1622115027235-friends-reunion
مقال رأي

لماذا كانت حلقة Friends: The Reunion محبطة بالنسبة إليّ؟

كفى يا هوليوود نوستالجيا سخيفة وابتذال للماضي "عمَّال على بطَّال"

قبل أربع سنوات تقريبًا شاهدت مسلسل فريندز للمرة الأولى، ووقعت أسيرة لعالم الأصدقاء الرائع خصوصًا، ومسلسلات السيتكوم عمومًا، ومنذ ذلك الحين أصبح هؤلاء المدهشون الستة أصدقائي شخصيًّا، وشكَّلت تفاصيل حياتهم سعادة ومتعة غير عادية، لدرجة تجعلني أتمنى لو أفقد ذاكرتي عن المسلسل لأشاهده كأنها أول مرة. حين أنتهت الحلقات شعرت بفراغ عميق، لم يملؤه إلا إعادة المشاهدة لمئات المرات. واليوم، لا تمر وجبة لي دون أن أسترخي مع حلقة أو اثنتين لفريندز، وأحيانًا أضحك كأنها المرة الأولى.

إعلان

بعد نهاية المسلسل, بدأت أقرأ كثيرًا من النظريات والتوقعات والمطالبات بجزء جديد يعيد رفاقنا إلى الشاشة، ومقابلات مع المنتجين، وفريق العمل، أبرزهم مقابلة مع ماثيو پيري -تشاندلر بينج-، قال فيها إن لديه كابوس يراوده كثيرًا في نومه، ويرى فيه أنهم يعودون لتصوير المسلسل لكن أحدًا لا يهتم بهم على الإطلاق، ويدرك أنهم فقدوا بريقهم إلى الأبد، فيستيقظ مفزوعًا. لقد جعلني هذا أتذكر حقيقة قاسية وهي أن المرء يجب أن يتوقف في ذروة نجاحه، قبل أن يسقط في هاوية الابتذال، وهنا تصالحت مع فكرة أن فريندز انتهى للأبد.

بعد هذا صارت تزعجني دعوات أن يعود المسلسل من جديد، وفي كل عام يسقط ملايين من المتيمين بالمسلسل ضحية لفيديوهات مفبركة عن "إعلان الموسم الجديد لفريندز" مع لقطات مقتطعة بعناية من أعمال فنية للكاست تخدم الفكرة، ويصاب الجميع بالجنون خصوصًا في الأول من أبريل. إنها الكذبة الأشهر سنويًّا، لهذا تعاملت مع خبر حلقة لم الشمل Friends: The Reunion باعتبارها كذبة أخرى، لكن حين طُرح البوستر أصبت بذعر حقيقي. لماذا يفعل الإنسان هذا في نفسه؟ الميت يجب أن يبقى ميتًا، أرجوكم دعوا المسلسل لحاله ولا تحولوه لزومبي.

رفضت تمامًا فكرة الحلقة، وعزمت على مقاطعتها وعدم التعرض لها نهائيًّا، لم أرد أن أخرق الوهم الذي صنعه المسلسل في حياتي وذكرياتي على مدار سنوات. أريد لأصدقائي الستة أن يبقوا عالقين في الزمن كما تركتهم، وكما أعرفهم ويشاركونني حياتي كل يوم، وكما أريد أن أتخيل تفاصيل حياتهم لاحقاً على هواي. أليس هذا هو الهدف من الفن والدراما؟ أخذك إلى عالم متخيل قد يبدو أقل قسوة من الواقع؟

لم أشاهد حلقة جمع الشمل حتى يومين مضيا، بعد تحذير صديقي المقرب لي لأنها "أكثر شيء مثير للشفقة في العالم" على حد وصفه. لم يتحمل صديقي أكثر من ربع ساعة، لكنني سقطت أسيرة لأجواء الحلقة أعترف، وبكيت كل دموع العالم من التأثر والسعادة، ورغم بعض النقاط الإيجابية اللطيفة، كانت الحلقة محبطة من أوجه كثيرة.

إعلان

ما هذا المذيع؟
مشكلتي الأولى في الحلقة هي مقدمها البريطاني جيمس كوردن، بمساحة حضوره الضئيلة -ورغم ذلك المزعجة- للغاية، والتي تقتصر على إثارة الضحك، والتظرف، دون أسئلة حقيقية عميقة. الأسئلة التي طُرحت بالحلقة كانت شديدة السخافة. من منكم أعجب بمن؟ هل روس ورايتشل كانا منفصلين on a break؟ حقًّا! هل هذا كل ما فكّرت فيه وأنت تستعد لمقابلة ممثلي أشهر سيتكوم في العالم؟ إنها أسئلة عرفنا إجاباتها منذ سنوات في مقابلات تلفزيونية مختلفة، وتحدث عنها الممثلون منذ قرون، لماذا لم توجه أسئلة أهم بكثير؟

لقد كان مسلسل فريندز علامةً بارزةً في تاريخ أبطاله، فكيف تأثروا بهذا النجاح الجنوني؟ وكيف كان جانبه السلبي عليهم؟ كممثلين وكأشخاص؟ باستثناء جنيفر أنيستون (رايتشل جرين)، لم يذع صيت باقي الكاست في أعمال منفصلة. كيف شعروا وهم يدركون أنهم أنجزوا أكبر شيء في حياتهم بالفعل، وكل ما سيأتي لاحقًا سيكون أقل أهمية؟ هل شكّل نجاحهم عقبة منعت المنتجون من الاستعانة بهم في أعمال أخرى؟ أم أن موهبتهم توقفت عند حدٍ وشكلٍ معين بسبب المسلسل؟ لماذا اختار المنتجون إنتاج سلسلة فرعية لشخصية جوي رغم عدم ثرائها مقارنة بفيبي التي عاشت حياة عجيبة مريبة، تحمل أطنانًا من مسببات الكوميديا؟

هذه أسئلة فنية بسيطة تتصل مباشرة بالمسلسل، وهناك أسئلة أخرى أعمق كانت تستحق الطرح عن السيناريو في عصر ما قبل الصوابية السياسية، إذ حفل العرض بالكثير من التناقضات، فقد كان الأبطال متصالحين مع المثليين بشكلٍ واضح؛ وظن أغلبهم في مرحلةٍ ما أن تشاندلر مثلي الجنس، وكانوا متقبلين لهذا، وتقبلوا مثلية كارول، زوجة روس السابقة، وشجعوه على تجاوز هذه الصدمة لأنها حياتها وما يهم أنها سعيدة، في نفس الوقت كانت هناك كثير من الدعابات المفعمة برهاب المثلية Homophobic Jokes، ودعابات أشنع عن العابرين جنسيًّا، رغم أن تشاندلر بينج تصالح مع كون والده امرأة عابرة جنسيًّا. لماذا هذا التناقض؟ ألم ينتبهوا له في حينه، أم كان جزءًا عاديًّا من الحياة لا يلفت نظر أحد؟ أم هو قرار المنتجين والكُتَّاب ضد رغبتهم؟ وما رأيهم في انتقادات جمهور الشباب الحالي لهذا "الانتهاك" للصوابية السياسية التي تُلجم حياتنا من عدة نواحٍ الآن؟

عادة ما تنتهي علاقة الفنان بعمله فور إنتاجه، والبائسون فقط من يتوقفون عند نجاحهم ويعجزون عن تخطيه، ويستهلكون أنفسهم طويلاً في متابعة تطوره وما يقوله الجمهور عنهم. أنا أفهم هذا، وبعض القراء يتذكرون من رواياتي أشياءً لا أذكر أني كتبتها من الأساس، لكنني شعرت بخيبة أمل كبيرة حين ظهرت على أبطال المسلسل الدهشة وهم يستمعون لحجم النجاح الذي حققوه، وكم تعلق بهم الجمهور، وأرقام المشاهدات وغيرها. تكرر الشعور عندما أفصح ديفيد شويمر -روس جيلر- أنه لم يشاهد المسلسل منذ انتهى عرضه، وعندما قال مات لوبلانك -جوي تريبياني- إنه لا يصدق الأحداث لأنه مثَّلها بنفسه ويدرك أنها غير حقيقية. رفقًا بقلبي يا شباب! ماذا تفعلون بي. لقد ذكَّرني هذا بإحدى حلقات المسلسل عندما أجرى جوي مقابلة صحفية، وسألته الصحفية عن مسلسله المفضل فقال "أنا لا أشاهد المسلسلات، فلدي حياة أعيشها". يا للسخرية.

إعلان

رعب عمليات التجميل 
أوكي، لقد أصبحت عمليات التجميل جزءًا بارزًا في حياتنا اليوم، وأنا لا أعارضها بشكلٍ مطلق، ولا أستبعد أن أجرى واحدة لحل مشكلة مزمنة أعانيها، لكنني أكره عمليات التجميل التي تمنح الجميع نفس الملامح وكأنها خرجوا من خط إنتاج في مصنع. الأمر لا يرجع لعامل السن، الكَبر حلو، ماجي ويلر ظهرت جميلة وتشبه جانيس التي نعرفها، ومارتا كوفمان المنتجة أجمل باختلاف لون شعرها من الرمادي للأبيض. أحببت مات لوبلانك، فقد كان على الأقل شخصًا طبيعيًّا ويشبه نفسه.

في عالم مثالي كنا لنأمل أن يناقش مقدم الحلقة هذه القضية كيف تفرض الصناعة على النساء أن يبقين صغاراً بالسن لأن حياتهن الفنية قد تنتهي إذا ظهرن بوزن زائد أو بشعرة بيضاء، أليس الحديث عن هذه الأمور جزء من نضج التجربة كإنسان وكفنان، أن نتمكن من نقد الماضي والحاضر، وأن نتصالح مع فكرة أننا لم نعد شباباً خائفين باحثين عن رضى المنتج واعجاب الجمهور. ما المشكلة في طرح سؤال عن تعامل الكاست مع ضغوط النجومية وتأثير ذلك على صحتهم النفسية. أشار ماثيو/تشاندلر (الذي عانى من الإدمان) بأنه كان مرعوباً من عدم ضحك الجمهور على نكاته في المسلسل، لا شك أن توقعات الجمهور التي قد تلعب دورًا قاسيًّا وغير إنساني في تحديد حياة ومظهر شخص تصادف أنه نجم محبوب. لكن، المقدم كان مشغولاً بتجهيز أسئلة خطيرة عن: هل كان روس ورايتشل منفصلين أم لا.

تحطيم الصورة الذهنية عن علاقات الأصدقاء
في إحدى حلقات المسلسل غضبت فيبي من جوي بشدة، لأنه أهمل موعدٍ لهما لمجرد أنه قابل فتاة وخرج معها في موعد غرامي Date، وقد تشاجرت معه وقالت له: "العلاقات تأتي وتذهب، أمَّا صداقتنا فأبدية، لا يمكنك أن تتعامل معي كوسيلة لتمضية الوقت حتى تجد حبيبةً." لقد ساندت هذه الجملة مشاعري العميقة نحو أصدقائي، وأهم تصوراتي عن الصداقة باعتبارها من أعمق العلاقات الإنسانية، وكتبت عن لماذا تتلاشى حياتنا الاجتماعية بعد الزواج ونخسر أصدقاءنا بعدما نجد شريكًا، لكن صدمني في الحلقة كلام المنتجين: "المسلسل يحكي عن تلك الفترة من حياتنا التي يكون فيها الأصدقاء هم العائلة، لهذا حين نؤسس عائلتنا الحقيقية، يكون من المحتم أن نرحل (ينتهي المسلسل)." هذه واحدة من أكبر لحظات خيبة الأمل التي مررت بها إزاء عملٍ فني، خصوصًا أنها تتناقض بشدة مع قدمه هذا العمل من قيم مهمة كالصداقة. لقد كان روس ورايتشل مستعدين لترك إيما في رعاية تشاندلر ليربيها إذا ماتا، فكيف تنتهي -أو تتسطح- هذه العلاقة لمجرد أنهم أسسوا عائلة.

إعلان

ابتذال النجاح
هذه نقطة رفضي الأولى لأي عملٍ جديد متعلق بمسلسل فريندز. لا أنكر أن جزءًا مني يحلم من وقتٍ لآخر أن تمتد السلسلة بشكلٍ مختلف. من المستحيل طبعًا أن يعود المسلسل ليركز على الأصدقاء، لأننا تعلقنا بهم كشباب يواجهون الحياة ويحاولون تخطي إحباطاتها، والعثور على الحب والاستقرار. أتصور مسلسلاً يضم أطفالهم مثلاً: بن وإيما جيلر، وإيريكا وجاك بينج، سيكون شيئًا لطيفًا، وعندها قد يظهر الأصدقاء بشكل عابرٍ، وقد نتمكن من رؤيتهم كآباء وأمهات. لكنني كنت أعود لصوابي دائمًا وأقول لنفسي إن الميت يجب أن يبقى ميتًا، لمصلحتنا كجمهور قبل مصلحتهم كفريق عمل.

كل شيء يصل لنهايته، وهذا طبيعي، واختيار النهاية في ذروة النجاح هو نجاح. وكفى يا هوليوود نوستالجيا سخيفة وابتذال للماضي "عمَّال على بطَّال." أنا مؤمنة للغاية بهذا، لأنني من جيل عاصر روايات "رجل المستحيل" وكنت مجنونة بأبطالها، ولكن كلما بلغت السلسلة ذروتها الصالحة للتوقف، استأنفها مؤلفها، الدكتور نبيل فاروق، بحبكات ملتوية ازدادت غرابة وافتقارًا للمنطق مرة بعد أخرى، حتى صرت أدعو أن يموت بطلي المفضل لأستريح من هذا العذاب، وانتهى الأمر بأن فقدت شغفي بالسلسلة، وكل كتاباته، بعد عقد وأكثر من متابعته. على النقيض توقف أحمد خالد توفيق عن سلسلة (ما وراء الطبيعة) في أوج مجدها، إذ شعر بنضوب أفكاره، وتمسك بموقفه رغم "المندبة" الجماعية لقرائه الذين توسلوا له ليستمر.

أحب فريندز للغاية، ورغم اعتراضي على الكثير من التفاصيل في هذه الحلقة الخاصة التي كان يمكن أن تكون أفضل وأكثر حقيقية، إلا أنني شعرت بسعادة شديدة، وبكيت تأثرًا، وأحببت كثيرًا من العناصر، مثل ظهور بعض ممثلي الأدوار الصغيرة، وبروفات الترابيزة، وأجواء الكواليس، وذكريات المنتجين عن اختيار الكاست. الجانب التنفيذي أثار خيالي للغاية باعتباري أسعى لشق المجال السينمائي كمخرجة، وأواجه كثيرًا من الصعوبات التي واجهوها، ماديًّا ومعنويًّا، لكن الحلقة فعلاً لا تخرج عن كونها خدمة للمعجبين Fan Service، هدفت للمرح وإثارة الجمهور، واللعب على النوستالجيا.

صناعة الترفيه هي بيزنس من حق أصحابه أن يربحوا لقاء تعبهم، لكنني وددت وجود بعض العمق والجدية في جزء من الحلقة، حتى ولو كان صغيرًا، ومناقشة لبعض القضايا التي مر عليها المسلسل مرور الكرام، ودون عمق كافٍ. هذا المرور العابر كان مفهومًا بالنظر لطبيعة المسلسل الكوميدية، لكن تجاهله غير مفهوم الآن. إنه مُربح حتى بمنطق اقتصادي بحت، سيثير جدلاً أكبر، ويجذب مشاهدين جددًا، ويزيد عدد المشاهدات.

على أي حال لقد جاءت الحلقة وانتهت، لمحة عابرة سأتناساها سريعًا، وأعود لأتمسك بأصدقائي الذين أعرفهم. وكما قالت كورتني كوكس في الحلقة: "ربما لا نجتمع مجددًا في غرفة واحدة قبل 15 عامًا إضافية." أتمنى هذا من كل قلبي.