودًا وأذى صريح. إن كان إدراككم للشريك النرجسي أتى في المرحلة الثالثة، فإنكم قد تشعرون بالحزن من مغادرتهم فجأة، وتشعرون بأنكم كما لم تكونوا يومًا في حياتهم، خاصة لو بدأوا في الارتباط بأشخاص آخرين.

لا بأس، فالنرجسيون يدخلون في علاقات عاطفية بشكل سريع بعد الانفصال، ليُثبتوا لكم وللجميع أن العيب فيكم، ويُثبتوا لأنفسهم أنهم أجدر بعلاقة أخرى. إن كان في المرحلة الأولى، فإنه أسهل نسبيًا أن تقاوموا إغراءاتهم. لكن توقعوا المطاردة والتتبع والملاحقة. إن كان في المرحلة الثانية، فقد يتطلب منكم/نّ مجهودًا للانفصال عن الشخص النرجسي.

تقول جوديث أورلوف طبيبة نفسية إكلينيكية وأستاذة بجامعة كاليفورنيا إن هناك مراحل للخروج:

  •  اقطعوا الاتصال بشكل نهائي، احظروا قنوات الاتصال بينكما. ولا تلاحقونهم على مواقع التواصل. هؤلاء بارعين في إظهار أنهم سيطيرون من السعادة ومُحققين إنجازات العالم بأكمله.
  • لا تذهبوا للأماكن التي عادة ما يتواجدون فيها، لأنهم سيتعمّدون إثارة غيرتكم ومضايقتكم.
  • إن كنتم مضطرين للتعامل بحكم العمل أو القرابة أو وجود أطفال، فيكون في أضيق الحدود. وإن كنتم تعتمدون عليهم ماليًا، فمن الأفضل إيجاد مصدر آخر قبل الانفصال.
  • احذفوا الأصدقاء المشتركين من على حساباتكم: يعتاد النرجسيون على تجنيد أفرادًا مشتركين لضمان أن أخباركم تصل إليهم وأخبارهم تصل إليكم، اقطعوا الطريق على الجميع.
  • دوائر دعم: من المُفضّل إيجاد دوائر دعم آمنة لأشخاص مرّوا بعلاقات مؤذية وسامة. 
  • ابتعدوا عن الأشخاص الذين يتوجهّون إليكم باللوم على انتهاء العلاقة. واستعيدوا العلاقات الشخصية الجيدة التي انتهت أو انحصرت بسبب وجود الشخص النرجسي في حياتكم.