مقال رأي

محاولة لتفسير سبب شعورنا كشباب بالحنين لحقبة السبعينات

كثيراً ما نرى صوراً بالأبيض والأسود لطالبات جامعة بتنانير قصيرة لتعرض كيف كنا في أيام "الزمن الجميل" ولكن يتجاهل مروجو هذه النوستالجيا السياقات الكاملة، مثل حجم شريحة النساء اللواتي استطعن دخول الجامعة فعلاً؟
julian-myles-QfozoU3hUgw-unsplash
Photo by Julian Myles on Unsplash


عندما تقدم أفلام الخيال العلمي القديمة تصوراً متفائلاً للمستقبل، فإنه غالباً ما يشمل – بالإضافة إلى المباني الغريبة والسيارات الطائرة- الأزياء. بزات غريبة، قبعات لم نر مثلها من قبل، وبالعادة بألوان ميتاليك. في المستقبل الذي هو حاضرنا، لم نشهد أياً من هذه التغيرات، بل على العكس، نحن نعود إلى الماضي.

وهذا يعيدني لفيلم HER فمع تصوره المتشائم للمستقبل الذي نخسر فيه علاقاتنا الحقيقية مقابل بناء علاقة مع آلة، اختار المخرج نمط أزياء من السبعينيات والثمانينيات، ولولا التطور التكنولوجي لشعرنا أننا نشاهد فيلماً قديماً، وليس فيلماً تم انتاجه في 2013 ويتحدث عن المستقبل. الأزياء في هذا الفيلم كانت صادمة وغير متوقعة، لكنها قد تكون فعلاً هي المستقبل.

إعلان

نحن نشهد عودة السبعينيات في مناحٍ مختلفة، على رأسها الموضة، أي صفحة فيسبوك لمجلة ما ستنشر عنواناً مثل: موضة السبعينيات تعود في 2021 وشتاء 2022. لكن ليست الموضة لوحدها. في مجال الديكور الداخلي وفي السينما مع فيلم The House of Gucci واحد من الأفلام المنتظرة والذي تدور أحداثه في السبعينيات مع الأزياء الجميلة لتلك الفترة. في الموسيقى، شهدنا عودة واحدة من أشهر فرق السبعينيات Abba بألبوم جديد بعد أربعين عاماً، كما شهدنا صدور المسلسل الوثائقي 1971: The Year That Music Changed Everything.

أتفهم الحنين لموضة التسعينيات حيث صار بإمكاننا استخدام حقائب أمهاتنا القديمة وارتداء التيشيرتات البيضاء العريضة. نوستالجيا التسعينيات وتذكر طفولتنا وأمهاتنا عندما كنّ شابات وربما أكثر سعادة، لكن ماذا عن نوستالجيا أزمنة لم نعشها فعلاً؟ هذا النوع من النوستالجيا شائع جداً، ونسمع الكثير من الأشخاص يقولون بأنهم لا ينتمون إلى هذا الزمن.

ضحى أحمد، 24 عاماً، من العراق: تعيش هذا الشعور. تقول أنها لا تنتمي لهذا الزمن: "أنا أنتمي لزمن سعاد حسني في الستينيات والسبعينيات عندما كانت الأفكار تعني شيئاً والقضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية هَم يحمله جميع الناس. أما الآن الفردانية تسود وكل شخص يهتم بنفسه." بسبب انتمائها الفكري إلى ذلك الوقت، تتبع ضحى موضة الستينيات والسبعينيات في ملابسها: "في ذلك الزمن كانت النساء أكثر أنوثة. ملابسي ومكياجي من ذلك الزمن وليس من الوقت الحالي."

إعلان

تهيمن فكرة الزمن الجميل على أذهان الكثير من الشبان مثل أمين عامر، 25 عاماً، من لبنان الذي يقول: "أفكر أحيناً لو أنّني عشت في الزمن الجميل، زمن أم كلثوم وعبد الحليم، لكان حالي أفضل بالتأكيد، والحياة أجمل. أكيد أفضل مما نعيشه الآن." وتتطلع تقى البوش، 24 عاماً من سوريا إلى الماضي كذلك، وهي كما أمين تربط حنينها للماضي بالوضع الحالي وما تعرضت له بلدها من حروب ولجوء: "نعم أريد العيش في زمن ماض، لأن النزوح بسبب الحرب في سوريا جعل التفكير بالحاضر أو بالمستقبل مستحيلاً."

يؤثر عدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمان على الكثير من الشباب في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة، وهذا يؤدي إلى نوستالجيا جماعية تقريباً. ولا شك أن العوامل السياسية ساهمت في استعادة السبعينيات ثقافياً. على سبيل المثال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والذي أعاد التذكير بما حدث في فيتنام في السبعينيات، كذلك النشاطات التحررية التي نشطت في بين الستينيات والسبعينيات مثل "حركة الفهود السود" التي يمكن استعادتها بسهولة مع شعار Black Lives Matter الذي انطلق بقوة للمرة الثانية مع مقتل جورج فلويد، مواطن أمريكي من أصل افريقي على يد الشرطة الأمريكية.

إعلان

كما شهدت تلك الفترة الموجة النسوية الثانية ومفهوم "الشخصي سياسي" الذي عاد إلى الواجهة بشكل أكبر مع فيروس كورونا، وارتباط تفاصيل الحياة اليومية بالسياسية، وبشكل خاص النساء اللواتي عانين من ازدياد العنف خلال الحجر المنزلي.

هناك كذلك عوامل ثقافية واجتماعية. في العالم العربي كثيراً ما نرى صوراً بالأبيض والأسود لطالبات جامعة بتنانير قصيرة، لتعرض كيف كنا في أيام "الزمن الجميل" وكيف تغير حالنا اليوم وأصبح فستان فنانة ما حديث الساحة. غالباً، ما يتجاهل مروجو هذه النوستالجيا السياقات الكاملة، مثل حجم شريحة النساء اللواتي استطعن دخول الجامعة فعلاً، وطبقة الطالبات اللواتي في الصورة وعائلاتهن ومكانتهن الاجتماعية. ببعض البحث قد نجد إنه لم يكن زمناً جميلاً بالفعل، إنما كان مخصصاً لنخبة معينة صغيرة تستطيع الظهور بهذا الشكل.

إعلان

في أحيان أخرى تكون فكرة "الزمن الجميل" محقة، لكن بأي شأن؟ مؤخراً شاهدت بضعة حلقات من مسلسل "The Marvelous Mrs. Maisel" الذي اعتمد بشكل كبير على هذا النوع من النوستالجيا، فأحداثه تدور بين في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات والبطلة تنتمي لطبقة غنية، لذا يمكننا أن نرى جمال الفساتين والأثاث والنوادي. يمكننا بسهولة أن نقول يا له من زمن جميل! هل كان يعيش الجميع بهذه الطريقة؟ بالتأكيد لا.

من السهل أن نشعر بهذا النوع من النوستالجيا، وخصوصاً بالنسبة لجيل الشباب الذي عانى من كورونا وفترات حجر طويلة جعلتنا غير متيقنين من المستقبل، وغير قادرين على التطلع له بأي نوع من التفاؤل. فلا يوجد أمان وظيفي، الكوارث والحروب تملأ العالم، والوباء ما زال ينتشر، البيئة تذهب في اتجاه خطر جداً، وأثرياء العالم يزدادون ثراءً على حساب الأغلبية. عوامل الإحباط كثيرة، والرأسمالية تدرك هذا جيداً، فتبيعنا النوستالجيا التي نريدها كما في مسلسل مسز ميزل.

إعلان

مع كل هذا يأتي سؤال إلى الواجهة، وهو لماذا لا توجد أشكال ثقافية تعبر عن عصرنا بدلاً من استعادة الأشكال الثقافية السابقة؟

يطرح المنظر مارك فيشر في كتابه "أشباح حياتي" أننا محاصرون في حالة لم تعد فيها حركة ثقافية حقيقية وهامة أو تطور، ولم يعد هناك مستقبل." لقد أصاب الزمن الثقافي الخمول وكل أبعاد المستقبل تلاشت تدريجياً، فنجد أنفسنا نكرر الماضي.

يعتبر فيشر بأن الرأسمالية التي تسوق النوستالجيا وبالتالي انتشار النوستالجيا بشكل كبير، "يمنع تطوير أي شكل ثقافي جديد، سواء في الموسيقى أو الموضة أو السينما أو ألعاب الفيديو أو غيرها." ديزني مثلاً تستعيد أعمالها القديمة نفسها من خلال تقنيات جديدة، والموضة تكرر نفسها دون ابتكار جديد والأغاني تستخدم الأنماط القديمة نفسها. استرجاعنا الثقافي وتكرارنا للعتيق يمنعنا من الاستيقاظ وتخيل شيء جديد. وبهذه الطريقة يحدث الإلغاء البطيء للمستقبل.

تختلف براءة فاروق، 26 عاماً من الأردن، مع هذا الرأي، وتقول: "مهما أخذنا من الماضي فإننا نضيف عليه لمستنا الخاصة، لمسة الحاضر وتعقيداته، ولا يجب أن نقلل من شأن الحاضر الذي نعيش فيه، وإن انتبهنا قليلاً سنجد أن نقدم منتجات وأفكار جديدة طوال الوقت، لكن علينا النظر إلى الأمام بدلاً من الخلف."

يبدو ذلك صحيحاً، وإن كان التفكير بالمستقبل والنظر للأمام يعتبر أحيانًا.. رفاهية.