مرأة

معركة النسوية في السودان..بين تكفير أمل هباني وسخرية بنات نعش

اخترنا السخرية والنكتة كسلاح يفتك بالمنظومة الذكورية وفي نفس الوقت يسهل الوصول لشريحة أكبر من النساء
FB_IMG_1625540138099 copy
أمل هباني تتسلم جائزة لجنة حرية الصحافة بنيويورك عام 2018.

"بنات نعش" صفحة ساخرة تقود تياراً مختلف عن المجموعات النسوية التي ظهرت في السودان إبان ثورة الكنداكات، كما أسمتها وسائل الإعلام حينها. اختيار اسم الصفحة له قصة أسطورية مرتبطة بالنجمات الثلاث حاملات النعش، الباحثات عن ثأر أبيهم، الذي قتله النجم سهيل، رغبة في الفوز بالنجمات. بحسب القصة، حملت النجمات نعش الأب حتى يأخذن بثأره في مطاردة أبدية لا تنتهي ولا يصلون إلى سهيل أبداً ولا تتغير دائرتهم الثلاثية التي تجمعهم في رحلة أبدية نحو الخلاص.  

إعلان

بعد الثورة السودانية جرى استلهام الأسطورة العربية عن النجمات الثلاث في أكثر من عمل نسوي سوداني، فظهرت مسرحية "بنات نعش" في مهرجان المسرح السوداني، في عام ٢٠١٩، وظهرت رواية "بنات نعش" للكاتبة السودانية سارة عبد المنعم، ومنها أيضا تم استلهام الأسطورة في الصفحة النسوية الساخرة "بنات نعش."

تم إطلاق هذه الصفحة في مارس 2021، وتديرها ثلاثة نساء، رفضن الإفصاح عن هويتهن "لسنا آمنين حتى من أقرب الناس إلينا." استلهمت مديرات الصفحة تجربتهن من صفحة "أنا ماما يالا" في مصر وتلاقت أفكارهن مع حالة الغليان النسوي التي تعيش فيها نساء السودان المطالبات بحقوقهن، بعد سنوات من القمع.

وجدت بنات نعش في الإفيهات المصرية وأبطالها رموزا مستساغة للتعبير عن مرارة الواقع بلمحة ساخرة. تقول إحدى القائمات على الصفحة "أن استخدام السخرية يهدف لتقريب الأفكار النسوية من كافة الفئات." تزامنت نشأة الصفحة مع هاشتاغ أبوي_قتلني، الذي اجتاح مواقع التواصل السودانية في أعقاب مقتل الطفلة سماح الهادي 13 عاماً، على يد والدها في 19 مارس الماضي، وذلك لأنها طلبت من والدها نقلها لمدرسة أخرى تكن فيها مع صديقاتها.

إعلان

ليست السخرية فقط هي السلاح الوحيد الذي ترفعه بنات نعش في وجه المجتمع السوداني المغلق، لكنها رفعت الكثير من مواضع الخجل والخوف، متحررة من قيود اللغة، من خلال الحديث عن الجنس والرغبة، وحق النساء في الحصول على علاقة مرضية، فضلا عن حياة مرضية من الأساس.

"قامت نساء السودان بالثورة والآن يريدونا أن نعود للمطبخ،" تقول مديرة صفحة بنات نعش، وتضيف: "إن دور السودانيات في الثورة كان جليًا من اليوم الأول، فهن الفئة الأكثر قهرًا في السودان. لقد حان وقت التغيير ورفض النظام العام الذي فرض سلطته على النساء، وكان يحق له جلدنا أو القبض علينا أو حتى قتلنا دون اعتراض، لمجرد أن لباسنا لم يكن على مزاج ضابط النظام العام."

تواصل إحدى بنات نعش، حديثها: "مجموعات النساء على مواقع التواصل موجودة من قبل الثورة في السودان، لكنها كانت مجموعات للاستشارات العاطفية والأمور النسائية الخاصة. بعد الثورة، تحولت هذه المنصات لكيانات ثورية نسائية، تمد المعتصمين بوسائل الإمداد والدعم، سواء على أرض الواقع أو الدعم الإفتراضي. أطلقنا صفحتنا بوقت متأخر عن هذه المجموعات، لهذا اخترنا السخرية والنكتة كسلاح يفتك بالمنظومة الذكورية وفي نفس الوقت يسهل الوصول لشريحة أكبر من النساء."

من داخل هذا الصراع النسوي ضد الذكورية، نجد الصحفية والناشطة النسوية أمل هباني، التي تعتبر من النسويات الرائدات في السودان، فقد أسست في ٢٠٠٩ "مبادرة لا لقمع النساء" لرصد الانتهاكات ضد المرأة، وتنظيم الحملات لرفع الوعي النسائي، وتقديم العون لضحايا العنف والانتهاكات. 

تم اعتقال هباني من قبل قوات الرئيس السابق عمر البشير في مظاهرة الدفاع عن لبنى أحمد الحسين، التي تم اعتقالها مع 12 امرأة أخرى في ٢٠٠٩ بتهمة ارتداء البنطال في مطعم عام، تم الحكم عليها بموجب البند 152 من قانون العقوبات، الذي يعاقب بالجلد أو الغرامة أو العقوبتين معًا. قادت هباني وقتها حملات الدفاع عن لبنى حتى تم ابطال الحكم. حصلت هباني على عدة جوائز من بينها جائزة لجنة حرية الصحافة. وفي عام 2018، تم اختيارها مع مجموعة من الصحفيين أطلق عليهم لقب "الحراس" ومنحتهم التايم الأمريكية لقب شخصية العام.

إعلان

مؤخراً، قررت هباني أن تفتح النار على مفهوم تعدد الزوجات وآثاره، فهي ترى أن الهجوم خير وسيلة للدفاع- نفس الإستراتيجية التي تبنتها صفحة بنات نعش. تسبب منشور هباني عن تعدد الزوجات بموجة من الغضب حيث جاء فيه: "ممكن تستعيني بصديق يوم يذهب زوجك إلى زوجته الجديدة لأن فكرة التعدد لا يداويها إلا فكرة الاستعانة بصديق." 

الهجوم على هباني وصل لحد الحكم بردتها واتهامها بالإلحاد، والترويج لافكار تهدم الدين وتهدد المجتمع، والمطالبة بمحاكمتها. وعن ذلك تقول: "هدف المنشور هو مقاربة عن مشاعر النساء وما أجده من مفارقة عندما يتم تسويق تعدد الزوجات للرجال على أنه حقه. فيما ينظر للأمر باستهجان إن كان الطرف الراغب بالتعدد إمرأة. المنشور كان يستهدف الرجال في السودان بشكل خاص، ونظرتهم للمرأة على أنها عاهرة، إذا كان لها صديق رجل، حتى إن لم يكن بينهما علاقة جسدية."

وتضيف هباني: "تعدد الزوجات في المجتمع السوداني مقبول، ويتم التعامل معه على أنه الوضع الطبيعي. المنشور الذي كتبته حقق أكثر من هدفه رغم الهجوم الشديد، إلا أنني أثرت النقطة المفصلية، كما في قضية الحجاب، لماذا كل القيود على المرأة فقط؟ في المقابل، الرجل لا قيد عليه في ملابس ولا شهوة وليس عليه قطع أجزاء من جسده لترضية المجتمع؟ ولكن في النهاية نخضع سويًا نساءً ورجالاً لنفس العقاب ونفس الجزاء..أي عقل يقبل ذلك؟"

من بعد الثورة، أدركت هباني أهمية السوشيال ميديا في إثارة نقاشات ضرورية ورفع الوعي النسوي ومواجهة السلطة الأبوية، "هي سلاحي الذي سأواصل جهادي عليه مهما كانت شراسة الحرب ضدي،" تضيف هباني.

يشهد السودان منذ الثورة قبل سنتين وسقوط نظام عمر البشير (الذي حكم البلد لـ 30 عاماً) مرحلة انتقالية من التحولات السياسية والإجتماعية والإقتصادية. مع اعتراف الأغلبية بإنجازات الثورة، وتعليق آمال مستقبلية عليها، إلا أن البعض يرى أن الحكومة التي تجمع بين المدنيين والعسكريين لفترة انتقالية، لم تحقق كافة تطلعات الثوار.

وتقول هباني: "بالنسبة للنساء السودانيات، نجحت الثورة في تحقيق بعض أهدافها حيث تم تجريم ختان الإناث والسماح للنساء باصطحاب أطفالهن في حالة السفر، والغاء المادة 152 من القانون الجنائي فيما يتعلق بقانون الجلد "للزي الفاضح" للنساء، ولكن هناك مطالب أخرى لم يتم تحقيقها، من تجريم زواج القاصرات، وإقرار ولاية المرأة لنفسها في الزواج والطلاق، وتعديل قوانين الميراث. لا زال أمامنا الكثير من العمل."