GettyImages-884603966

مزارع في حقل لزراعة القنب بالقرب من بلدة كتامة في منطقة الريف شمال المغرب. على الرغم من أن القانون المغربي حتى الآن يحظر بيع واستهلاك القنب، لكن هذا لم يمنع المزارعين من زراعته، حيث تستفيد منه نحو 90 ألف عائلة تعيش في مناطق الريف والجبال في شمال البلاد.(تصوير فادل سينا/ وكالة الصحافة الفرنسية/ غيتي ايميجز)

مجتمع

هذا هو الوقت المناسب -المغرب ستشرع تقنين زراعة القنب الهندي لاستخدامات طبية

"من يرفض هذا القانون بحجة أننا بلد إسلامي، ربما يجب تذكيرهم بأن المغرب واحد من أكثر البلدان إنتاجًا وتصديرًا للخمور على الصعيد العالمي"

في ٢٠٢٠ أصبحت لبنان أول دولة عربية تشرع زراعة وتسويق القنب الهندي لأغراض طبية. هذا العام، جاء دور المغرب. بعد سنوات من الأخذ والرد بخصوص فعالية تقنين هذه النبتة التي كانت زراعتها خاضعة لإطار قانوني ينظم استعمالها لأغراض طبية في المملكة، قبل وضع حد لها سنة 1954، صادقت الحكومة المغربية على مشروع قانون جديد لتشريع استخدام القنب لأغراض طبية.

وينص القانون على "إخضاع كافة الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته إلى نظام الترخيص." وسيتم إنشاء وكالة وطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بـ "الكيف" كما يطلق عليه في المغرب، بهدف متابعة ومراقبة مراحل زراعة وإنتاج وتسويق نبات القنب الهندي باحترام الشروط القانونية. ولا يسمح لأي كان ممارسة أي نشاط ذي علاقة بهذه النبتة دون الحصول على ترخيص معتمد من طرف الوكالة، مع تحديد مناطق بعينها لزراعة "الكيف."

إعلان

ويسعى مشروع القرار لاستغلال الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، مع متوسط توقعات نمو يقدر بـ60٪ في أوروبا و30٪ عالميًا، واستقطاب الشركات العالمية المتخصصة وتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات. بينما يظل استعمالها لأغراض "ترفيهية" محظورًا. وسيعرض القانون في وقت لاحق على البرلمان وسيدخل حيز التنفيذ فور المصادقة عليه.

يصف الأستاذ كريم العراقي، اقتصادي وخبير في الشؤون الجيوسياسية في منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط في مقابلة مع VICE عربية، مشروع القانون "بالضبابي" وأنه "نزل من العدم" حسب قوله. فهو يرى أن الوقت غير مناسب للإعلان عن هذا القانون الجديد، لأنه لم تتم مناقشته أو تحليله بالشكل السليم: "لدي تعقيب حول الظروف والطرق التي تخرج بها القوانين في المغرب بشكل عام. للأسف، وعكس ما نصادفه في الدول الأجنبية، القوانين المهمة في المغرب، مثل ما نتحدث عنه الآن مثلًا، لا يسبقها أي نقاش معمق بمشاركة كافة الجهات المعنية، أو دراسة تفصيلية تحلل التأثير السوسيو اقتصادي للقرار الجديد. لماذا يخرج قانون من العدم هكذا دون سابق إنذار؟ أولًا أجد أن الأمر ينم عن قلة احترام تجاه المواطن المغربي، ويُقصي آراء الخبراء الذين بإمكانهم إثراء مضامين القرارات بوجهات نظرهم، وهو ما يخلق هالة من الشك في نفوس المواطنين. فكما أقول دائمًا "أينما وُجِد الضباب اختبأت الذئاب."

تشريع القنب لا يزال موضوعاً جدلياً في المغرب، بين من يرى أنه يمثل دعوة علنية للخروج عن تعاليم الإسلام وتشجيع استهلاك المخدرات، ومن يعتبر القرار خطوة جريئة نحو الانتفاع به صحيًا واقتصاديًا. ورداً على قرار التشريع، خرج رئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بنكيران، بمنشور على صفحته على فيسبوك يعبر فيه عن تجميد عضويته في حزب العدالة والتنمية -المعروف بتوجهه الإسلامي- الذي يقود الائتلاف الحاكم في المغرب.

إعلان

نحن نعيش في بلد إسلامي ولله الحمد، ولا أمير المؤمنين أو رئيس الحكومة سيسمحان بإجازة الحرام في بلدنا

عندما سألنا مجموعة من الشباب المغاربة عن رأيهم بخصوص هذا القانون، الذي جاء بعد أشهر قليلة من إعلان الأمم المتحدة لإزالتها القنب الهندي للأغراض الطبية من لائحة العقاقير الأكثر خطورة في العالم، جاءت الردود في مجملها إيجابية وترحب بشدة بهذا المشروع الجديد.

يخبرني محمد أمين، 18 عامًا، طالب ثانوي: "أنا مع هذا القانون، حتى أنني أرى أنه تأخر في الخروج إلى حيز الوجود. في الحقيقة، لقد كان حزب الأصالة والمعاصرة (ثاني قوة سياسية في المغرب) من أوائل من طالبوا بتقنين زراعة نبتة القنب الهندي في المغرب. واليوم، وبدون سابق إنذار، يخرج إلينا المجلس الحكومي تحت إدارة حزب العدالة والتنمية بمشروع قرار يقنن مجال زراعة القنب الهندي وتسويقه. لقد كان حقًا قرارًا مفاجئًا لنا جميعًا خصوصًا من طرف هذا الحزب المعروف بتوجهه الإسلامي، وهذا قبيل أشهر من الانتخابات التشريعية الوطنية." ويضيف: "استعمال الكيف سيكون فقط لأغراض طبية فقط، والسبب معروف، فنحن نعيش في بلد إسلامي ولله الحمد، ولا أمير المؤمنين أو رئيس الحكومة سيسمحان بإجازة الحرام في بلدنا."

من جهته يقول مهدي، 30 عامًا، مسؤول تواصل: "يتم زراعة وتسويق القنب الهندي على مرأى ومسمع الجميع، بينما هو في نفس الوقت غير قانوني. أظن أن هذا هو الوقت المناسب لتغيير المعتقدات بخصوص هذه النبتة وتوعية الناس بمنافعها الطبية، بعيدًا عن الصورة السلبية التي نحملها عنها كمخدر بالدرجة الأولى."

ويرى مهدي أن القانون الجديد سيسمح للمزارعين بالعمل أخيرًا داخل إطار قانوني يحميهم ويساعدهم على خدمة أهداف صناعية وصيدلانية نبيلة. "سيكون هناك فوائد اقتصادية ومالية لخزينة الدولة، كما أنه من شأن هذا القرار أن يضع حدًا للاتجار الداخلي غير المشروع لشبكات المافيا المُستحوذة على السوق بأكمله."

إعلان

ويحتل المغرب المراتب الأولى لأكثر الدول المنتجة لنبات القنب الهندي في العالم، بمجموع إنتاج سنوي يقارب 700 طن. هذه النقطة تجعل من الفلاحين المشتغلين في القطاع بشكل سري، يعانون الأمرين بين قانون يجرم زراعة الكيف والاتجار به مما يعني تعرضهم للسجن (يقدر عدد المطلوبين بسبب زراعة القنب أكثر من 30 ألف شخص) وبطش عصابات التهريب التي تلاحقهم وتستولي على محاصيلهم.

بهذا الصدد، يقول الأستاذ العراقي: "لمشروع القانون هذا إيجابيات كثيرة. سيتمكن المزارعون الصغار أخيرًا من تسويق منتجاتهم مباشرة دون ضرورة المرور من جهات ثالثة قد تستغلهم لأغراض خارجة عن القانون. بخصوص اقتصاد المغرب، فهذا القرار يعني مزيدًا من الإنتاج والتصدير خارج البلاد، وتداول سيالات أكبر من العملة الصعبة."

ولكنه يشير إلى أن مشروع القرار يقنن استعمال القنب الهندي لأغراض طبية حصرًا وفي حين أن ذلك سيفيد شركات الأدوية، إلا أنه من غير الواضح الأثر المباشر على المزارعين. ويشرح ذلك بالقول: "تقنين القنب سيسمح لشركات الأدوية خصوصًا بشراء هذه النبتة عبر وكالة سيتم إحداثها من طرف الدولة لهذا الغرض من التعاونيات المنخرطة في المشروع، من أجل صناعة منتجاتهم الطبية وتسويقها على الصعيد المحلي والعالمي. لكن ما يخيفني هو الشروط التي سيتم اعتمادها لاختيار المزارعين الشركاء في هذه العملية بطريقة منصفة وعادلة. هل سيتم اللجوء إلى طلبات عروض مفتوحة ونزيهة، أو غيرها من الأدوات الشفافة، للتعاقد مع هؤلاء الفلاحين؟ لا تزال هناك الكثير من علامات الاستفهام."

وبحسب دراسة حديثة فإنه من المتوقع أن يجني المغرب حوالي 10 مليار دولار بحلول عام 2023، من عائدات التجارة المشروعة للقنب الهندي، ويفتح فرص عمل تصل إلى حوالي 100 ألف وظيفة. وتقدر بعض الدراسات أن الجزء الذي كان يعود إلى المزارعين قبل التقنين كان يقدر بنحو 40 مليون دولار، أي دخل متوسط سنوي يُقدر بألفي دولار لكل مُزارع، فيما تقدر المبالغ التي يستحوذ عليها الوسطاء، سواء أكانوا مغاربة وأجانب، بحوالي 12 مليار دولارا، أي 54 ضعفًا لما يجنيه المزارعون. ويقدر عدد الأسر التي تعيش من هذه الزراعة حاليًا بنحو 80 إلى 120 ألفًا.

إعلان

تقنين زراعة القنب الهندي ليس الحل السحري في وجه البطالة، لكنه على الأقل سيساهم في الرفع من ظروف عمل الفلاحين المزرية وتطوير الصناعة الصيدلية

"كي نكون صريحين مع أنفسنا، العديد من العائلات تعيش على عائدات هذا القطاع الذي عرف تطورًا هائلًا في الظل فقط، وقد حان وقت تأطيره قانونيًا والاستفادة من مزاياه خصوصًا بالنسبة للفلاحين الصغار. مع وضع أطر قانونية للأنشطة المرتبطة بهذه الصناعة، سيتم تأمين حقوق العاملين ومساعدتهم على إيصال بضائعهم إلى جمهور أوسع وبشكل قانوني. هناك العديد من الدول التي أجازت استخدام هذه النبتة لأغراض طبية أيضًا وقد نجح معها الأمر،" يقول الطيب، 29 عامًا، محلل مالي.

أما شيماء، 20 عامًا، طالبة قانون، فتتحدث عن الأثر الايجابي لتشريع القنب على الكثير من المرضى: "هذا القرار تتمثل في استعمالات القنب الهندي الطبية، التي تشمل أدوية الباركينسون والصرع وغيرها. وأيضًا في مجال التجميل، نبتة الكيف لها منافع وفوائد كثيرة على البشرة والجلد. هذه الأمور ستساهم في استقطاب شركات أدوية أجنبية تبحث عن المادة الخام، وهو ما سيدفع بالمغرب للاستفادة من أرباح التسويق والتصدير إلى الخارج."

وتسمح الكثير من الدول في أوروبا وأمريكا اللاتينية وكندا وعدد من الولايات الأمريكية بزراعة القنب واستخدامه للأغراض الطبية، مثل التخفيف من الألم المترتبة عن حالات التشنج العضلي وتصلب الأنسجة وتسكين آلالام لمرضى المصابين بالسرطان والصرع والتصلب اللويحي.

وتعليقًا على تجارب باقي الدول التي اعتمدت هذا القرار قبل المغرب، يقول الأستاذ العراقي: "جميع الدول التي قننت زراعة القنب الهندي خصوصًا في كندا وبعض الولايات الأمريكية أظهرت نتائج إيجابية عمومًا لأنها اعتمدت بالأساس على الشفافية في تواصلها مع المواطنين، وقامت بدراسات سوسيو اجتماعية معمقة قبل اتخاذ قرار تقنين زراعة القنب الهندي، مع تقييم كل مرحلة من المخطط."

وهذا ما يؤكد عليه محمد مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمجالات اجتماعية أخرى من أجل خلق التوازن والتطور الاقتصادي المرجو من هذا القرار: "تقنين زراعة القنب الهندي ليس الحل السحري في وجه البطالة، ولا الطريق الوحيد الذي سيؤمن تطور البلد اقتصاديًا، لكنه على الأقل سيساهم في الرفع من ظروف عمل الفلاحين المزرية وتطوير الصناعة الصيدلية. إن ما يخلق النمو الاقتصادي هو الاهتمام أكثر بالمجال الصناعي خصوصًا في المناطق والجهات المهمشة والأقل تطورًا، وتسريع ورشات نمو المشاريع الاقتصادية، والتغطية الصحية، والقضاء على الرشوة، وتحقيق الجهوية المتقدمة، والحد من الفوارق الاجتماعية خصوصًا فيما يتعلق بمجالات التطبيب والتعليم."

وعن إمكانية استهلاك القنب الهندي لأغراض طبية، إذا ما استدعت الضرورة ذلك، يقول مهدي أنه لا يرى أي ضير من استعمال هذه النبتة في إطارها القانوني وتحت الإشراف الطبي الصائب: "بالنسبة للأشخاص الذين يرفضون هذا القانون بحجة أن المغرب بلد إسلامي ولا يجب عليه السماح بنشر ثقافة المخدرات بين العموم، فإنني أرى أنهم يشيحون بوجوههم عن الواقع. ربما يجب تذكيرهم بأن هذا المغرب الذي يتكلمون عنه هو واحد من أكثر البلدان إنتاجًا وتصديرًا للخمور على الصعيد العالمي. فقط لكون المملكة بلد إسلامي، فهذا لم يمنعنا من استغلال مصادرنا الطبيعية لصالحنا، والاستفادة من مناخنا وأراضينا الزراعية لتربية كروم العنب. ربما حان الوقت لفعل الشيء نفسه مع القنب الهندي."